كل ما تحتاج معرفته عن عسكرة الفضاء.. بين استفزازات روسيا وخيارات بايدن المحدودة

في سباق تسلح فضائي، اختبرت كل من الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، مما خلّف حطاما في الفضاء قد يؤثر على الاستخدام السلمي للأقمار الصناعية.

النفايات السابحة في المدار الأرضي تهدد مستقبل السماء والأقمار الصناعية في الفضاء (الجزيرة)

واشنطن- دمّرت روسيا قمرا صناعيا بصاروخ مضاد للأقمار الصناعية قبل أيام، ونددت الولايات المتحدة بالاختبار الذي قالت إنه خلّف آلاف القطع الخطيرة المتناثرة والمنتشرة في الفضاء، وهو ما يهدد حياة أطقم محطات الفضاء الدولية التي تقوم بمهام علمية واستكشافية.

وذكرت شركة سيراداتا الخاصة بتتبع الفضاء وتحليل البيانات، أن الاختبار الروسي ضرب القمر الصناعي "كوزموس 1408" وهو قمر صناعي أطلق في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كجزء من عملية تصوير واسعة وجمع معلومات استخبارية.

وقال الجيش الروسي في بيان "في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أجرت وزارة الدفاع الروسية بنجاح تجربة، دُمر بنتيجتها الجسم الفضائي تسيلينا-د الموضوع في المدار منذ 1982 وهو غير نشط".

الجزيرة نت تستعرض في سؤال وجواب أسباب الخطوة الروسية وتداعيات ذلك على ما يسمى "عسكرة الفضاء".

ما أسباب إقدام روسيا على هذه الخطوة؟

من غير الواضح للكثير من الخبراء والمعلقين أسباب قيام روسيا بهذه التجربة في هذه التوقيت. وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر الخبير العسكري ديفيد دي روش -المحارب السابق، والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون)- أن حرص روسيا على التعتيم على الأقمار الصناعية التي تراقب مساحتها الجغرافية الواسعة، سيجعلها تعاني أكثر من غيرها من وجود آلاف القطع المتناثرة في مدار منخفض، نظرا لاتساع مساحة البلاد وانخفاض كثافتها السكانية مما يجعل حاجتها ملحة للأقمار الصناعية.

وأشار دي روش كذلك إلى احتمال أن يكون "هذا الاختبار مدفوعا باعتبارات بيروقراطية، بأن فرعا من القوات المسلحة الروسية كان يعمل باستقلال وبعيدا عن الرقابة الكافية، أراد أن يثبت للقيادات العليا قدراته وأهميته، وبالتالي تبرير مخصصاته المالية".

وأيا كان الدافع، فقد كانت هذه خطوة سيئة بالنسبة لروسيا، ويعتقد معلقون آخرون أن روسيا أوصلت بتجربتها رسالة واضحة للولايات المتحدة، بتنامي قدراتها الصاروخية لتصل إلى الفضاء الخارجي.

كيف كان رد الفعل الأميركي، وكيف ردت روسيا؟

أدانت الولايات المتحدة التجربة ووصفتها بأنها "خطيرة وغير مسؤولة"، حيث عرّضت حياة رواد الفضاء للخطر. وتنفي روسيا أن تكون قد عرّضت أي مركبة فضائية أو رواد فضاء للخطر.

وقال رئيس قيادة الفضاء الأميركية الجنرال جيمس ديكنسون -في بيان له- "إن روسيا أظهرت تجاهلا متعمدا لأمن وسلامة واستقرار واستدامة المجال الفضائي على المدى الطويل لجميع الدول".

ونفت وزارة الخارجية الروسية اتهامات واشنطن، وقالت إن "الولايات المتحدة تعرف على وجه اليقين أن الشظايا الناتجة -من حيث وقت الاختبار والمعلمات المدارية- لم ولن تشكل تهديدا للمحطات المدارية والمركبات الفضائية والأنشطة الفضائية".

من جانبه، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو نجاح روسيا في اختبار نظام جديد مضاد للأقمار الصناعية، وقال شويغو للصحفيين أثناء جولة عسكرية إن بلاده نجحت في ضرب قمر اصطناعي قديما بمهارة على حد تعبيره، وأضاف أن الشظايا المتكونة إثر القصف لا تشكل أي تهديد على النشاط الفضائي.

