في سؤال وجواب.. لماذا تزداد هجرة الشباب من كردستان العراق إلى بيلاروسيا؟

حكومة كردستان العراق تتهم أطرافا سياسية عراقية بمحاولة إلقاء مسؤولية محنة المهاجرين على حكومة الإقليم بهدف التربح السياسي والمالي من تجار التهريب

احمد حجي عمر مع عائلته عند الحدود البيلاروسية - البولندية (الجزيرة نت)
الشاب الإيزيدي أحمد حجي عمر مع عائلته عند الحدود البيلاروسية البولندية (الجزيرة)

بغداد- لم يدر بخلد الشاب الكردي آرام مجيد أن الطريق سيكون محفوفا بالمخاطر للوصول إلى "الجنة" الأوروبية التي يحلم بها بعد معاناته من أزمات الماء والكهرباء والوقود وتقييد الحريات والعدالة الاجتماعية في إقليم كردستان العراق.

فشلت محاولة مجيد في الوصول إلى وجهته الأوروبية، وعاد مع عائلته الصغيرة ووالديه إلى مدينة أربيل بعد تعرضهم للجوع والعطش والمعاملة القاسية من الشرطة البيلاروسية، إضافة إلى غلق بولندا حدودها وعدم امتلاكه الأموال لدفعها للمهربين لإنقاذه، بعد أن بلغت مصروفاته خلال 45 يوما على الحدود نحو 20 ألف دولار كان قد جمعها من عمله خلال عدة سنوات.

ويعيش مجيد حاليًا في وضع صعب مع عائلته ويسكن في بيت صغير، ولا يستطيع سداد إيجاره الشهري أو إطعام عائلته، مطالبًا حكومة الإقليم بتعويض خسائره المالية.

وكان الشاب الإيزيدي أحمد حجي عمر أفضل حظا من مجيد، فقد نجح في الوصول إلى ألمانيا برفقة عائلته وتحقيق حلمه بالإقامة في بلد مستقر يوفر له الحياة الكريمة، بعد رحلة شاقة على الحدود البيلاروسية البولندية ومعاناة من متاعب الطرق الطينية الوعرة بين أشجار الغابات، وصعوبة التكيف مع الأجواء الباردة، ونفاد مخزونهم الغذائي الذي كان يحمله على ظهره المتعب.

أطفال نائمون برفقة أحمد حجي عمر في المنطقة المحرمة بين بيلاروسيا و بولندا (الجزيرة نت)
عمر وأسرته نائمون وسط البرد القارس في المنطقة المحرمة بين بيلاروسيا وبولندا (الجزيرة)

ويروي حجي عمر -للجزيرة نت- رحلة الهجرة الشاقة حتى وصوله إلى غرب القارة العجوز إذ يقول إنه "سافر من العراق ووصل إلى بيلاروسيا بشكل رسمي"، مشيرا إلى أنه انطلق بعد ذلك بطريقة غير شرعية عن طريق التهريب مشيًا على الأقدام عبر الأراضي البيلاروسية البولندية حتى وصل إلى ألمانيا قبل نحو 25 يومًا.

ويكمل حجي عمر حديثه عن صعوبة الرحلة إذ سار لمدة 14 ساعة وكان معه أطفال قاصرون -بعمر 9 سنوات و15 سنة- بين أشجار الغابات البولندية وسط البرد القارس. وحول الكلفة المالية للهجرة، كشف عمر عن دفع مبلغ 10 آلاف دولار عن كل شخص من عائلته للمهربين حتى إيصالهم إلى ألمانيا.

ويحاول التقرير الإجابة عن أسباب الهجرة من إقليم كردستان العراق إلى "الجنة الموعودة" في القارة العجوز، عبر استضافة مختصين في هذا الشأن:

زيباري يحدد الأسباب للتدفق البشري الكردي صوب دول أوروبا منها قلة فرص العمل (الجزيرة نت)
زيباري يرى أن قلة فرص العمل من أبرز  أسباب التدفق البشري الكردي صوب دول أوروبا (الجزيرة)

ما الأسباب التي أدت إلى زيادة الهجرة من إقليم كردستان العراق صوب القارة الأوروبية؟

يرى الصحفي الكردي عبد الحميد زيباري أن تراجع العمل الاستثماري الأجنبي في الإقليم، وقلة التوظيف الحكومي في فترة ما بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من شمالي وشمال غربي العراق عام 2014، وتهاوي أسعار النفط الخام، إضافة للخلافات بين بغداد وأربيل حول الاستحقاقات المالية، فضلاً عن استقدام عمال عرب وأجانب بمرتبات شهرية أقل بنسبة 50% مما يطلبه العامل الكردي من أبرز أسباب هجرة الشباب من الإقليم للخارج.

