طالبان تبني جيشا أفغانيا جديدا.. فما مصير القوات التي أنفقت أميركا 85 مليار دولار عليها؟
يقول عسكريون أفغان سابقون إنهم راجعوا القيادة الجديدة لمعرفة مصيرهم، لكنهم لم يتلقوا ردا إيجابيا. لأن طالبان -حسب قولهم- "تعتبر الجيش الأفغاني السابق عدوا، ولا تسمح لهم بالعودة إلى العمل وخاصة في المؤسسات الأمنية"
كابل- منذ سيطرة حركة طالبان على أفغانستان أواسط أغسطس/آب الماضي، انضم الضابط قيس منكل إلى صفوف العاطلين عن العمل، مثل آلاف ممن يحملون الرتبة ذاتها من الأكاديمية الوطنية للشرطة.
يقول منكل للجزيرة نت، إن الأكاديمية بها أكثر من 5 آلاف ضابط، أصبحوا جميعهم بلا عمل بسبب التغيرات الأخيرة في أفغانستان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل تنجح فيما فشل به أحمد مسعود؟.. قيادات “تحالف الشمال” سابقا تشكل جبهة “المقاومة الأفغانية”
زيارة وفد طالبان لأنقرة.. ماذا وراء الحملة لتشويه حكام أفغانستان الجدد؟
كيف أسهمت الدوحة في حل الصراع بين طالبان والولايات المتحدة؟ مسؤول قطري يردسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
وتخرّج قُبيل وصول طالبان إلى السلطة، نحو 500 ضابط في مجالات الأمن ومكافحة الجريمة، والسجون، والخدمات اللوجستية، "وهؤلاء جميعهم ينتظرون مصيرا غامضا" كما يقول منكل.
ويطالب عناصر في القوات الأفغانية الحكومة الجديدة بتوفير الفرصة للاستفادة من قدراتهم في خدمة الشعب الأفغاني ومكافحة الجريمة.
يقول الجندي السابق كبير عبد العزيز "بعد انهيار النظام السابق راجعتُ الوزارة لاستئناف عملي، إلا أن طالبان ردّت بأني جندي سابق وربما لن يتم تجنيدي مرة أخرى".
ويضيف للجزيرة نت أن "مسلحي طالبان لم يتلقوا تدريبات مهنية لضبط الوضع في مدينة كبيرة كالعاصمة كابل، حيث يعيش 7 ملايين إنسان من أطياف مختلفة، والتعامل مع هذا الوضع يحتاج إلى مهارة وخبرة خاصة".
ويقول عسكريون سابقون إنهم راجعوا القيادة الجديدة عدة مرات لمعرفة مصيرهم لكنهم لم يتلقوا ردا إيجابيا، لأن طالبان -حسب قولهم- "تعتبر الجيش الأفغاني السابق عدوا، ولا تسمح لهم بالعودة إلى العمل وخاصة في المؤسسات الأمنية".
قوات مدربة.. وجيش جديد
ويواجه الآلاف من عناصر القوات الأفغانية المدرّبة أميركيا مصيرا مبهما منذ سيطرة طالبان. ومنهم من تخرّجوا من أكاديميات عسكرية أجنبية في بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا والهند. وآخرون تلقوا تدريبات متقدمة على يد مستشارين أجانب.
في كلمة له بالمستشفى العسكري، صرّح وزير الدفاع الأفغاني بالوكالة المُلا محمد يعقوب مجاهد بأن وزارته تعتزم بناء جيش قوي قادر على الحفاظ على الأراضي الأفغانية وتأمين حدودها، دون أن يتطرق لمصير القوات السابقة.
ويقول الخبير العسكري مقدم أمين إن تصريحات المسؤولين في الحكومة الجديدة تؤشر إلى أنها لا تعتزم بناء جيش مختلط، وأنها تركز على تدريب مقاتليها لملء الفراغ الناجم عن انهيار القوات السابقة.
ويضيف أمين للجزيرة نت، أن الحكومة الجديدة لا تستطيع بناء جيش يزيد عدده على 50 ألف عنصر، جُلّهم من مقاتلي طالبان الذين يقدر عددهم بنحو 70 ألفا.
قبل وبعد
وأنفقت الولايات المتحدة أكثر من 85 مليار دولار لتدريب الجيش الأفغاني، وكانت تدفع 750 مليون دولار سنويا كرواتب للقوات الأفغانية، وفي السنوات الأخيرة، خصصت الحكومة الأفغانية جزءا كبيرا من ميزانيتها لوزارة الدفاع والداخلية.
أما بعد سيطرة طالبان، فيقول مقدم أمين، إن طالبان لا تستطيع تأمين ميزانية الجيش وحدها بسبب العقوبات الاقتصادية والمالية على أفغانستان، و"يمكن ذلك في حال الحصول على دعم خارجي أو اعتماد الخدمة العسكرية الإجبارية كما في العهد الملكي، دون دفع مخصصات للجنود، وهذا تحدّ أمام الحكومة الجديدة".
هل تستفيد من الخبرات السابقة؟
تعترف طالبان بأن قواتها لم تتلقَّ تدريبات عسكرية وأمنية كالقوات الأفغانية، وبدأت مؤخرا بذلك فعلا في عدد من الولايات، لكن مصدرا حكوميا قال للجزيرة نت إن "الدورات لأسبوعين لا تكفي، بل يحتاج الجنود لسنة تدريبية على الأقل للتعرف على الأساسيات العسكرية"، ودعا القيادة الجديدة لاستغلال الكفاءات الموجودة في القوات السابقة، "وليست كلها ضد حركة طالبان".
وأبدى عدد كبير من القوات السابقة استعدادهم للعمل مع الحكومة الجديدة، ومنهم خريج أكاديمية الشرطة الوطنية جمشيد خاموش، الذي قال إنه وعددا كبيرا من زملائه، مستعدون للعمل مع النظام الجديد، "لأن الأنظمة تتغير وتبقى أفغانستان".
وأضاف للجزيرة نت "لدينا المئات من الطالبات في الأكاديمية تلقين تدريبا عسكريا مهنيا ويجب الاستعانة بهن"، وبرأيه في الوقت الحالي لا توجد لدى طالبان مجندات وشرطيات، ووجودهن ضروري في جميع البلدان بما ذلك الدول الإسلامية.
البديل.. تنظيم الدولة
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانهيار الجيش السابق أمام ضربات مسلحي طالبان، تحوّل بعض الجنود السابقين إلى تنظيم الدولة لأن الحكومة الجديدة لم تستوعبه.
ويقول مسؤول سابق، فضّل عدم الكشف عن اسمه، للجزيرة نت إن تنظيم الدولة بدأ بعملية التجنيد في مناطق مختلفة من البلاد، ويفضّل الشرطة المحلية أو ما يعرف بالصحوات القبلية، ورغم إعلان حركة طالبان العفو العام، فإن هذه العناصر ترى في تنظيم الدولة ملاذا آمنا.
ويضيف المسؤول أن التنظيم يتواصل مع القوات الخاصة في الجيش الأفغاني لإقناع عناصرها بالانضمام إليه، "وهذا تطور خطير، لذا فعلى حركة طالبان أن تتعامل بمهنية مع القوات الأفغانية ولا تتركها لتسقط في أحضان التنظيم، لأنها مدربة وتعرف الجغرافيا وأماكن قوة طالبان وضعفها".
وحسب المصدر، فإن عدد المنضمين لتنظيم الدولة وجماعات أخرى، صغير نسبيا لكنه يتزايد، كما أن "هؤلاء المجندين ينقلون الخبرة في القتال والتخطيط وجمع المعلومات الاستخباراتية، مما يعزز قدرة التنظيم على منافسة الحكومة الجديدة".
حقيقة عدد الجيش الأفغاني
يقول الأفغان والأميركيون إن عدد الجنود الأفغان يتجاوز 300 ألف، لكن متابعين يؤكدون أن هذا الرقم مبالغ فيه، وما سرعة خسارتهم أمام طالبان، التي لا يتجاوز عدد مقاتليها 70 ألفًا، إلا دليل على ذلك.
من ناحية أخرى، يشكك كثيرون في عدد الجنود الأفغان المعلن لوجود ظاهرة "الجنود الأشباح"، إذ يتم تسجيل جنود وهميين، ويحصل بعض المسؤولين على أجورهم.
ويقول مسؤول سابق في الجيش الأفغاني للجزيرة نت "إن القيادة الأفغانية كانت تعتمد على 8 آلاف عنصر من القوات الجوية، و96 ألفا من القوات العامة، ولم تكن لديها إرادة حقيقية لبناء جيش أفغاني بالمعنى الحقيقي، لأن المناصب العليا في الجيش كانت تُباع".
بلا عقيدة عسكرية
وانهار الجيش الأفغاني خلال 4 عقود، مرتين، الأولى عام 1992 بعد سقوط حكومة الشيوعيين برئاسة الدكتور نجيب الله، آخر رئيس شيوعي، والثانية عام 2021، بعد انسحاب القوات الأميركية.
وفي الحالتين كان جيشا يعتمد على العنصر الأجنبي في التمويل والتسليح، ولم تكن لديه عقيدة عسكرية يدافع عنها.
يقول الخبير العسكري عبد الجميل بزواك، إن مسلحي حركة طالبان كانوا يقاتلون بحجة السيطرة على البلاد وطرد المحتل حسب اعتقادهم، وكانت رؤيتهم واضحة، لكن على ماذا يقاتل الجنود الأفغان؟!
وباعتقاده، دخل غالبية الجنود الخدمة العسكرية من أجل الراتب الشهري، في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي تجاوزت 65%، ولم تكن لديهم عقيدة عسكرية واضحة.
ويضيف بزواك للجزيرة نت "الولايات المتحدة لم تكن تريد بناء جيش أفغاني وطني، لذا كانت تؤجل عملية التسليح وتزويدنا بالطائرات، حتى أصبحت قوتنا الجوية لا تساوي شيئا، ولا يمكن الاعتماد عليها في محاربة حركة طالبان".