تواصل الاحتقان حول "مكب عقارب" التونسية.. اتحاد الشغل يطالب سعيد بخارطة طريق تنهي المرحلة الاستثنائية

تونس- تشهد مدينة عقارب بمحافظة صفاقس (جنوب تونس) حالة من الاحتقان ومواجهات متقطعة بين الأمن والأهالي الرافضين لتنفيذ قرار حكومي بفتح مكب للنفايات رغم صدور قرار قضائي بإغلاقه، وسط مطالبات من جهات داخلية بإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.

وأكد مراسل الجزيرة وقوع إصابات في صفوف محتجين وقوات الأمن بمحيط مكب للنفايات يطالب الأهالي بإغلاقه في المدينة، وسط إضراب عام فيها، وأفاد شهود عيان بأن قوات الأمن استعملت الغاز المدمع لتفريق المحتجين في محيط المكب.

ويتهم الناشط البيئي وعضو حراك "مانيش مصب" سامي البحري -في حديثه للجزيرة نت- السلطات بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع واللجوء إلى القوة المفرطة لحل أزمة تراكم النفايات في مدينة صفاقس.

وشدد المتحدث على أن أهالي المدينة عانوا من أمراض تنفسية وسرطانية وتشوهات جسدية وجينية منذ إنشاء مصب عقارب، والذي تم إغلاقه إثر معركة قضائية بين السلطات وأهالي المدينة انتهت بصدور قرار لصالحهم في يوليو/تموز 2019.

وأكد البحري على ضرورة نجاح الإضراب العام الذي نفذه أهالي المدينة اليوم الأربعاء بدعوة من اتحاد الشغل، للتنديد بفتح المصب وبالاستعمال المفرط للغاز المدمع من قبل قوات الأمن لتفريق المتظاهرين السلميين، والذي أدى لوفاة شاب، فيما تنفي وزارة الداخلية رواية الأهالي وتؤكد أن الوفاة طبيعية.

إعلان

لجنة وخارطة طريق

من جهته، أكد الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن هناك لجنة من الاتحاد والمجتمع المدني تبحث مع وزير الداخلية عن حلول للوضع في عقارب، مشيرا إلى أن سبب الأزمة يعود إلى غياب التعامل الإستراتيجي مع المشاكل والأزمات، حسب تعبيره.

وكان أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد العام للشغل قد اجتمعوا أمس الثلاثاء وأصدروا قرارا اليوم يدعو إلى توضيح الرؤية السياسية وضبط مسار تصحيح حقيقي وإنهاء الغموض ووضع خارطة طريق تنهي المرحلة الاستثنائية، كما طالبوا بالنأي بالإدارة التونسية عن "التجاذبات السياسية والتوظيفات الحزبية ومحاولات إخضاعها للولاء للسلطة التنفيذية".

وأعرب البيان عن الفخر بنضال عمال القطاع الخاص في صفاقس، كما ندد بما سماها سياسة القتل البطيء التي تمارس على الأهالي في عقارب منذ عقود.

حركة النهضة

واستنكرت حركة النهضة التونسية اللجوء إلى الخيار الأمني من أجل حل الأزمة، حيث حملت في بيان رئيس الجمهورية ووزير الداخلية المسؤولية، خصوصا بعد أن طلب قيس سعيد من الوزير اتخاذ إجراءات لفرض حلّ على الجميع في مدينة عقارب وهو ما يؤكد اعتماد الخيار الأمني، وفق البيان.

واعتبرت الحركة أن توخّي هذه السياسات يعد منهجا يهدّد السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي في البلاد.

ونبهت النهضة في بيانها إلى ما وصفته بخطورة السياسات المتبعة منذ انفراد الرئيس بكل الصلاحيات وإلغاء الدستور والبرلمان والحكومة والهيئات الدستورية.

من ناحيته، قال رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي المعلقة أعماله راشد الغنوشي إن مشروع الرئيس قيس سعيد يقوم على الاستيلاء على السلطات وتجميعها بيد واحدة، حسب وصفه.

إعلان

أزمة مفتعلة

وكانت وزارة البيئة قد أعلنت في بيان أول أمس الاثنين عن استئناف نشاط مصب "القنة" بمدينة عقارب، مبررة ذلك باعتباره مرفقا عموميا، وبهدف الحد من المخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية الناتجة عن تراكم الفضلات في مدينة صفاقس بعد إغلاق المصب.

وخلال اجتماع وزاري لبحث أزمة النفايات بمحافظة صفاقس اتهم الرئيس التونسي قيس سعيد بعض الأطراف بافتعال أزمة النفايات ومحاولة تعميمها في باقي المدن لضرب الدولة واستهداف السلم الاجتماعي.

وتداول نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيديو للرئيس سعيد خلال مشاركته في ملتقى بمدينة عقارب في نيسان/أبريل 2019 وتأييده دفاع شباب المدينة عن حقهم في العيش بكرامة وفي بيئة سليمة، بعد استماعه لشكاواهم عن التلوث.

أحزاب تندد

وحمل كل من حزب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل رئيس الجمهورية مسؤولية تفجر الأوضاع بمدينة عقارب عبر اللجوء للحلول الأمنية، مما أدى إلى سقوط شاب، ودعت لفتح تحقيق جدي ومستقل لتحديد المسؤوليات.

واعتبرت هذه الأحزاب في بيان مشترك أن "100 يوم من انفراد قيس سعيد بالسلطة لم تأت بأي حلول أو تصورات أو مبادرات، بل أدت إلى مزيد من تعفين الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي".

وفي السياق ذاته، نددت التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية بتجاوز السلطات قرارا قضائيا يقضي بإغلاق مصب الفضلات في مدينة عقارب، وإعادة فتحه باستعمال القوة.

ودعت التنسيقية كلا من رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة ووزراء البيئة والعدل والداخلية لتحمل مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في عقارب والكشف عن ملابسات سقوط أحد شبابها.

وشددت في بيانها على أن "سياسة الهروب إلى الأمام والهرولة والترهيب لن تدفع لحل المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل إلى مزيد من العنف والعنف المضاد".

إعلان

مسؤولية مشتركة

بدوره، حذر رئيس الجامعة التونسية للبلديات عدنان بوعصيدة -في تصريح للجزيرة نت- من كارثة بيئية عامة في تونس شبيهة بما تعيشه مدينة عقارب بسبب اقتراب أكبر مكبات الفضلات من بلوغ طاقة استيعابه القصوى.

ولفت محدثنا إلى غياب إستراتيجية واضحة للجهات الحكومية بشأن مصير هذه المكبات والبدائل المقدمة، خاصة تثمين النفايات وإعادة تدويرها.

وأقر بوعصيدة بمشروعية احتجاج أهالي عقارب على إعادة فتح المصب بعد صدور قرار قضائي بإغلاقه، لكنه رأى في المقابل أن المسؤولية مشتركة بين السلطة والأهالي لإيجاد حلول توافقية.

وأشار إلى أن السلطات لا تتحمل بمفردها أزمة النفايات، حيث تصطدم برفض المواطنين إنشاء مكبات نفايات جديدة وتستجيب لشروط السلامة، مما يعمق الأزمة البيئية في البلاد.

وكانت المديرة العامة لوزارة البيئة زهور الهلالي أكدت لوسائل إعلام محلية أن المشكلة البيئية وتراكم النفايات الذي تواجهه محافظ صفاقس منذ أكثر من شهر لا حل له إلا بفتح مكب عقارب، مشيرة إلى توجه الحكومة نحو استئناف القرار القضائي القاضي بإغلاق المصب.

ودعت الهلالي الأهالي إلى ضرورة التعقل وتفهم الوضع، مشيرة إلى أن وزارتها تنكب على إيجاد حلول بديلة لتثمين النفايات وإعادة تدويرها بدل ردمها تحت الأرض.

المصدر : الجزيرة + وكالات

إعلان