ويضيف زيباري -في حديثه إلى الجزيرة نت- أن "عجز حكومة الإقليم في استقطاب خريجي الجامعات والمعاهد بسبب إيقافها تعيينات القطاع العام، ناهيك عن سطوة العلاقات والمحسوبية على القطاع الخاص الكردي أسهمت في زيادة البطالة".

وأشار زيباري إلى أن العائلة الكردية انقسمت إلى قسمين بخصوص الهجرة، إما أن يهاجر جميع أفرادها أو أن يهاجر ابن واحد منها فقط أملاً في أن يلم شملهم في الدولة الأوروبية التي يصلها عبر بيلاروسيا كما حدث عام 2014، عند ذهاب كثير من الشباب الكردي لتركيا، ومن ثم إلى اليونان عن طريق البحر.

كم تبلغ نسب الهجرة من الإقليم عبر البوابة البيلاروسية؟

يقول رئيس "مؤسسة لوتكه لشؤون اللاجئين والمهاجرين" في إقليم كردستان العراق آري جلال -للجزيرة نت- إن "نحو 4 آلاف كردي عند الحدود البيلاروسية البولندية، إضافة إلى 1200 كردي عبروا تلك الحدود خلال الأشهر الثلاثة الماضية"، مؤكدًا أن معظم الشباب من كل نواحي ومدن الإقليم يهاجرون نحو الدول الأوروبية.

ويضيف جلال أن "نحو 25 شخصا -أغلبهم بعمر لا يتجاوز 18 عاما- لقوا حتفهم عند الحدود البولندية، بسبب صعوبة الوضع هناك"، مشيرًا إلى أن "إحدى العوائل الكردية في أربيل تسلمت بداية هذا الأسبوع جثمان ابنتهم (25 عاما) بعد وفاتها على الحدود البولندية".

الآداني نحو 120 ألف إيزيدي هاجروا العراق إلى ألمانيا وأستراليا و كندا منذ 2014 ولغاية الآن (الجزيرة نت)
الآداني: نحو 120 ألف إيزيدي هاجروا من العراق منذ عام 2014 (الجزيرة)

لماذا تكثر الهجرة وسط الشباب الإيزيديين؟

يرى الناشط الإيزيدي ميسر الآداني -في حديثه للجزيرة نت- أن "الوضع المعيشي المأساوي للإيزيديين، خاصة النازحين الذين لا يزالون يعيشون في أكثر من 15 مخيما موزعة في عدد من مدن الإقليم، ويعانون حرارة الصيف والبرد القارس في الشتاء، إضافة إلى منع عودتهم إلى مناطق سكناهم الأصلية في شيخان وسنجار في محافظة نينوى شمال العراق، وعدم إنصافهم محليًا ودوليًا" بعد الإبادة التي تعرضوا لها على يد تنظيم الدولة.

ويشير الآداني إلى أن نحو 120 ألف إيزيدي هاجروا من العراق صوب ألمانيا وأستراليا وكندا منذ عام 2014 ولغاية الآن، مضيفًا أن "الاستمرار بتجاهل مطالب الإيزيديين ومنح حقوقهم الدستورية كاملة سيفرغ العراق من الديانة الإيزيدية وسيكون البلد بلا تنوع ديني".

