جائحة الاحتلال وقيود كورونا.. "يلا لفة" مبادرة فنانة فلسطينية لإنعاش التسوق بالقدس القديمة
تسعى الفلسطينية آية خلف إلى تكريس "يلا لفة" كمبادرة عفوية لتشجيع التسوق من البلدة القديمة للقدس، وبلا أي دعم أو تمويل، الأمر الذي سيمكّنها من الاستمرار في ظل تضييق سلطات الاحتلال على كل نشاط فلسطيني

القدس المحتلة- في باب العامود بمدينة القدس، تنتظر الفنانة الفلسطينية آية خلف كل يوم سبت، في تمام الساعة الواحدة ظهرا، أصدقاءها، لينطلقوا في جولة جديدة من مبادرة "يلّا لفة" لإحياء البلدة القديمة بالقدس.
وخلال ترددها على المنطقة العتيقة بعد فتح المحال التجارية وإزالة القيود المفروضة منذ جائحة كورونا، لمست هذه الشابة، التي تعتبر القدس "مسقط روحها" كما تقول، عمق الأزمة الاقتصادية في البلدة القديمة وإحباط التجار بسبب ضعف الحركة الشرائية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشاهد.. إذاعة “القدس 24” ناطقة بالإنجليزية والعبرية من قلب فلسطين
للصلاة والدفاع عنه.. عائلات القدس تتسابق لإحياء فجر الجمعة في الأقصى
العثمانيون وأحفادهم.. ماذا قدم الأتراك للقضية الفلسطينية والقدس؟
في إحدى الزيارات، قال لها تاجر مقدسي إنهم يتفهمون عدم قدرة أهالي الضفة الغربية على الوصول للمدينة المقدسة بسبب الجدار العازل ومنع الاحتلال، لكن عتبهم كبير على أهالي المدينة الذين هجروا أسواقها. ومن هنا قررت آية خلف الانطلاق في مبادرة "يلّا لفّة".
رافقت الجزيرة نت آية خلف وأصدقاءها في جولتهم الجديدة التي بدأت من أزقة حارة النصارى نحو سوق الدبّاغة مرورا بسوق الخواجات وطريق الواد.
تسير آية وكأنها في بيتها وبين أقربائها، تُلقي التحية على صاحب الفرن وتتبادل أطراف الحديث مع مسن وقف أمام منزله، ثم تكمل سيرها وتقول: "في الجولات المقبلة سنهتم بزيارة المراكز والمؤسسات في البلدة القديمة بالإضافة للمحال التجارية".
ترتدي قميصا طُرّزت عليه خارطة فلسطين وتحمل حقيبة تراثية، وفي عنقها قلادة "مفتاح العودة". كما تحمل في قلبها حب القدس والانتماء لها.

استغلال المنصات الاجتماعية
تقول آية: "أنا معروفة نوعا ما على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحديد على منصة إنستغرام، فقررت استغلال ذلك ونشر فكرة يلّا لفة بشكل عفوي".
استمرت الجولة نحو ساعتين ونصف الساعة، وبدأت بحانوت التاجر بلال أبو خلف المختص ببيع الأقمشة، والذي عرّف المشاركين على البلدان التي يستورد منها وأبرز الشخصيات التي اعتمدت عليه في تفصيل ملابسها الرسمية والدينية.
وقبل أن تغادر آية وأصدقاؤها الحانوت غنّت: "يا رايحين عالقدس خذوني معاكم .. لأدعي لربي وأقول ربي يحماكم.. مُرّوا من باب العامود بالكوفيّة الغالية.. شوفوا حضارة الجدود والقامات العالية".
التقط المشاركون في الجولة صورة جماعية مع صاحب المتجر، بعد محاورته والترويج لبضاعته عبر المنصات الاجتماعية.

وتشير آية إلى أن بعض التجار وصلوا لمرحلة من اليأس بسبب احتضار الحركة التجارية، ويرفضون التصوير والظهور عبر المنصات الاجتماعية، ويقتصر اللقاء معهم على إسنادهم معنويا والشراء منهم وإنعاشهم بالغناء التراثي في محالهم.
يقول التاجر بلال أبو خلف، للجزيرة نت، إنه يشجع الشباب ممن يرتادون محلّه على ارتداء الزي التراثي، مؤكدا ضرورة إنعاش البلدة القديمة والتجول بها في كافة الأوقات والفصول.
ومن سوق الدبّاغة إلى سوق الخواجات، أكمل الشباب سيرهم وهناك التقوا النحّاس الأخير في البلدة القديمة محمد عبد الجواد، الذي بدا يائسا من إمكانية انتعاش الأسواق مجددا خاصة مع إغلاق الحوانيت المجاورة له أبوابها مع شُح المارة.
وقال عبد الجواد "انعدمت الحركة السياحية وأصبح اعتمادنا على سكان القدس فقط. وهؤلاء باتوا يواجهون صعوبة في التسوّق من البلدة القديمة بسبب عدم توفّر مواقف لسياراتهم، ولذا فالأسواق التي كانت تحتضر قبل الجائحة ماتت بعدها تماما".
استمرارية وتطوير المبادرة
تُركّز آية على أهمية حصر الجولة في مفهوم المبادرة الشبابية العفوية التي نجحت بهِمم الشباب وانتمائهم للبلدة القديمة، وعدم تلقيها أي دعم أو تمويل من أي جهة، وهو الأمر الذي سيمكّنها من الاستمرار في ظل تضييق سلطات الاحتلال على كل نشاط فلسطيني، وهو ما تعرضت له آية قبل نحو شهرين لمجرد أدائها أغاني تراثية فلسطينية في أزقة القدس العتيقة.

وتطمح هذه الشابة، القادمة من قرية جت بالمثلث الشمالي في الداخل الفلسطيني، أن تكبر مبادرتها، وأن يتبناها مزيد من محبي القدس ليتمكنوا من إنعاش البلدة القديمة طيلة أيام الأسبوع.
وكانت الجولة الأولى لمبادرة "يلّا لفة" في 22 أغسطس/آب الماضي، بعد 6 سنوات من انتقال آية للإقامة والدراسة في القدس بتخصص التربية الموسيقية والغناء الشرقي.
وعن تجربتها، تقول آية، "كانت مباني القدس ومقدساتها تبهرني دائما ويزداد حبي لها وتعلقي بها منذ الاحتكاك بأهلها، حتى باتت مبانيها وجغرافيتها وقراها المهجرة وكل يومياتها قريبة لقلبي، وتشبه شخصيتي وشخصية كل فلسطيني يعيش الصراع اليومي لإثبات هويته".