هل هناك قوانين دولية حاكمة للاستخدام العسكري للفضاء؟

وقعت أكثر من 100 دولة على اتفاقية عام 1967 أطلق عليها "معاهدة الفضاء الخارجي"، ونصت على ضرورة تشاور الدول مع بعضها بعضا قبل القيام بأي شيء قد يؤدي إلى "تدخل ضار محتمل" في أنشطة الدول الأخرى.

وتحظر المعاهدة -بوجه خاص- وضع أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي، ووضع مثل هذه الأسلحة على أي جرم سماوي.

وقد أصبح السعي إلى إبرام اتفاقات متعددة الأطراف بشأن اختبار الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية والمولدة للحطام، شيئا ضروريا متعثرا بسبب المناهج المتباينة التي تتبعها الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا والصين والهند من ناحية أخرى.

ويشير خبراء البنتاغون إلى أن هناك حاجة لتطوير معايير جديدة في الفضاء، وينبغي على الإدارة الأميركية أن تستكشف فرض حظر على هذه التجارب بين الدول الأربع التي لديها قدرات واضحة في هذا المجال: الصين، والهند، وروسيا، والولايات المتحدة.

هل شهد العالم سابقا تجارب مماثلة؟

روسيا ليست أول دولة تطور وتختبر نظام "الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية" (ASATs)، والتي تم تصميمها لضرب أقمار العدو الصناعية.

وفي عام 2007، اختبرت الصين سلاحا مماثلا للسلاح الذي أطلقته روسيا يوم الاثنين، وكانت نتائجه مماثلة، وقد اختبرت الولايات المتحدة تجربة مماثلة عام 2008، في حين أجرت الهند كذلك تجربة مماثلة عام 2019.

ما أهمية الأقمار الصناعية للولايات المتحدة؟

تعتمد الولايات المتحدة والكثير من دول العالم على الأقمار الصناعية في معظم الحياة المدنية اليومية الحديثة، من "محددات المواقع" (GPS) إلى الخرائط والاتصالات اليومية، كما أنها بالغة الأهمية للمراقبة العسكرية والطيران المدني التجاري.

وذكرت ضابطة الاستخبارات السابقة ريبيكا كوفلر في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال (The Wall Street Journal)، أن الروس "يعلمون أن القدرة الفضائية المتفوقة لأميركا هي نقطة ضعفها، بسبب اعتماد الجيش الأميركي شبه الكامل عليها. وتعتمد القوات الأميركية في مناطق الحرب على كوكبة من 31 قمرا صناعيا، لتحديد المواقع المستهدفة وتزامن العمليات وتحديد الأهداف، وتحديد حتى أماكن الأفراد. ولذلك تسعى موسكو إلى صم آذان وعمي عيون القوات الأميركية في أي صراع مستقبلي، من خلال مهاجمة الأقمار الصناعية الأميركية، وسيحاول الروس تعويض قوة النيران التقليدية الأميركية المتفوقة".

ما أكبر مخاطر التجربة الروسية؟

ذكرت دراسة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن جسم القمر الصناعي تفتت إلى أكثر من 23 ألف قطعة صغيرة من الحطام، يزيد قطر معظمها عن 10 سنتيميترات، إلى جانب آلاف الشظايا الأصغر غير المتتبعة. وتتحرك هذه الأجسام بسرعة هائلة، بمتوسط 8 كيلومترات في الثانية الواحدة.

ومع نمو كمية الحطام وتزايد ازدحام المدارات، يزداد احتمال حدوث اصطدامات أيضا. وبما أن الاصطدامات تخلق حطاما جديدا، فإن احتمال حدوث اصطدامات جديدة يزيد من أعداد الشظايا المتناثرة في الفضاء، وهو ما يزيد من مخاطر الوصول إلى الفضاء، ويصعب في الوقت نفسه ضمان أمن وسلامة رواد الفضاء.