طه يكشف عن زيارة مرتقبه لبرلمان كردستان للحدود البيلاروسية للوقوف عند أحوال المهاجرين الكرد (الجزيرة نت)
طه كشف عن زيارة مرتقبة لوفد برلماني كردي إلى لحدود البيلاروسية للوقوف على أحوال المهاجرين الأكراد (الجزيرة)

كيف سجل برلمان كردستان العراق قضية الهجرة الشرعية وغير الشرعية؟

يجيب على هذا السؤال المستشار الاقتصادي لبرلمان إقليم كردستان العراق الدكتور أرشد طه بالقول إن ملف الهجرة الشرعية وغير الشرعية يثير القلق، وكشف عن زيارة مرتقبة لوفد من لجنة العلاقات الخارجية في برلمان الإقليم إلى الحدود البيلاروسية البولندية لتفقد أوضاع المهاجرين والتشاور مع الجهات المعنية وإمكانية مساعدتهم وتقديم تسهيلات لإعادة من يريد العودة منهم إلى الإقليم.

وأضاف طه -في حديثه للجزيرة نت- أن "برلمان كردستان العراق سيعقد جلسة لمناقشة نتائج الزيارة والخطوات القادمة لمساعدة المهاجرين"، مؤكدًا أن "الملف يحتاج إلى وقفة جدية من الجهات المعنية في حكومة الإقليم لمناقشة الأسباب الداخلية التي أدت لزيادة الهجرة خلال الآونة الأخيرة.

بابكه بي يطرح حلولاً لمنع الهجرة الكبيرة من إقليم كردستان و العراق إلى الخارج (الجزيرة نت)
بابكه يي يقترح فتح قنوات اتصال دبلوماسية مع حكومة بيلاروسيا لحل الأزمة (الجزيرة)

ما الحلول التي يجب اتخاذها لمنع هجرة الشباب الأكراد؟

ومن أجل السيطرة على تدفق المهاجرين، يقترح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان كردستان العراق ريبوار بابكه يي اتخاذ وزارة الخارجية العراقية قرارًا بوقف الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا ومخاطبة تركيا عبر القنوات الدبلوماسية لمنع شركاتها السياحية من إصدار تأشيرة سياحية إلى بيلاروسيا إلى العراقيين.

وقال بابكه يي -في حديثهِ للجزيرة نت- إنه يدعو دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان العراق إلى فتح قنوات اتصال دبلوماسية مع حكومة بيلاروسيا، لإقناعها بعدم دفع اللاجئين الشباب للهجرة من أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وشدد بابكه يي على ضرورة التنسيق بين بغداد وأربيل، لوضع خطط لاستيعاب قدرات الشباب وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة لهم للحد من ظاهرة الهجرة.

منسق التوصيات الدولية بحكومة إقليم كردستان ديندار زيباري ***للاستخدام الداخلي فقط***_ المصدر الجزيرة
زيباري: المهاجرون يروون قصصا غير صحيحة عن الإقليم من أجل الحصول على حق اللجوء (الجزيرة)

وكيف تنظر حكومة الإقليم إلى مشكلة الهجرة والحلول المقترحة لها؟

يقول منسق التوصيات الدولية بحكومة إقليم كردستان ديندار زيباري إن "أطرافا سياسية لم يسمها تحاول إلقاء مسؤولية محنة المهاجرين من الإقليم على حكومة أربيل بهدف التربح السياسي والمالي من تجار التهريب".

وأضاف زيباري -في حديثه للجزيرة نت- أن "المهاجرين الذين يريدون الهجرة من إقليم كردستان العراق يروون قصصا غير صحيحة عن الإقليم من أجل الحصول على حق اللجوء، ويستخدمهم تجار السياسة لتشويه سمعة الإقليم"، مضيفًا أن "هناك مواطنين أيضا يريدون الهجرة لغايات أخرى كالحصول على جنسية بلد ثاني، وهي غير الأسباب الاقتصادية التي واجهها الإقليم؛ ومنها مشكلة حصة كردستان العراق في الموازنة العراقية، وعصف رياح الأزمة المالية والصحية على الإقليم".

وأشار زيباري إلى أن "حكومة كردستان العراق لا تتحمل مسؤولية محنة المهاجرين؛ كونها واجهت ظروفا اقتصادية صعبة نتيجة استقبالها نحو مليوني مهاجر ونازح، بينهم أكثر من 600 ألف نازح أغلبهم من سكان المناطق المتنازع عليها الذين لا يستطيعون العودة لمناطق سكناهم الأصلية بسبب التغيير الديمغرافي وعدم توفر الخدمات لها بعد المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة للخلايا الإرهابية النائمة في تلك المناطق".

المصدر : الجزيرة

إعلان