وسط دعاوى قضائية واستغاثات بمصر.. صدمة لمتفوقي التعليم البريطاني على عتبات تنسيق الجامعات

طلاب إحدى المدارس التي تدرس المنهاج البريطاني في مصر (مواقع التواصل)

القاهرة- بدأ محمود عبور الطريق مصدوما من النبأ الفاجع الذي أخبره به والده على الهاتف "لم تلتحق بكلية الطب يا محمود". مضى الفتى ذاهلا عما حوله حد أنه لم ينتبه لتنبيهات صادرة من السيارات المسرعة، فصدمته سيارة ونقل إلى المستشفى في حالة حرجة.

حصل محمود على 99% في السنة الثانية من الشهادة الدولية العامة للتعليم الثانوي، المعروفة اختصارا بـ"آي جي" (IG)، وكان يحق له هذا العام التقدم للالتحاق بالجامعة دون التقيد بانتظار السنة الثالثة من التعليم الثانوي، خلاف ما هو معمول به في الثانوية العامة المحلية.

محمود من الأوائل في مدرسته التي تدرّس منهاج التعليم البريطاني، ويدفع والده مصروفات دراسية كبيرة سنويا تصل إلى نحو 70 ألف جنيه (الدولار يساوي نحو 15.7 جنيها مصريا).

وتفجرت أزمة محمود وأمثاله هذا العام مع تراكم أكثر من دفعة من دفعات الثانوية العامة، وتقدمها لتنسيق القبول في الجامعات دفعة واحدة هذا العام.

يقول أولياء الأمور إن المشكلة تكمن في زيادة عدد طلاب شهادة الآي جي المتقدمين للتنسيق، وذلك بسبب تخلف دفعتين عن التقديم بسبب عدم استطاعتهم اللحاق بموعد التنسيق خلال العام الماضي نظرا لتداعيات أزمة فيروس كورونا، وبذلك أصبحت هناك 3 دفعات متراكمة في حين أن النسبة المخصصة لطلبة المنهاج الدولي ومعهم الوافدين (المصريين الحاصلين على الثانوية العامة من دول أخرى) في الجامعات ثابتة، وهي 5% من مقاعد الجامعات.

إعلان

ونقلت صحف محلية توضيح أولياء الأمور أن هذه الزيادة أدت إلى حرمان كثير من المتفوقين من دخول الكليات الطبية والهندسية، وفي نفس الوقت لم تتبق أماكن كافية في الجامعات الخاصة التي أغلقت هي الأخرى أبوابها نظرا لاكتمال الأعداد.

والنظام البريطاني للثانوية العامة معروف باسم "آي جي" (IG) اختصارا للحروف (IGCSE) التي هي بدورها اختصار للاسم "International General Certificate of Secondary Education"، ويعني "الشهادة الدولية العامة للتعليم الثانوي"، ويعد جزءا من منهاج متكامل يشمل جميع المراحل العمرية، لكن يمكن للطلاب البدء بتعلم هذا المنهاج مع بداية السنة العاشرة، ويخضعون للاختبار في نهاية العام الحادي عشر.

ويحصل الطالب على شهادة "آي جي" لكلّ مادة يدرسها، وتشمل هذه المواد بشكل رئيسي: اللغة الأولى، واللغة الثانية، والرياضيات، ومادة أو أكثر من مواد العلوم، كما  يتضمّن مجموعة واسعة من المواد التي يمكن للطلاب الاختيار من بينها.

أسباب الأزمة

ورأى المستشار التعليمي أحمد لبيب أن الأزمة تقف وراءها مزاحمة 4 فئات لحصة طلاب الآي جي في الجامعات المصرية، مضيفا أن قبول دفعتين زاد من صعوبات إيجاد أماكن للطلاب في كليات الطب بمختلف فروعها، فضلا عن كليات الهندسة.

وشرح لبيب -في حديثه للجزيرة نت- أن الوزارة دعمت بعض الكليات والجامعات الجديدة، بقرار يسمح بقبول دفعة الصف الحادي عشر، أي الذين تلقوا 11 عاما من التعليم متى تحققت الشروط التي فاجأت بها الوزارة الطلاب الناجحين، وبالتالي اقتضموا حصة من كعكة الـ5%، وهذا شيء طبيعي، بحسب وصفه.

لكن غير المعتاد -بتعبيره- هو أن يتأثر الطلاب الذين أكملوا الدراسة حتى الصف الثاني عشر -سواء عام 2020 أو عام 2021- بهذا الأمر، لأنهم اعتادوا في السنوات السابقة أن الدخول للطب أو الهندسة ممكن بنسبة نجاح تقدر بنحو 97%، وليس كما يُشترط اليوم بالحصول على 100% من مجموع الدرجات.

إعلان

ومضى يقول إنه كان من الممكن لصناع القرار التمهيد المسبق قبل سنة على الأقل وإعلام الطلاب بذلك، لكن أن يتفاجأ الجميع بالشروط الجديدة في تنسيق القبول الجامعي لهذه الفئة من الطلاب، فذاك مبعث الصدمة، بحسب تعبيره.

غصة

أزمة محمود وآلاف أمثاله أنهم يعتبرون أنفسهم أحق بالجامعات الحكومية من الأجانب، بحسب ما قاله والده محمد النادي للجزيرة نت، "حتى لو أردنا إلحاق أبنائنا بالجامعات الخاصة، فقد فات الوقت، وامتلأت الأماكن فيها".

وعبّر أولياء أمور الطلاب عن غصة نتيجة تنسيق القبول "غير العادل" الذي لم يساو أبناءهم بالطلاب الأجانب.

وبات على الطلاب القبول بالكليات التي أسفرت عنها نتيجة التنسيق، نظرا لامتلاء الأماكن في كليات الطب والهندسة بالجامعات الخاصة والأهلية.

وحلا للأزمة، طالب الخبير التعليمي أحمد لبيب صناع القرار بأن يوحدوا نسب النجاح بين الطلاب، سواء كانوا من المصريين أو الوافدين، ونصح باتباع التجربة الألمانية في الثانوية العامة بقبول الوافدين والمقيمين الذين درسوا في مصر، بامتيازات لأبعاد إنسانية، تختلف عن أولئك الذين يمكنهم الالتحاق بأي جامعة أخرى سواء خاصة أو أهلية برسوم سنوية.

وأشار المتحدث إلى خطورة قرار الوزارة على التعليم الخاص وسوق المدارس الأجنبية في مصر، معربا عن اعتقاده أن أولياء أمور طلاب الآي جي سيفكرون بجدية في تحويل أبنائهم للتعليم الحكومي، لما للخريجين المتميزين فيه من فرص قد لا تتاح لغيرهم ممن يأتون بعد انتهاء مرحلة التنسيق الجامعي، كما توقع أن تتجه عيون أولياء أمور الطلاب للدراسة في الخارج.

إعلان

استغاثات

على منصات التواصل الاجتماعي، شكّل عشرات من أولياء أمور طلاب التعليم البريطاني مجموعات للتواصل سعيا لحل الأزمة، انتهت للتوافق على إقامة دعوى قضائية. وتداول مغردون وسم "تنسيق ig 2021 باطل"، في محاولة لإبطال نتائج تنسيق القبول بالجامعات.

وبالتوازي مع الدعوى القضائية المقامة ضد وزارة التعليم، نشر أولياء أمور استغاثة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن نفس مطالبهم من الدعوى القضائية، وهي: إصدار قرار بزيادة نسبة المقبولين في الجامعات الحكومية من مدارس التعليم الدولي، نظرا لزيادة وتنوع أعدادها، بدلا من 5%، وهي النسبة الحالية التي يرى أولياء أمور أنها كانت موضوعة في زمن كانت فيه هذه المدارس قليلة وتعد على أصابع اليد الواحدة.

ورغم أن إنعام -وهو اسم مستعار لوالدة طالب من المتضررين- كانت ضمن من جمعوا أتعاب المحامي المقيم للدعوى ضد وزارة التعليم، فإنها لا تتفاءل بحل للأزمة، إذ تستشعر اتجاها لدى الوزارة لإجبار الطلاب على الذهاب إلى الجامعات الأهلية.

تقول إنعام للجزيرة نت إن "الدولة تريد طلابا مميزين لهذه الجامعات التي تراهن على إنجاحها بهذه الفئة المميزة التي تلقت تعليما جيدا، تريد أن تجعل الجامعات الأهلية بديلا للجامعات الخاصة. الدولة تريد الأموال لنفسها بدلا من ذهابها لأصحاب الجامعات الخاصة".

ومثل بقية أولياء الأمور، تشكو إنعام من الإرهاق المادي الذي كابدته في تعليم الابن بمبالغ باهظة، اعتقادا منها أن ابنها سيستقر أخيرا في كلية مرموقة بجامعة حكومية مثل ابنتها التي تتلقى تعليمها في قسم خاص بكلية الطب، لكن بعد ما جرى، فإن الأسر -برأيها- ستكون مجبرة على الجامعات الأهلية أو اغتراب أبنائها، بينما أبواب الجامعات المصرية مفتوحة لغير المصريين.

ودخل البرلمان على الخط، بتقديم عضو لجنة التعليم في مجلس النواب جيهان بيومي طلب إحاطة، طالبت فيه بحضور وزير التربية والتعليم لمجلس النواب.

إعلان

في المقابل، قال وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار إن نسبة الـ5% لا تضم جميع الشهادات الأجنبية، بل لكل شهادة نسبة الـ5% الخاصة بها، لافتا إلى أن عدد المتقدمين من الشهادة البريطانية للتنسيق بلغ 3457 طالبا، وعدد الحاصلين منهم على 100% بلغ 1727، علما بأن أولياء أمور تحدثوا للجزيرة نت استغربوا كلام الوزير وقالوا إنه غير حقيقي لأن طلاب الشهادات الدولية بريطانية وأميركية وغيرها يشتركون مع الوافدين في نسبة الـ5% من المقبولين بالجامعات .

أما بخصوص ارتفاع نسبة التنسيق هذه السنة مقارنة بالسنة السابقة، فأرجعها الوزير إلى أن تقييم المدارس للطلاب جرى من دون امتحانات، لافتا إلى أنه تم قبول 3 أضعاف الأعداد المعتادة لطلاب الآي جي، كما تم فصل التنسيق الخاص بطلبة الصف الثاني الثانوي (أي الذين قضوا 11 عاما في الدراسة) عن التنسيق الخاص بطلبة الصف الثالث الثانوي (قضوا 12 عاما في الدراسة).

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان