بين الإعدام والسجن والمطاردة.. أين من قتلوا السادات؟
القاهرة- في ظهر يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1981 اغتالت مجموعة من العسكريين بالجيش المصري الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، في الحادث المعروف إعلاميا بـ"حادث المنصة"، خلال عرض عسكري كان يقام كل عام احتفالا بذكرى الحرب التي خاضتها مصر بقيادة السادات ضد إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1973.
قبل الحادث بعدة أشهر، كانت أجهزة أمنية ودبلوماسية توقعت اغتيال السادات، وهو ما اتفق معه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل (الذي اشتهر بقربه من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وكان مناوئا لخليفته السادات) في كتابه "خريف الغضب" الذي استعرض فيه ما اعتبرها عوامل خلقت غضبا شعبيا عاما على الرئيس الراحل، والتقت كلها وتصادمت على المنصة ظهر يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1981.
وبجانب الغضب الشعبي، كان السادات هو الآخر قد بلغ أقصى درجات الغضب على معارضيه من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة، حين اعتقل المئات من المعارضين والناشطين، في ما عرف باعتقالات سبتمبر/أيلول 1981.
ونفذ عملية اغتيال السادات الملازم أول بالقوات المسلحة خالد الإسلامبولي، والضابط السابق بالجيش عبد الحميد عبد السلام، والملازم أول احتياط عطا طايل حميدة، والرقيب متطوع قناص حسين عباس محمد، وهو الذي أطلق الرصاصة الأولى القاتلة، ولاحقا نسب للجماعة الإسلامية (التي شكلها قادة تنظيم الجهاد آنذاك) الإعداد لخطة استيلاء على الحكم.
وتم تنفيذ حكم الإعدام بحق من أطلقوا الرصاص على السادات، في حين مكث متهمون بالمشاركة في العملية داخل السجون عشرات السنين، وبات بعضهم حاليا من رموز المعارضة في الخارج، وهناك آخرون فضلوا الصمت والابتعاد عن السياسة.
بين الإعدام والسجن والمطاردة
في السادس من مارس/آذار 1982، أصدرت المحكمة العسكرية العليا حكمها على 24 متهما مثلوا أمامها في قضية اغتيال السادات، صدر بحق اثنين منهم حكم البراءة؛ هما عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية الذي توفي عام 2017 بالسجون الأميركية، وآخر يدعى السيد السلاموني.
ونفذ حكم الإعدام بحق الإسلامبولي وحسين عباس رميا بالرصاص لخضوعهما لقانون الأحكام العسكرية، في حين أعدم شنقا محمد عبد السلام فرج (مفتي تنظيم الجهاد) وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل (ضابطين سابقين) باعتبارهما مدنيين، بينما صدرت أحكام متفاوتة بحق بقية المتهمين، وأبرزهم عبود الزمر الضابط السابق بالمخابرات الحربية وأحد رموز الجماعة الإسلامية حاليا.
وعام 1984 كانت هناك محاكمة كبرى أخرى للزمر ورفاقه في قضية اغتيال السادات، أطلق عليها "قضية الجهاد الكبرى"، وقدم أمام القضاء فيها نحو 400 متهم أدين أكثر من 300 شخص بأنهم أعضاء في التنظيم، في حين أعدم بعضهم لاحقا بتهم كان بينها اغتيال عدد من رجال الأمن، وفق تقارير صحفية وإعلامية متطابقة.
من المدارس التبشيرية إلى الجهاد
كان يوم 23 سبتمبر/أيلول 1981 بداية النهاية، حين أُبلغ الإسلامبولي (المتهم الرئيسي في اغتيال السادات) بأن الاختيار وقع عليه للاشتراك في العرض العسكري احتفالا بذكرى "انتصار أكتوبر" بحضور الرئيس، وأنه سيقود وحدة من 12 مدفعا تقودها جرارات في طابور العرض.
وحسب ما ذكر هيكل في كتابه "خريف الغضب"، فإن الإسلامبولي وصل إلى فكرة قتل السادات بوصفه فردا كان ينتمي إلى الجماعة الإسلامية، التي كان نشاطها كله تحت الأرض، وكانت قد حكمت على السادات بالموت لخروجه عن حدود الإسلام، كمقدمة للاستيلاء على السلطة بعد الخلاص منه.
ومن المفارقات في حياة الإسلامبولي -حسب ما ذكره هيكل- أن أول مدرسة دخلها كانت مدرسة تبشيرية بمحافظة المنيا، كما التحق في سنين الدراسة الثانوية بمدرسة كانت في الأصل مملوكة لإحدى البعثات التبشيرية الأميركية.
كانت خطة الإسلامبولي لعملية الاغتيال الهجوم بشكل مباشر على المنصة من الأمام، وبالفعل استطاع توجيه رصاصات نافذة إلى السادات، كانت من أسباب وفاته.
صاحب الترتيبات
وكان عبد السلام فرج (أمير مجموعة الإسلامبولي داخل الجماعة الإسلامية) -الذي وصفه هيكل بالشخصية المفتاح لكل الترتيبات العملية لتنفيذ خطة الاغتيال- عمره 27 عاما في ذلك الوقت، وتخرج مهندسا كهربائيا، وكانت كتاباته تحمل نبرة سائدة وهي ضرورة التخلص من الحاكم الظالم.
وبعدما قرر الإسلامبولي قتل السادات في العرض العسكري، طلب من فرج مساعدته باثنين أو 3 يشاركونه تنفيذ خطته، فجاء له بمساعدين لم يكن في إمكان أحد أن يجد أكثر منهما استعدادا وأهلية للاشتراك في العملية.
وعن ذلك يقول هيكل إنه كان غريبا أن يستطيع الرجل خلال أقل من 24 ساعة أن يأتي بشابين على هذه الدرجة من الكفاءة لتنفيذ المهمة المطلوبة، إن ذلك يعني ببساطة أن فرج كان تحت تصرفه مورد واسع من الشباب يستطيع أن ينتقي منه لأي مهمة يناسبها.
القناص والمهندس والضابط
أما مساعدو الإسلامبولي في عملية الاغتيال؛ فكان أولهم عطا طايل (27 عاما)، وهو ضابط احتياط تخرج من كلية الهندسة ثم ترك الخدمة ليعمل في مجال تخصصه.
والثاني حسين عباس، وكان مختصا بالتدريب على الأسلحة النارية في مدرسة الدفاع المدني، وحصل على بطولة الجيش للرماية 7 سنوات متعاقبة، وهو الذي أطلق الطلقة الأولى التي أصابت السادات من بعيد، وبعد الحادث تمكن من الخروج من ساحة العرض سالما، ولم يستوقفه أحد، في حين ألقي القبض عليه بعد يومين.
والمتهم الخامس الذي نُفذ فيه حكم الإعدام أيضا هو عبد الحميد عبد السلام، وهو ضابط سابق بالدفاع الجوي، وفي منزله بالقاهرة كان يتم التخطيط للعملية، وأصيب بجانب الإسلامبولي بطلقات في البطن خلال الحادث.
الضابط الكبير
أما الضابط الكبير المتهم بالمشاركة في العملية، فهو المقدم عبود عبد اللطيف حسن الزمر، وكان ضابطا بالمخابرات الحربية، وقبيل اغتيال السادات كان الزمر يشعر بقرب اعتقاله فاختفى عن الأنظار، ودارت عملية بحث واسعة للقبض عليه.
وحينها أخطر وزير الداخلية السادات شخصيا بموضوع الزمر بوصفه ضابطا في القوات المسلحة، ليوجه الرئيس بنفسه إنذارا قال فيه "إنني أعرف أن هناك ضابطا هاربا وربما يكون يسمعني الآن، لقد اعتقلنا كل الآخرين في 5 دقائق، وإن كان هو قد تمكن من الفرار فإنني أقول له إننا وراءه هو الآخر".
كان الزمر أبرز الداعين إلى عدم التعجل في الصدام العسكري، حيث طلب فترة إعداد يكون التنظيم خلالها قد استطاع تجنيد نوعيات كثيرة من ضباط الجيش تضمن لهم نجاح الثورة، مشيرا إلى أن خططه كلها تم رفضها، لكن الأمل لديه بقي في أن الهجوم على المنصة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول سيكون كفيلا بخلق حالة من الفوضى في الدولة تستطيع حركة الجهاد تطويرها لتحقيق ما تريد، حسب ما جاء في كتاب "خريف الغضب".
وصدر بحق الزمر حكمان بالسجن في قضيتي اغتيال السادات (25 عاما) وتنظيم الجهاد (15 عاما)، قبل أن يفرج عنه في مارس/آذار 2011 بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أدار شؤون البلاد عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني من العام ذاته، ضمن عشرات آخرين.
مدانون آخرون
وبالإضافة إلى هؤلاء فقد تضمنت القضية أسماء أخرى كان من بينها طارق الزمر، وهو ابن عم وابن خالة وشقيق زوجة عبود الزمر، وخرج معه في إفراجات 2011 بقرار من المجلس العسكري الحاكم آنذاك.
ويعد طارق الزمر من القلائل الذين واصلوا دراستهم فوق الجامعية خلال السجن، حتى نال درجة الدكتوراه في القانون الدستوري بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.
وكان طارق من قادة الجماعة الإسلامية الذين دشنوا المراجعات الشهيرة عام 1997، التي أقرت أن التغيير لا يأتي بالعنف.
أسهم الزمر في تأسيس حزب البناء والتنمية، كذراع سياسية للجماعة الإسلامية بعد ثورة عام 2011، وتولى منصب المتحدث باسم الجماعة ورئيس الحزب، وأثار حضوره احتفالات ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 2012 هجوما حادا على الرئيس الراحل محمد مرسي.
وفي عام 2019، أُدرج طارق الزمر على قوائم الإرهاب، ولاحقًا تم حل الحزب، وأصبح الزمر من أبرز رموز المعارضة خارج مصر حاليا.
كما ضمت أحكام الإدانة في قضية اغتيال السادات شخصيات إسلامية بارزة، منهم كرم زهدي الذي توفي في فبراير/شباط 2021، بجانب زوج شقيقته فؤاد الدواليبي، وناجح إبراهيم، وأسامة حافظ، وعاصم عبد الماجد، وجميعهم من القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية الذين أطلقوا مبادرة وقف العنف نهاية تسعينيات القرن الماضي.