في سابقة منذ احتلال القدس.. إطلاق أسماء قتلى يهود على منطقة حيوية إسلامية في البلدة القديمة
إطلاق اسم عبري ذي دلالة تهويدية على ساحة أو طريق داخل الحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس المحتلة؛ يعدّ سابقة تهويدية قد تجر بعدها عمليات تهويد أخرى في آخر معاقل البلدة القديمة العربية (الحي الإسلامي).
القدس المحتلة– لأول مرة منذ احتلال القدس عام 1967 يطلق الاحتلال اسما عبريا ذا دلالة تهويدية على ساحة أو طريق داخل الحي الإسلاميّ في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، حيث جرت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي مراسم افتتاح "كيكار هجفورا" -أي ميدان الأبطال- في مقطع حيوي من طريق الواد، في سابقة تهويدية وتغيير لاتفاق الوضع القائم.
واجتمع حينها موشيه ليون -رئيس بلدية الاحتلال في القدس- رفقة نائبه آريه كينج ومجموعة من الشخصيات الإسرائيلية المتطرفة، إلى جانب عائلتي الحاخام نحميا لافي وآرون بينيتا اللذين قُتلا في طريق الواد على يد الشهيد مهند الحلبي (19 عاما) من بلدة سردا شمالي رام الله في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول عام 2015.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsيبعد 250 مترا عن سور الأقصى.. ما قصة كنيس “فخر إسرائيل” ولماذا يرممه الاحتلال بعد عقود من تدميره؟
بين الماضي والحاضر.. تعرف بالخرائط كيف تسعى إسرائيل إلى تهويد القدس
"الحوض المقدس".. أسطورة يهودية تسعى إسرائيل لتحويلها إلى واقع يشوه محيط المسجد الأقصى
واعتبرت عملية الحلبي آنذاك شرارة ما عُرفت فلسطينيا بهبّة القدس أو انتفاضة السكاكين، والتي انطلقت غضبا على انتهاكات الاحتلال بحق المسجد الأقصى واعتداءاته على النساء داخله. وكان أبرز ما كتبه الحلبي على حسابه في (فيسبوك) قبل ارتقائه "الأقصى ونسائه (نساؤه) هو شرفنا وعرضنا والدفاع عنه بأي شكل أو وسيلة يعتبر قانونيا".
حجة الاحتلال
استغل الاحتلال هذه الحادثة لتخليد ذكرى القتلى وتهويد مقطع حيوي في الحي الإسلامي، وتحديدا في تقاطع طريق الآلام مع طريق الواد، قرب مبنى الهوسبيس النمساوي وحمّام السلطان (بطريركية الأرمن الكاثوليك حاليا)، حيث أوصت لجنة أسماء الشوارع في بلدية القدس مطلع عام 2019 بإطلاق أسماء القتلى على المكان، وصدرت الموافقة من البلدية ووزارة الداخلية بعد أشهر، لكن القرار لم يُنفذ.
النافذ فعليا كان إطلاق مسمى "كيكار هجفورا" في سبتمبر/أيلول الماضي، مكتوبا باللغة العربية تعلوها العبرية على قطع بلاط مجمع ورسومات خزفية يدوية، وثُبتت اللافتة قبالة حاجز دائم لقوات الاحتلال.
تخليد "البطولة اليهودية"
والأحدث، كان الاحتفاء الميداني -نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي- بهذه التسمية، والإعلان أن إضافة أسماء القتلى إلى تلك اللوحة مسألة وقت فقط.
وصرح موشيه ليون -رئيس بلدية الاحتلال آنذاك- قائلا إن "افتتاح ميدان الأبطال هو رمز للشجاعة وعلامة تقدير للقتلى الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمدينة القدس عاصمة إسرائيل".
أما نائبه كينج -الذي كان العقل المدبر وراء هذا التهويد- فقال "تسمية هذا المكان بأسماء القتلى سيحفر قيمة البطولة اليهودية ويبني روحا يهودية في شوارع القدس إلى الأبد. أنا متيقن أن البلدية ستضع أيضا لافتة تحكي قصتهم باللغات الثلاثة حتى يقرأها ملايين المارة".
طريق إستراتيجي
تكمن خطورة هذه الخطوة بالنظر إلى أهمية طريق الواد الذي يطلق عليه الاحتلال "شارع حجاي" ويمتد من باب العامود حتى المدخل الشمالي لحائط البراق، والذي يُشكل تقاطعا لطريق الآلام ويقسم بين شرقي البلدة القديمة وغربها، ويصل إلى المسجد الأقصى، كما يضج بالحركة التجارية والسياحية، وتتفرع منه وتفضي إليه العديد من الطرق والعقبات والحواري.
اختراق للوضع الراهن
يقول عامر دهامشة -الباحث والمحاضر في جامعة حيفا- للجزيرة نت إن بلدية القدس تدخلت في تصميم هوية الحي الإسلامي بطريقة ناعمة رخوة منذ عام 1967، حيث أضافت اللغة العبرية إلى لافتات الشوارع أعلى اللغتين العربية والإنجليزية.
ويضيف دهامشة أن إطلاق اسم شخصية على طريق يعني اعتراف المؤسسة الرسمية به وتبجيل عمله، وإطلاق تسمية قومية دينية يهودية على طريق في الحي الإسلاميّ -الذي يعتبر منطقة حساسة متنازعا عليها- هو اختراق للوضع الراهن.
اعتبارات سياسية
"في العهد الحديث، من يملك الاسم يملك المكان، والأسماء ليست شكلية تحكمها الصدفة، إنما وراءها اعتبارات أيديولوجية وسياسية"؛ يقول دهامشة ذلك، ويؤكد أن عبرنة وتهويد الأسماء في القدس جاء لتعزيز الهوية اليهودية فيها، كما أنها عملية زاحفة طالت داخل سور القدس وخارجه من شرق المدينة إلى غربها، وبدأت منذ القرن الـ18 تزامنا مع مساعي المؤسسات الصهيونية.
ويسرد محدّثنا أمثلة على ذلك التهويد من خلال عبرنة اسم "درج الطابونة" ليصبح "رحوف لكوتل"، وطريق سوق الحصر "رحوف حباد"، و"معاليه هزيتيم" و"شمعون الصدّيق" لأحياء الطور والشيخ جراح.
يشرف على عبرنة وتهويد أسماء الشوارع في القدس لجنة التسميات في بلدية القدس "عيريات يورشلايم"، والتي تتكون من أكاديميين ذوي وجهات نظر سياسية، ومن الممكن أن تحتوي على أعضاء أحزاب سياسية يمينية، أما الكلمة الأخيرة فتكون لرئيس البلدية في معظم الأوقات.
لن يمس القاعدة!
يمر المقدسي حسام أبو عيشة (62 عاما) كل يوم من طريق الواد القريب من بيته في البلدة القديمة، لكن اللافتة التهويدية لا تعني له شيئا، فتغيير الاسم -كما يقول للجزيرة نت- لن يمس القاعدة؛ قاعدة التاريخ المتجذر قبل الاحتلال بقرون، وشريط ذكرياته في طريق الواد، على حد قوله.
يستذكر أبو عيشة قائلا "الواد أحد ملاعب الطفولة، حيث المدرسة العمرية التي درست فيها صغيرا، وحوش العدس نسبة لشوربة العدس والحليب والخبز الذي كنا نأخذه من الكنيسة في عقبة الراهبات، وشوربة التكية في عقبة التكية التي كنا نقصدها بعد صلاة الفجر، أتذكر حين عملنا مرشدين للحجاج الذين يمرون به في سبت النور، كنا نستأجر الدراجات والحمير لنركبها نزولا في طريق الواد المنحدر، وفي العطلة الصيفية كنا نبيع البيض الملون والهريسة والذرة، لأن الحركة التجارية فيه كبيرة".