ما أهمية التجربة الروسية للاعتبارات الجيوستراتيجية؟

تعد هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها روسيا قدرتها على ضرب قمر صناعي باستخدام صاروخ يتم إطلاقه من الأرض.

كيف ستكون طبيعة رد أميركا وحلفائها على هذا "العمل غير المسؤول"، كما تم وصفه؟

أشار دي روش إلى أن "لدى الولايات المتحدة قدرات قوية وأكثر قوة بكثير من بقية منافسيها في مجال الفضاء، ولكن المجال كله لا يزال ناشئا.

والمشكلة الناجمة عن هذا الاختبار المحدد ليست في استخدام السلاح، بل في إنشاء حقل من الشظايا المعدنية سيظل في المدار لفترة طويلة جدا، مع القدرة على تدمير الأقمار الصناعية المدنية، في وقت يزيد فيه اعتماد العالم المتقدم على الأقمار الصناعية أكثر من البلدان الأخرى، ولذلك فإن هذا الإجراء الروسي سيكون له في مجمله تأثير أكبر على الغرب.

ويرى دي روش أن السؤال الأهم هو ما إذا كانت إدارة بايدن لديها الإرادة السياسية لمواجهة روسيا بشأن الأسلحة الفضائية. وحتى الآن، فإن الإجراء الرئيسي الذي اتخذته إدارة بايدن مع روسيا هو تعليق العقوبات على خط أنابيب الغاز نوردستريم إلى أوروبا، وهذا انتصار كبير لبوتين.

ونظرا لتهديد بوتين بغزو أوكرانيا، فقد تختار إدارة بايدن عدم الرد على الاستفزاز الفضائي من أجل تسهيل المفاوضات حول أوكرانيا.

لماذا بادرت الولايات المتحدة لإنشاء قيادة عسكرية للفضاء عام 2019؟

في أغسطس/آب 2019، أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب إطلاق قيادة عسكرية أميركية خاصة بالفضاء في البنتاغون، تكون مهمتها ضمان هيمنة الولايات المتحدة المهددة من الصين وروسيا، وسط تحذيرات عالمية من عسكرة الفضاء. وخطط البنتاغون أن تشرف هذه القيادة الجديدة على الفضاء والأقمار الاصطناعية والطائرات ذات مستوى التحليق المرتفع.

وقال ترامب خلال حفل تدشين هذه القيادة إن "قيادة سبيس كوم ستضمن أن الهيمنة الأميركية في الفضاء لن تكون مهددة أبدا. فالقيادة الجديدة ستتولى الدفاع عن المصلحة الحيوية لأميركا في الفضاء، مجال الحرب القادمة، وسنردع بقوة أي عدوان ونضمن تفوقنا على كل المنافسين إلى حد بعيد".

في حين أكد البيت الأبيض آنذاك أن قيادة الفضاء "ستوظف بشكل نشط قوات مخصصة من كل سلاح عسكري، لإنجاز مهمات مباشرة في مجال الفضاء".

وانتقدت روسيا إقدام واشنطن على إنشاء القيادة العسكرية الجديدة، واعتبرتها مقدمة لعسكرة الفضاء الكوني لاستخدامه في تحقيق أغراضها العسكرية، وشددت موسكو على أنها ستضطر للرد على التهديدات المحتملة بتدابير وإجراءات متطابقة.

هل نحن بصدد سباق تسلح في الفضاء؟

نعم، فهناك بالفعل سباق تسلح فضائي، والسؤال الوحيد هنا هو: من الذي يخوض السباق ومن يجلس على الهامش. وقد اختبرت كل من الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، مما خلف كمية من الحطام في الفضاء، وهو ما يؤثر على الاستخدام السلمي للأقمار الصناعية.

ويُعتقد أن الاستثمار في تطوير هذه البرامج سيستمر، ولكن من المحتمل أن البلدان الغربية لن تختبر الأسلحة الفضائية عموما، وستتوقف عن ثني الآخرين -ولا سيما الصين وروسيا والهند- عن إجراء مزيد من التجارب بسبب الفوائد الاقتصادية الهائلة المحتملة للاستخدام السلمي للفضاء.

المصدر : الجزيرة

إعلان