ريش نعام ردا على ريش.. جدل ساخر بشأن فيلم مصطنع عن عشوائيات مصر

تطوير العشوائيات -إحدى المناطق التي يجري إعدادها لنقل سكان العشوائيات إليها / القاهرة / مصر / الجزيرة نت
الحكومة حققت إنجازا بنقل بعض سكان العشوائيات لمناطق حضرية لكنها تضيق بأفلام تنتقد أوضاعا ما تزال موجودة فعلا (الجزيرة)

القاهرة- بعد النقد الذي تعرض له فيلم "ريش" من بعض الممثلين والإعلاميين بدعوى أنه أساء لمصر بعرض لقطات لعشوائيات وفقر مدقع، تخيّل مغردون على سبيل السخرية أن السلطة يمكن أن تعمد إلى إنتاج فيلم يحمل اسم "ريش نعام" تسعى فيه لإبراز إنجازاتها في ملف العشوائيات.

وذهب خيال هؤلاء المغردين إلى أن يكون الفيلم من بطولة الممثل شريف منير، الذي كان أبرز المعترضين على فيلم ريش، إذ غادر القاعة أثناء عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي قبل أيام، وأن يجسد هذا الفيلم بشكل ساخر حالة الرفاهية التي يعيشها الفقراء في مصر، حيث يقيم في منطقة راقية ثم يشعر بالملل فينتقل مع أصدقائه الفقراء للعيش في العاصمة الإدارية.

سيناريو خيالي آخر توقعه مغردون على سبيل السخرية، وهي أن تقدم السلطة على إنتاج فيلم بمشاركة أبطال فيلم ريش نفسه، يظهرون فيه وهم ينعمون بحياة جديدة رغدة في ظل برنامج "حياة كريمة" الذي ترعاه السلطة.

إلى هنا، والأمر يسير بشكل ساخر حسب خيال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ما حدث على أرض الواقع كان ملفتا، إذ عرضت شاشات مصرية قبل يومين وثائقيًّا أسمته "ريش نعام"، تماما كالاسم الذي تخيله المغردون ردًّا على فيلم ريش، لدرجة أنهم تصوروا أن الأمر أقرب إلى أن تكون السلطة تسخر من سخريتهم.

 

مفاجآت

غير أن ما جرى خلال الساعات القليلة الماضية فاق هذا الخيال الساخر؛ إذ اختفى الفيلم الوثائقي "ريش نعام" فجأة من منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك من الصفحة الرسمية لصندوق التنمية الحضرية، وسط تفسيرات بأن الحكومة ربما تراجعت تحت وطأة السخرية التي اندلعت في منصات التواصل، مما عدّه مغردون "فجاجة" الرد.

ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، بل خرج معدو فيلم وثائقي أنتجته قناة "دي إم سي" (DMC) -المملوكة لأجهزة أمنية- يؤكد أن "ريش نعام" ما هو إلا فيلم وثائقي منتج في فبراير/شباط الماضي بعنوان "ومن أحياها"، في انتقاد لقيام صندوق التنمية الحضارية (وهو صندوق حكومي يرأسه ضابط سابق)، بالاستعانة بالفيلم تحت اسم جديد.

 

 

وقدم رئيس الصندوق خالد صديق -في مداخلة هاتفية بأحد البرامج- اعتذارا ضمنيا لصناع الفيلم، الذي عدّه توثيقا لرحلة تطوير المناطق العشوائية المكُلف بها الصندوق بعد سقوط صخرة الدويقة (صخرة سقطت من جبل على منطقة عشوائية مقامة في سفحه) وإنشاء الصندوق بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 2008، وتابع مباشرةً لرئاسة مجلس الوزراء.

وجاء في بيان للصندوق -نُشر على صفحته بفيسبوك- "نما إلى علم الصندوق أن هناك هجوما لعرض تجميع مادة فيلمية توثيقية لإنجاز قامت به الدولة متمثلة في صندوق تطوير المناطق العشوائية (التنمية الحضرية) لتطوير المناطق العشوائية والتي كانت تمثل "مادة دسمة للإعلام المعادي للوطن".

ولفت إلى أن عرض الفيلم استهدف "توثيق" أعمال التطوير وهو ليس منتجا "ملكا" للصندوق، بل هو "تجميع" للعديد من الفقرات والرسائل التلفزيونية والأفلام الوثائقية التي قامت بها العديد من البرامج والقنوات وبمساعدة من الصندوق.

ويبدأ الفيلم بتصريحات المواطنين ساكني العشوائيات في الماضي، والتي تعكس شكواهم من سنوات التهميش والإهمال وعدم الحل، ثم ينتقل إلى تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي، وتوجيهاته للحكومة بإيجاد حل لمشكلة العشوائيات، قبل أن يتحول إلى عرض إنجازات حققها الصندوق في ملف تطوير العشوائيات، ويسجل فرحة أهالي عزبة أبو قرن في مصر القديمة بالمساكن الجديدة التي وفرتها الدولة لهم.

وقال إمام أحمد الباحث بوحدة الأفلام الوثائقية بشبكة قنوات "دي إم سي" والصحفي بجريدة الوطن (وكلتاهما مملوكتان لشركة تتبع جهاز المخابرات) إن الفيلم الوثائقي المسمى "من أحياها" متاح على كل قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهو من إنتاج وحدة الأفلام الوثائقية لشبكة قنوات "دي إم سي".

وتابع -خلال مداخلة هاتفية مع فضائية "سي بي سي" (CBC) مساء أمس الأول الجمعة- أنه وفي واقعة "غير مسبوقة ومن دون احترام للملكية أو الجهة المالكة قام صندوق التنمية الحضارية بتشويه الفيلم، وإصدار بيان من الصندوق أعلن فيه أن الصندوق سيطرح فيلما باسم "ريش نعام"، وتم فيه الحصول على الفيلم الوثائقي الأصلي "من أحياها" على مستوى الصوت أو الصورة وإعادة تقديمه باسم جديد".

وقال إنه تم تقطيع أجزاء من الفيلم، وتشويهه بتدخلات فنية أضرته، وأعلن الصندوق في بيانه الأول أنه فيلم من إنتاجه، وهو أمر غير صحيح، والمادة المتضمنة في الفيلم تعود ملكيتها لشبكة "دي إم سي".

وفي بيان لاحق للصندوق "تغير التوصيف"، وقيل إنه تجميعة لمواد منشورة في قنوات عديدة. وفي المرة الثالثة قيل إنه حتى الفيلم أصدرته إحدى الجهات أو القنوات، فلولا مساعدة الصندوق لما كان ليخرج للنور، مما اعتبره المتحدث ضربا من "المن أو المعايرة".

واختتم إمام أحمد مداخلته بقوله "أنا سمعت كلام المهندس خالد واعتذاره عن خطأ حدث، والأمر الآن يرجع للمؤسسة المعنية".

احتفاء

جدير بالذكر أن فضائيات مصرية احتفت بالفيلم الوثائقي "ريش نعام" فور عرضه قبل يومين، وقالت الإعلامية عزة مصطفى في برنامجها "صالة التحرير" إن الفيلم يصور فرحة الناس في مساكنهم الجديدة والحديثة عن أماكنهم القديمة.

وأعربت عن سعادتها بالفيلم قائلة "اقشعر جسمي تأثرًا بفرحة الناس"، داعية الله أن يسعد من كان السبب في كل هذا، وداعية الجماهير لمشاهدة الفيلم.

وحظي الفيلم فور عرضه بعدد من تغريدات الإشادة بمحتواه، واعتبره مغردون توثيقًا لـ"حقائق ملموسة" على أرض الواقع، ليست "تحريفا وتشويها للبلاد" كما فعل فيلم ريش الأصلي.

وكان فيلم "ريش" أثار الجدل لاحتوائه على مشاهد لحياة البسطاء في العشوائيات، كما ألمح لمعاناة الفقراء والمهمشين بمصر، مما أثار جدلا كبيرًا على مواقع التواصل بين مؤيد ومعارض، وانتقدته فضائيات رسمية ومقربة من السلطة.

واسم الفيلم مستوحى من فكرته الأساسية القائمة على تحوّلِ زوج إحدى السيدات إلى دجاجة ذات ريش، واضطرار الزوجة للمعاناة للإنفاق على أسرتها، في حين يشير تعبير "ريش نعام" لدى المصريين إلى حالة من الرفاهية.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي