العراق.. الموقع الجغرافي والتقصير الأمني مكّنا تنظيم الدولة من تفجير الوضع في ديالى

عمليات الجيش في ديالى لم تتوقف، إلا أنها غالبا ما تكون محدودة التأثير بسبب ضعف المعلومات الاستخباراتية وافتقار القطعات الأمنية للوازم اللوجستية كالمناظير الليلية والكاميرات الحرارية، وذلك وفق محافظ ديالى.

انتشار أمني مكثف في المقدادية بعد استهدافها من تنظيم الدولة قبل أيام (رويترز)

لا تزال محافظة ديالى شرقي العراق تشهد خروقات أمنية مستمرة يسقط على إثرها قتلى وجرحى، آخر هذه العمليات كانت الثلاثاء الماضي عندما هاجم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية إحدى القرى في قضاء المقدادية موقعا 11 قتيلا وعشرات الجرحى.

وأثار الحادث الأخير العديد من التساؤلات عن وجود تنظيم الدولة في محافظة ديالى رغم أن المحافظة لم تكن معقلا للتنظيم عندما كان يسيطر على مساحات واسعة من العراق ما بين عامي 2014 و2017.

وسائل التواصل- محافظ ديالى - مثنى التميمي
التميمي اعتبر أن تنظيم الدولة يستغل الفراغ الأمني لإثارة الفتنة الطائفية بين سكان محافظة ديالى (مواقع التواصل)

خروقات أمنية

وتوضيحا لما حصل، أكدت قيادة العمليات المشتركة العراقية الثلاثاء الماضي مسؤولية تنظيم الدولة عن الهجوم، وقالت -في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع)- "مرة أخرى يحاول مجرمو تنظيم داعش (الدولة الإسلامية) الإرهابي الرجوع إلى أساليبهم اليائسة في استهداف المواطنين الآمنين الأبرياء بعد عجزهم عن مواجهة قواتنا العسكرية والأمنية على امتداد التراب الوطني وبعد هزائم فلولهم وتخاذلهم من جراء الضربات الموجعة في معارك تطهير الأرض العراقية من دنسهم أينما حلّوا".

ويعزو مثنى التميمي -محافظ ديالى- الخروقات الأمنية لوجود مقاتلي تنظيم الدولة في عدة مناطق، خاصة في مناطق بهرز وجبال حمرين وأبو سعدة وجلولاء، وأن التنظيم يسعى لإثارة الفتنة الطائفية بين سكان محافظة ديالى.

إعلان

وعن أسباب الخروقات الأمنية في ظل تنفيذ قطعات الجيش العراقي والشرطة والحشد الشعبي عشرات العمليات العسكرية، كشف التميمي -في إفادة حصرية للجزيرة نت- أن العمليات العسكرية في مناطق ديالى لم تتوقف، إلا أنها غالبا ما تكون محدودة الفعالية والتأثير بسبب ضعف المعلومات الاستخباراتية وافتقار القطعات الأمنية للوازم اللوجستية كالمناظير الليلية والكاميرات الحرارية.

وأشار إلى أن على الوزارات الاتحادية العمل على مساعدة الأجهزة الأمنية فنيا ودعمها بالمعلومات الاستخباراتية، منوها إلى أن العملية الأخيرة في المقدادية نفذت من قبل 8 مسلحين فقط، وأن القوات العراقية بحاجة لدعم استخباراتي وطيران الجيش للتعامل مع مثل هذه الأهداف المتحركة، وفق التميمي.

وعن السلم الأهلي في ديالى ومدى صحة المعلومات عن وقوع أعمال انتقامية تجاه القرى المجاورة لموقع الحادث، أكد التميمي أن القطعات الأمنية انتشرت في المنطقة، إلا أن تقصيرا أمنيا حدث، وهو ما تسبب ببعض الفوضى والاعتداءات تجاه القرى المجاورة، لافتا إلى أنه وبعد 72 ساعة على الحادثة، فرضت القوات الأمنية سيطرتها على المنطقة بشكل كامل، وفق قوله.

فاضل أبو رغيف
أبو رغيف: اعتبر العمليات العسكرية للجيش والحشد التي نفذت بالسابق في ديالى ضد تنظيم الدولة كانت جزئية (الجزيرة نت)

ضعف استخباراتي

وعن أسباب الخروقات الأمنية، يؤكد الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف الأسباب التي أوردها محافظ ديالى، ويضيف أن انفتاح ديالى على السهول وجبال حمرين وحوض العظيم جعلها عرضة لخروقات من قبل مقاتلي تنظيم الدولة، فضلا عن ضعف الجهد الاستخباراتي وما وصفه بـ"وهن الجهد التعبوي الميداني" للجيش والتغيير المستمر للقيادات العسكرية في المحافظة.

وعن عشرات العمليات العسكرية للجيش والحشد التي نفذت في السابق، أوضح أبو رغيف أنها لم تؤد الهدف المطلوب، حيث إنها كانت جزئية فقط، بمعنى أنْ تنفذ القطعات العسكرية عملية عسكرية في منطقة معينة وتترك أخرى قريبة لها، ما يؤدي إلى عودة نشاط التنظيم في المنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية.

صورة حصرية مرسلة من قبله - السياسي والنائب في البرلمان العراقي - مضر الكروي
الكروي اعتبر أن ديالى تعاني من سلسلة مشكلات منذ العام 2003 لم تجد الحكومات المتعاقبة حلولا جذرية لها (الجزيرة نت)

أزمات متراكمة

من جانبه، يرى السياسي من محافظة ديالى والفائز بمقعد برلماني في الانتخابات الأخيرة مضر الكروي أن مشكلة ديالى ليست وليدة اللحظة، وأن المحافظة تعاني من سلسلة مشكلات لم تجد الحكومات الاتحادية المتعاقبة حلولا جذرية لها منذ عام 2003.

إعلان

ويعلق الكروي بالقول إن مشكلة ديالى تتمثل في حالات التهجير والنزوح بداية من عام 2003 ثم بين عامي 2006 و2007 في الحرب الطائفية وظهور تنظيم القاعدة والمليشيات، إضافة إلى الحرب الأخيرة ضد تنظيم الدولة عام 2017، كل هذه الأحداث أدت لتهجير آلاف العائلات.

وعن حادثة قضاء المقدادية الثلاثاء الماضي، يقول الكروي للجزيرة نت إن غالبية القيادات الأمنية في القضاء هم من مكون إثني واحد أو من عشيرة واحدة، وبالتالي كل هذه الأسباب تؤثر على وضع ديالى ومشاكلها التي وصفها بـ"المعقدة".

وعن وجود مقاتلي تنظيم الدولة، أوضح الكروي أن عمليات التحرير للمناطق من سيطرة التنظيم لم تكن مكتملة، وأنها كانت عمليات تحرير دون تطهير المناطق من الخلايا التي تنشط بين الفينة والأخرى بحجة عمليات انتقام وكراهية، لافتا إلى أن جميع سكان ديالى يدركون مدى أهمية التعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع وأن رد الفعل الذي حصل من قبل بعض الأطراف مرفوض من جميع السكان، بحسب تعبيره.

صورة مرخصة من قبله - رئيس مجموعة المورد للدراسات والاعلام - نجم القصاب
القصاب حذر من انجرار ديالى نحو حرب طائفية مع استمرار الخروقات الأمنية (الجزيرة نت)

الموقع الجغرافي

تتعدد الأسباب التي تجعل من محافظة ديالى منطقة توتر أمني دائم، وفي هذا الصدد يقول الباحث السياسي نجم القصاب إنه من الصعوبة بمكان أن تشهد ديالى استقرارا أمنيا، لا سيما أن موقعها الجغرافي وقربها من إيران والعاصمة بغداد والمناطق الوعرة، يجعلها صعبة سياسيا وعملياتيا مع وجود تنوع قومي وإثني فيها، بحسب قوله.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح القصاب أن ديالى تشهد سيطرة لبعض الأطراف التي تملك السلطة والسلاح، لافتا إلى أن ما يحدث من خروقات يهدف لإعادة الحرب الطائفية مرة أخرى للبلاد، وفق قوله.

ويذهب في هذا المنحى أحمد الشريفي الخبير الإستراتيجي الذي أوضح للجزيرة نت أن التركيبة السكانية لديالى وموقعها الجغرافي يسهمان في استثمار الأطراف المسلحة للوضع من أجل إذكاء التوترات الطائفية، لا سيما أن هناك مناطق زراعية واسعة ووعرة.

من وسائل التواصل الاجتماعي- الخبير الأمني والعسكري - أحمد الشريفي
الشريفي وصف الإجراءات الأمنية في ديالى بـ"الاستعراضية" وغير الحقيقية (مواقع التواصل)

ووصف الشريفي الإجراءات الأمنية في ديالى بـ"الاستعراضية" من أجل إثبات وجودها، دون أن تكون هذه الإجراءات ناجعة، لا سيما أن حرب العصابات ضد تنظيم الدولة تتطلب حربا غير تقليدية، لافتا إلى غياب مستلزمات إدارة المعارك الحديثة في حرب القوات العراقية ضد مقاتلي التنظيم.

وعلى الرغم من محاولة التواصل مع اللواء تحسين الخفاجي -الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة- للوقوف على حقيقة الوضع الأمني في ديالى، فإن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان