بعد اتفاقه مع المكون العسكري رغم رفض مؤيديه.. هل يفقد حمدوك حاضنته السياسية؟

الخرطوم – في وقت دوى صوت التصفيق الحار داخل القصر الرئاسي إيذانا بتوقيع الإعلان السياسي -الإطاري- الممهد لعودة عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء في السودان بعد أسابيع من استيلاء الجيش على مقاليد الحكم بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي دوى صوت قنابل الغاز المدمع على مقربة من مكان التوقيع ضمن جهود قوى الأمن لتفريق جموع المتظاهرين المنددين بالانقلاب العسكري.
وعلى الرغم من التمهيد للإعلان بأنه يسعى إلى احتواء الخلافات في الساحة السودانية فإن المشهد داخل وخارج القصر يشي بإمكانية خلقه إرباكا قد يطال الشارع الغاضب وقواه السياسية التي كانت فصيلا رئيسيا في الإطاحة بالجنرال عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
ما قبل الإعلان
في صورة مكبرة للمشهد بصفوف الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية المعزولة سارعت مكونات رئيسية (قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي) إلى رفض أي صيغة اتفاق بين حمدوك والبرهان، في وقت أبدى بعض قادتها مواقف مؤيدة للاصطفاف الجديد باعتباره المخرج للأزمة السياسية التي تخنق البلاد، حتى قبيل تحركات الجيش.
وأعلنت قوى المجلس المركزي -وهي الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية قبيل 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- رفض الإعلان السياسي منذ بروز الأنباء القائلة بنجاح مبادرة محلية في تقريب وجهات النظر بين حمدوك والبرهان أول أمس السبت.
وأشار بيان صادر عن التحالف إلى أنه غير معني بالاتفاق السياسي، قائلا "نؤكد على موقفنا الواضح والمعلن مسبقا: لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين".
وتابع "إن جريمة تقويض نظام الحكم الشرعي، والانقلاب على الدستور، وقتل الثائرات والثوار السلميين، والإخفاء القسري، والقمع المفرط وغيرها من الجرائم الموثقة تقتضي تقديم قادة الانقلاب والانتهازيين إلى المحاكمات الفورية".
وضمن ردود فعل مكونات التحالف قال التجمع الاتحادي في بيان "موقفنا الحاسم هو الانحياز لموقف الشارع، وتصعيد النضال السياسي ضد المجلس الانقلابي حتى يسلم السلطة لحكومة مدنية خالصة".
وأعلن حزب المؤتمر السوداني في بيان انحيازه إلى حراك الشارع الرافض "للانقلاب العسكري الغاشم"، على حد تعبيره، والتأكيد على عدم مشاركتهم في أي مفاوضات مباشرة أو عبر تمثيل من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وسادت حالة من الغموض موقف حزب الأمة القومي الذي أولى ثقته في التصعيد الشعبي عبر بيان رسمي، معلنا "رفضه أي اتفاق سياسي لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها من قتل الثوار الذي يستوجب المحاسبة".
وأضاف أن الحزب "لن يكون طرفا في أي اتفاق لا يلبي تطلعات الثوار والشعب السوداني قاطبة".
في المقابل، بشر رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر منذ أول أمس باتفاق يعيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه بعد إبرام اتفاق بين القوى المدنية السياسية والجيش.
وقال ناصر للجزيرة إن حمدوك سيشكل حكومة مستقلة من الكفاءات، علاوة على إطلاق كافة المعتقلين السياسيين.

الموقف الآني
ولمزيد من التبيان حول مواقف حزب الأمة القومي، أبدى القيادي في الحزب الفريق صديق محمد إسماعيل تأييده للاتفاق، مشيدا بمشاركة رئيس الحزب في تحويله إلى واقع معيش لتطويق حالة التشاكس السياسي التي بدأت قبيل 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولإنهاء حالة المواجهة الداخلية والخارجية السائدة ما بعد ذلك التاريخ.
وقال إسماعيل للجزيرة نت إن جميع الأطراف رابحة من الاتفاق، بما في ذلك قوى الحرية والتغيير.
ولم يبد إسماعيل قلقا من الوضعية التي يمكن أن تنشأ داخل المركزي جراء خطوة حمدوك باعتبار أن التباين بين الطرفين ليس أمرا مستجدا وبدا قبيل 25 أكتوبر/تشرين الأول برفض المجلس المبادرة السباعية التي قادها رئيس الوزراء لنزع فتيل الأزمة السياسية.
من جهتها، قالت رباح الصادق (ابنة رئيس الحزب الراحل الصادق المهدي) في صفحتها على فيسبوك إنه "بموجب هذا الاتفاق انضم حمدوك لزمرة الانقلابيين، وعزاء الوطن في شارعه الصامد وقواه الثورية الحية".
بدوره، عبر القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي محمد حيدر عن خيبتهم الشديدة في حمدوك بعد انضمامه إلى صف الانقلاب، على حد قوله.
وأضاف حيدر في حديثه للجزيرة نت أثناء مشاركته في أحد المواكب الرافضة للاتفاق "حمدوك خذلنا، ولا مبرر البتة لموقفه في ظل مساندة الشارع له"، مشيرا إلى أن الشارع أعلن تجاوزه لحمدوك، بل ولكافة الأشخاص باتخاذه موقفا متقدما ينادي بخروج العسكر من المشهد السياسي لصالح حكومة مدنية كاملة.
وقلل حيدر من تأييد بعض قادة الحلف للاتفاق السياسي، أو رفض الحديث عن فقدانهم ورقة حمدوك في معركتهم مع العسكر.
ووصل حمدوك إلى السلطة بترشيح من قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة)، واليوم باصطفافه إلى جانب العسكر يحمل قوى التحالف إما للحاق به لاستعادة الحميمية القديمة أو يدفعها للارتماء في حضن الشارع، وهو السيناريو الأقرب حاليا بحسب ما يبدو من المواقف.