جدل الجسور يتواصل بمصر.. هدم مقبرة الملكة فريدة بين النفع العام والحفاظ على التراث

هدم مقابر تاريخية في مصر
عمليات هدم سابقة لمقابر تاريخية وسط القاهرة أثارت ضجة وانتقادات واسعة (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – فوجئت عائلة ذو الفقار -التي تنتمي إليها الملكة فريدة زوجة حاكم مصر السابق الملك فاروق- بإخطار رسمي يفيد باعتزام الحكومة هدم مدفن العائلة بمقابر الإمام الشافعي في العاصمة القاهرة؛ لدخول المنطقة في نطاق المنفعة العامة للدولة.

ووفق ما ذكره سيف ذو الفقار -حفيد شقيق الملكة فريدة- فقد تقرر نقل رفات موتى العائلة إلى مقبرة صغيرة مساحتها لا تزيد على 60 مترا وهي عبارة عن مدفنين أحدهما للرجال والآخر للنساء، وذلك في منطقة نائية على أطراف مدينة "15 مايو" التي تبعد 35 كيلومترا عن القاهرة.

وتعتزم الحكومة استغلال جزء من أراضي المقابر القديمة بحي السيدة عائشة لإقامة أحد الجسور الجديدة ضمن شبكة جسور يتم تشييدها من أجل تيسير الوصول إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية.

ووجه حفيد عائلة ذو الفقار استغاثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتحويل مسار الجسر المزمع تشييده لمراعاة حرمة الموتى والحفاظ على التراث، خاصة أن هناك عائلات أخرى تمتلك مقابر ذات تاريخ وتصميم معماري فريد تقع في نفس المنطقة وتواجه نفس المصير.

وأعادت القضية الجدل المتواصل بمصر مؤخرا بسبب أعمال شق الطرق وإنشاء الجسور التي تنفذها الحكومة المصرية داخل القاهرة، حيث يرى المنتقدون أنها أهملت مبدأ الحفاظ على التراث، فيما يرى آخرون أن الأولوية للمنفعة العامة وإنهاء الاختناق المروري الذي تعاني منه العاصمة المصرية، فيما يتساءل البعض عن إمكانية الموازنة بين التطوير والحفاظ على التراث.

 

تعويض غير عادل

بعض وسائل الإعلام المحلية تلقفت استغاثة عائلة ذو الفقار، وهو ما أعطى الحفيد فرصة للظهور عبر القنوات التلفزيونية لشرح ما وصفه بأنه اعتداء بصورة بشعة على حرمة رفات الموتى.

وقال ذو الفقار -خلال مداخلة هاتفية مع قناة "أون" (ON)- إن مقبرة العائلة يعود تاريخ إنشائها لأكثر من 120 عاما، ومساحتها واسعة حيث تتكون من 18 مدفنا للملكة فريدة ووالدها ووالدتها وجدتها وأعمامها وأنجالهم.

وأضاف أن هناك نحو 150 مقبرة أخرى مهددة بالنقل، تعود ملكيتها لعائلات عريقة كانت لها أدوار وطنية في حقب تاريخية مختلفة، منتقدا عدم وجود دراسات كافية لاتخاذ مثل هذه القرارات الحكومية، قائلا "في أوروبا عندما تكون هناك شجرة تعترض طريق إنشاءات الجسر يتم تغيير مسار الجسر".

جدير بالذكر أن الملكة فريدة هي الزوجة الأولى للملك فاروق واستمرت زيجتهما لمدة 10 سنوات (1938- 1948)، ووالدها يوسف ذو الفقار وكيل محكمة الاستئناف المختلطة، وجدها علي باشا ذو الفقار محافظ العاصمة الأسبق، ووالدتها زينب كريمة محمد سعيد رئيس وزراء مصر لأكثر من فترة، وخالها هو الفنان التشكيلي الشهير محمود سعيد، وجميعهم استقرت جثامينهم في المقابر المتواجدة بمنطقة الإمام الشافعي.

 

جريمة في حق فريدة

تحت عنوان "من المسؤول عن هذه الجريمة في حق الملكة فريدة؟ علقت لوتس عبد الكريم -الكاتبة وعضو المجلس الأعلى للثقافة- على نقل المقابر القديمة، علما أن الكاتبة كانت صديقة للملكة فريدة، وألفت عدة كتب تناولت حياة صديقتها خلال الملكية وبعدها.

وخلال منشور طويل -على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- قالت لوتس إنها غير مصدقة لما يحدث في مصر، واصفة نقل مدفن الملكة فريدة بهذه الطريقة بالمروع.

واستطردت "هكذا يتم الاعتداء على حرمة رفات الأموات وقداسة الموتى بصور بشعة لا يرضاها الله ولا يقبلها الضمير الإنساني"، مؤكدة أنه لم يحدث في تاريخ أي بلد أن تهدم الدولة قبر ملكة، بحسب وصفها.

ووجهت استغاثة إلى رئيس الجمهورية بوقف هدم مقبرة من كانت ملكة مصر، واختتمت "هل تستكثرون على ملكة قبرا.. يا للعار. كي تطوروا محور جيهان السادات، إنه الهزل والسخرية".

 

وفي نفس السياق، قال أحمد السرساوي -نائب رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم- إن الحكومة المصرية أهدت عائلة ذو الفقار في الذكرى المئوية لميلاد الملكة فريدة إنذارا بطرد رفاتها من مقبرتها بدعوى إقامة كوبري (جسر).

وفي مقال بعنوان "إنقاذ مقبرة الملكة فريدة"، أشار الكاتب إلى الأدوار الإنسانية والفنية التي لعبتها فريدة طيلة حياتها، وتساءل "هل تصل استهانتنا بتاريخنا لهذا الحد؟ ألم نتعلم من أخطاء الماضي؟ ألم نندم على هدم فيلا أعظم من شدت لمصر في عهدنا الحديث، وهي السيدة أم كلثوم؟".

وزاد السرساوي في تساؤلاته "أليس منتهى التناقض أن تنظم مصر موكبا لقدامى ملكاتها يتحدث عنه العالم ثم نهين رفات واحدة من أخراهن؟".

وفي أبريل/نيسان الماضي نظمت مصر موكبا ملكيا لمومياوات 22 ملكا وملكة من الفراعنة لنقلهم من المتحف المصري إلى متحف الحضارات، وصاحب ذلك احتفالية كبرى استغرق الإعداد لها شهورا.

واختتم الكاتب الصحفي مقاله بالتأكيد على استحقاق الملكة فريدة وعائلتها عناء تحويل مسار الكوبري أو النفق أو البحث عن بديل.

رموز أخرى

إلى جانب مقابر عائلة ذو الفقار، هناك مقابر أخرى لشخصيات أثرت في التاريخ الحديث مهددة هي الأخرى بالإزالة، وقد تحدث الباحث التاريخي إبراهيم المصري عن بعضها في تصريح لموقع صدى البلد مشيرا إلى مقبرة على باشا مبارك؛ وهو مؤرخ مصري وصاحب فضل في بناء عدد من الصروح العلمية العريقة وسمي "أبو التعليم المصري"، وكذلك مقرئ القرآن الشهير الشيخ محمد رفعت، إضافة إلى محمود باشا فهمي الذي كان رئيس أركان الجيش المصري خلال فترة حكم الخديوي توفيق وسمي "مهندس الثورة العرابية"، مؤكدا أن كلها تقع ضمن المقابر المهددة بالإزالة.

كذلك كشف محمد يكن -حفيد أحمد مدحت يكن باشا الذي كان وزيرا للزراعة والأوقاف والخارجية في وزارات مختلفة بدايات القرن الماضي- عن تهديد يطول رفات موتى عائلته، موضحا أن عددهم يتخطى 120، بينما عرضت السلطات تعويضهم بمقبرة فيها مدفنين اثنين فقط.

وقال إن مقابر عائلته تعد أثرية كما أنها مبنية بالرخام ومرصعة بماء الذهب، مشيرا إلى أن جدته هي صاحبة قصر المجوهرات الملكية، فاطمة حيدر، وهي مدفونة بمقابر العائلة المقرر إزالتها.

مئات المقابر

في فبراير/شباط الماضي، نشرت صحيفة اليوم السابع خبرا يفيد بنقل عدد من المقابر بمحيط الإمام الشافعي والإمام الليثي، ضمن خطة تطوير مسار آل البيت، بالتزامن مع نقل عدد آخر يقع في مسار كوبري "السيدة عائشة" الجاري تنفيذه للربط بين ميدان السيدة عائشة ومحور مروري آخر يحمل اسم محور الحضارات.

ونقلت الصحيفة عن إبراهيم عوض -وهو مسؤول إداري بمحافظة القاهرة وكان ضابطا سابقا- أنه سيتم إزالة 2760 مقبرة ونقلها إلى أماكن أخرى في مدينة "15 مايو"، لكنه عاد ونفى مسألة إزالة المقابر، مؤكدا لصحيفة الشروق أن مخطط إزالة كوبري السيدة عائشة والمقابر لا يزال قيد الدراسة، ولم يتقرر بعد تنفيذه.

وأوضح أن المدة المحددة للدراسة لم تقرر بعد، وإذا توصلت الدراسة لتنفيذ المخطط سيكون في آخر مراحل تطوير المنطقة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقلت صحيفة الوطن عما سمته مصادر مطلعة أنه من المتوقع إزالة عدد من المقابر على جانبي الطريق أسفل كوبري السيدة عائشة، ومنها عدد من المقابر بمنطقة السيدة نفيسة، كما سيتم إزالة جزء من مقابر الغفير المقابلة لحديقة الأزهر، في إطار أعمال توسعة طريق صلاح سالم والحد من الاختناقات المرورية.

أنقذوا جبانات مصر

عبر وسم "أنقذوا جبانات مصر" تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي وشاركوا صورا لمقابر تضم رفات مصريين أثروا في تاريخ البلاد، فضلا عن تمتع تلك الأضرحة بطراز معماري فريد.

وإن ما ستقدم عليه الحكومة المصرية الحالية من إزالة مقابر الإمام الشافعي، ليس سابقة في تعاملها مع الأضرحة من أجل إنشاءات الطرق؛ فسبق أن هدمت أجزاء من مقابر بمنطقة صحراء المماليك -يطلق عليها العامة مقابر الغفير- في يوليو/تموز 2020، لإنشاء محور مروري، وهو ما أدى لموجة غضب شعبي وقتئذ، واكتظت مواقع التواصل بصور للمقابر التاريخية بعد هدمها.

ذلك الغضب الشعبي دفع وزارة السياحة والآثار لإصدار بيان نفت فيه هدم أي أثر، وأكدت أن المقابر المهدمة هي مبان غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وهو ما دعا معماريين وخبراء آثار للمطالبة بضرورة الحفاظ على النسيج العمراني المميز لمنطقة القاهرة التاريخية، دون الارتباط بتسجيلها، خاصة أن أغلبها مر عليه أكثر من 100 عام.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان