تساؤلات عن الخطوة القادمة.. كيف تستثمر المعارضة المصرية إلغاء الطوارئ؟

القاهرة- رغم التفاعل الواسع الذي حظي به قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التوقف عن تمديد حالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ سنوات، فإن ذلك لم يلق ظلاله بشكل واضح على مواقف القوى المعارضة، وكيفية تعاطيها مع القرار.
الترحيب الحذر والمشروط كان سمة مشتركة بين من تجاوب من ممثلي قوى المعارضة المصرية في الداخل والخارج مع السؤال عن كيفية تلقي القرار، مع إثارة تساؤلات بشأن انعكاساته على المشهد السياسي، وتحديد خطوات وإجراءات منتظرة من قبل النظام، قبل اتخاذ المعارضة خطوات تعكس تجاوبها بشكل إيجابي مع القرار.
وقبل أيام قليلة، أعلن السيسي عدم تمديد حالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ سنوات، وقال عبر حسابيه الرسميين بفيسبوك وتويتر "باتت مصر، بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة".
وفي مقابل ترحيب جارف واحتفاء واسع من قبل رموز سياسية مؤيدة للنظام القائم، تلقى معارضون القرار بتشكك وحذر، مع تقليل من الأثر المتوقع للقرار على الواقع السياسي للبلاد، فضلا عن الواقع الحقوقي المثير لكثير من الانتقادات.
وفي ظل خفوت أصوات القوى المعارضة في الداخل والخارج لاعتبارات مختلفة، أبدى البعض ترحيبه المبدئي بالقرار، إلا أنهم لم يروا فيه -بشكل واضح- خيطا ممدودا من قبل النظام يمكن التقاطه والتقريب بين الطرفين بشكل يغير صورة المشهد السياسي.
يسعدني ان نتشارك معاً تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد ، فقد باتت مصر … بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة ؛ ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد.
١/٣— Abdelfattah Elsisi (@AlsisiOfficial) October 25, 2021
الجزيرة نت تحدثت إلى أسامة سليمان، المتحدث الرسمي الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، والمقيم في تركيا؛ حيث قال إن الجماعة تؤكد دائما استعدادها من حيث المبدأ للتفاعل الإيجابي مع أي خطوة لصالح المعتقلين السياسيين والمتضررين من السياسات القمعية، إلا أن إلغاء حالة الطوارئ لم يكن له أي منحى إيجابي في هذا الشأن، بعد ترسانة قوانين صدرت مؤخرا وكرست حالة الطوارئ كأصل قانوني وليس استثناء.
وأضاف سليمان أن ما يمكن عدّه إشارة إيجابية يمكن التجاوب معها هو أن يتم تعديل مدة الحبس الاحتياطي، مما يتيح لآلاف المسجونين مغادرة محبسهم، أو الحكم بعدم دستورية قانون الإرهاب، خاصة مواد تأسيس دوائر خاصة للقضايا الاستثنائية، وهو ما يتيح لكثير من المحكومين فرص قانونية لإلغاء الأحكام الصادرة بشأنهم.
ومن ثم، فلا يرى سليمان "جدية" في استهداف فتح المجال العام من قبل النظام إذا لم تصدر مثل هذه الإشارات، ذاهبا إلى أن القرار جاء بهدف التصدير للخارج، نتيجة ضغوط خارجية محدودة على النظام بشأن حالة حقوق الإنسان.
وأشار المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين إلى أن قراءة الجماعة لهذه الخطوة تأتي في إطار كونها محاولات تجميل شكلية وليست جوهرية، استجابة لتلك الضغوط، مشددا على أن الأوضاع الحالية لا يمكن استمرارها، وأن الظروف التي أدت إلى انفجار "ثورة يناير" حاضرة وتزداد مع مرور الوقت، وأنه في حال استمرارها فإن سيناريو الانفجار الاجتماعي سيكون مرجحًا مرة أخرى، وربما بصورة أشد ضراوة، حيث إن القمع والضغط الأمني والاقتصادي والاجتماعي أشد من سنوات ما قبل 2011.
موقف سلبي
في المقابل، فإن رئيس تحرير صحيفة المشهد مجدي شندي لا يؤيد الموقف المتحفظ للمعارضة تجاه البادرة الرئاسية، بل يراه موقفا سلبيا، حيث يرى ضرورة تلقي قوى المعارضة إعلان إلغاء مدّ حالة الطوارئ بوصفه بادرة حسن نية من جانب الدولة المصرية، وأن تلتقط الخيط من قبلها وتبدأ مدّ الجسور مع السلطة القائمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح شندي أن ذلك يمكن عبر الإسهام في مناقشة القضايا والتحديات التي تواجهها الدولة المصرية، خاصة تلك التي تضيق فيها الفجوات بين موقفها وموقف السلطة، مثل أزمة سد النهضة -على سبيل المثال لا الحصر- وغيرها من القضايا التي لا يتصور معها تعدد المواقف الوطنية.
لكن شندي -الذي سبق له أن ذاق بعض مرارات الأجهزة الأمنية- يرى أنه لا بد للإقناع بجدية القرار وإمكانية إحداثه تغييرا حقيقيا في السياسة الداخلية أن يكون مشفوعا بإجراءات تنفيذية، منها فتح المجال العام أمام حركة الأحزاب، وإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا ما دام لا يمثل ذلك خطرا، والعودة الى إجراءات التقاضي الطبيعي.
كما لفت إلى ضرورة ألا تكون قوى المعارضة المتفاعلة مع هذا المستجد متورطة في "أعمال عنف أو دعم أعمال إرهابية، ممن رحبوا أو هللوا أو شمتوا في ضحايا الأحداث الإرهابية، فهؤلاء مهما تفاعلوا بإيجابية مع القرار لن يتقبل الجمهور العام مشاركتهم، لأنهم أخرجوا أنفسهم بأنفسهم من الصف الوطني"، حسب وصفه.
تفاعل إيجابي
التفاعل الإيجابي مع قرار إلغاء مدّ حالة الطوارئ مسار مقبول، حسب ما يراه زعيم حزب "غد الثورة" أيمن نور، حيث قال إن حزبه استقبله بروح إيجابية، لما أعلنوه أكثر من مرة من أن فرض تلك الحالة وتمديدها طيلة الأعوام الماضية كان مخالفا بشكل غير مبرر لنصوص الدستور المستقرة.
ورأى نور -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه الخطوة من الممكن أن تكون بداية لإظهار الاحترام الواجب لأحكام الدستور، واقترابا حذرا من أحلام وتضحيات الشعب المصري، بعد "التعديات التي لحقت بالدستور المصري في ما عرف بتعديلات 2019″، وهو الأمر الذي يمكن البناء عليه في حال تأكد بواقع ملموس.
لكن نور يرى أنه مع التلقي الإيجابي للقرار، فإنه لا يمكن الاكتفاء به ليكون مؤسِّسا لتعاط مختلف من قبل المعارضة مع النظام القائم، حيث يؤكد ضرورة أن تتبع القرار خطوات ملموسة على أرض الواقع تظهر حسن النوايا، وصدق النظام في سعيه لحلحلة المشهد السياسي والحقوقي القائم.
وعدد زعيم حزب "غد الثورة" -ضمن هذه الخطوات المنتظرة- فتح مجال العمل السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء محاكمات المدنيين عسكريا، وحل محاكم الطوارئ، وفك الحظر المفروض على مختلف وسائل الإعلام والمواقع التابعة لمؤسسات صحفية، وإتاحة حرية الرأي والإعلام بشكل حقيقي.
ورأى في هذا السياق أنه من السابق لأوانه ترقب تفاعل سياسي من المعارضة مع ما أعلنه السيسي، بوصفه خيطا مقدما لها والمطلوب منها التقاطه، حيث عاود تأكيد ضرورة أن ينعكس القرار بشكل فاعل في المشهد السياسي والحقوقي، في ظل تخوف من فقده الفاعلية بسبب قوانين تم إصدارها خلال الفترة الماضية.
إلغاء حالة الطوارئ هل تكون قُبلة الحياه للأحزاب والقوى السياسية وميلاد جديد لحرية الرأي والتنوع الفكري ، أم سلطة وقوانين التنفيذيه ستُبقي الوضع كما هو عليه pic.twitter.com/zKzwstELFt
— Halem Elginidy (@ElginidyHalem) October 26, 2021
أزمة الإخوان
ورغم ما تشهده جماعة الإخوان المسلمين من أزمة داخلية ظاهرة على السطح وخلافات بين قياداتها، إلا أن ذلك لا يعفيها من ضرورة التفاعل مع قرار إلغاء تمديد حالة الطوارئ، حسب القيادي بالجماعة محمد سودان أمين العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة (الذي أسسته الجماعة بعد "ثورة يناير" وحظرته السلطات بعد تدخل الجيش في صيف 2013 لعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي كان ينتمي للجماعة).
لكن سودان أوضح أن هذا التفاعل المطلوب يكون عبر "استغلال هذه الفرصة، وبالمطالبة بإلغاء كل قوانين الاعتقال الاستثنائية، والمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين احتياطيا".
وفي حديثه للجزيرة نت، ذهب القيادي بجماعة الإخوان إلى أن قرار السيسي ناتج عن ضغوط المجتمع الدولي المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان، ومن ثم فهو يهدف إلى تخفيف هذا الضغط، لكن سودان لا يستبعد أن يفتعل النظام حدثا صادما يقرر معه العودة لفرض حالة الطوارئ.
ويرى البرلماني السابق والقيادي بجماعة الإخوان عز الدين الكومي أن إعلان السيسي يمثل "خطوة جيدة ومعتبرة" في حال وضعت في سياقها الصحيح، وتم إتباعها بخطوات عملية، مثل تحسين معاملة المعتقلين والسماح بالزيارات والعلاج وغيرها من الخطوات المبرهنة على جدية القرار.
لكن الكومي -في حديثه للجزيرة نت- استبعد حصول ذلك، ذاهبا إلى أن السيسي لم يكن يستهدف بالقرار مدّ خيط لقوى المعارضة بهدف تحسين الوضع السياسي بالبلاد، وإنما هو موجه في الأساس للخارج، ومن ثم فلا يتوقع الكومي أن تتبع القرار خطوات تعزز التوجه لحلحلة المشهد.
ومع ذلك، يؤكد المتحدث أن جماعة الإخوان بوصفها جزءا رئيسيا في المعارضة -على حد تقديره- تثمن بشكل عام أي خطوة تعزز حقوق الإنسان، وتوقف الانتهاكات وتعزز إنهاء حالة انسداد الأفق العام، وتساعد على فتح الباب للتعبير عن الرأي بحرية.
حتى قبل قرار الرئيس السيسى بإلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد فأن النظام السياسى فى مصر اصبح منذ فترة اكثر استقرارا ورسوخا مع ضعف وفشل المعارضة فى كسب دعم شعبى ببرنامج بديل او زعيم كاريزمى ورفض تكرار الثورة وتحقيق معدلات نمو اقتصادى ومشاريع اجتماعية تواجه العشوائيات
— SAID SADEK (@saidsadek) October 25, 2021
غير مؤثرة
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية خيري عمر أنه لا يوجد في الظرف الراهن كيان معبر عن المعارضة بشكل حقيقي ومؤثر يمكن أن يتفاعل مع مثل هذا القرار بالقدر الذي يترك أثرا في المشهد السياسي.
ويشير عمر -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المعارضة الحالية محصورة في شخصيات لا يمكن تصور تعبيرها عن قطاعات واسعة في الشارع المصري، وبالتالي فإن آراءها ومواقفها لا تعكس سوى التعبير عن أشخاصها ودوائر محدودة حولها.
ويلفت في هذا السياق إلى أن القرار ربما يمثل خطوة لفتح المجال العام أمام رجال الأعمال والمستثمرين، بشكل يمكن معه تصور انعكاسات إيجابية لصالحهم والنظام معا، لكن تشرذم قوى المعارضة، وعدم توافقهم على مواقف موحدة، لا يرجح معه تعاملهم مع القرار بوصفه تطورا ينبغي استثماره لصالح حضورهم في المشهد السياسي.
وفي هذا السياق، يشير عمر إلى أن انشغال جماعة الإخوان بأزماتها والخلافات الحاصلة داخلها، إضافة إلى افتقار خياراتها السياسية بشكل عام للفاعلية الحقيقية؛ يقلل احتمالية استثمارها هذا المعطى، والتفاعل معه بوصفه خيطا يفتح الطريق أمامها للإسهام في حلحلة المشهد الراهن.