هل ساهمت واشنطن بطريقة غير مباشرة في إضعاف التيار المدني السوداني؟
خبيرة في الشؤون الأفريقية الاقتصادية قالت إن على الدول الغربية التي أعربت عن صدمتها من الاضطرابات في السودان، لوم نفسها بالنظر للقيود التي ترافقت مع قروض صندوق النقد الدولي للسودان في السنوات الأخيرة، والتي زادت من معاناة السودانيين وعززت من قبضة العسكر.

واشنطن- خلال زيارته واشنطن قبل عامين، وبعد عدة أشهر فقط من الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، سافر عبد الله حمدوك إلى واشنطن، وكان أول رئيس حكومة سوداني يستقبله مسؤولون أميركيون منذ عام 1985. وفي لقاء مفتوح بالمجلس الأطلسي، أوجز حمدوك صعوبات انتقال بلاده من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
ولعل أبرز ما جاء على لسانه حينذاك تحذيره من التوازن الهش والحساس بين القادة المدنيين الذين ساعدوا في الإطاحة بالبشير، وبين الجيش القوي في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsصحف دولية: إجراءات البرهان تقوض الديمقراطية في السودان
قتلى وجرحى باحتجاجات متفرقة.. دعوات للعصيان المدني في السودان وضغوط دولية متصاعدة لعودة الحكومة المدنية
الوثيقة الدستورية في السودان.. الأسس القانونية لما بعد نظام البشير
وفي حين أشاد حمدوك بالطبيعة "المحلية السودانية" للتسوية، حذّر أيضا من أن أي تراجع قد يؤدي إلى دولة فاشلة، وقال إن السودان "سيكون اليمن، سيكون ليبيا، سيكون سوريا، وسيكون ربما كل ما سبق".

واشنطن لم تلتفت
في هذه الأثناء وبينما تشهد الخرطوم انقلابا عسكريا أطاح بمكونات الحكم المدني، اعتبر كاميرون هادسون، المسؤول السابق عن ملف السودان في إدارة الرئيس باراك أوباما والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، أن عملية التوازن الدقيقة التي شهدها الانتقال السياسي في السودان اصطدمت بجدار في الآونة الأخيرة.
وحسب هادسون، فإن التمهيد للانقلاب جرى على مدى أشهر، فقد كان هيكل الحكم الانتقالي -المنقسم بين القادة المدنيين الذين ساعدوا في الإطاحة بالبشير عام 2019 وأجهزة الأمن القوية في السودان- ينهار، مع خوف الجيش بشكل خاص من فقدان قبضته على السلطة.
ولم تلتقط واشنطن ضعف التوازن بين الجناح المدني والعسكري لصالح الأخير. ويقول هادسون إن "القادة المدنيين وصلوا بشكل أساسي إلى حدود قدرتهم على إصلاح المجال السياسي والاقتصادي، دون أن يقدم الجيش شبرا واحدا".
ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية السودانية في الأسابيع الأخيرة، والتي ساهمت في زيادة الغضب الشعبي، خاصة مع تجاوز التضخم 400%، اغتنم الجيش هذه اللحظة لاتهام الحكومة "بتجاهل احتياجات الشعب"، كما تقول خبيرة الشؤون الأفريقية بالمجلس الأطلسي راما ياد.
وبينما ساهمت المساعدات الخارجية المحدودة للسودان في منع انهيار اقتصادي كامل، يرى هادسون أن "التعافي الكامل لم يكن من الممكن تحقيقه دون أن يتخلى الجيش عن سيطرته على الأجزاء الرئيسية المُدرة للدخل في الاقتصاد"، من إدارة الموانئ إلى تعدين الذهب إلى صادرات الماشية.
الدعم لا الخنق
من جانبها ترى راما ياد أن على الدول الغربية التي أعربت عن صدمتها وفزعها من الاضطرابات في السودان، النظر في المرآة ولوم نفسها بالنظر إلى القيود التي جاءت مع قروض صندوق النقد الدولي للسودان في السنوات الأخيرة.
وتقول ياد "على الجبهة الاقتصادية، ربما كان على الدول الغربية دعم الحكومة المدنية بدلا من خنقها بتدابير تقشّف صارمة انتهت بإغراق السكان في اليأس وتقديم الذريعة المثالية للجيش الذي أرادوه للقيام بهذا الانقلاب".
ويرى ديفيد شين، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن بلاده قد دعمت باستمرار الانتقال إلى الحكومة المدنية والانتخابات الديمقراطية.
ويضيف شين أن "واشنطن قدمت 337 مليون دولار هذا العام لمساعدة الحكومة الانتقالية السودانية، ودعمت تخفيف الديون عن الخرطوم مع صندوق النقد الدولي".

العسكر ومصالحهم
لكن ميشيل غافين، الخبيرة في الشؤون الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية والسفيرة السابقة، أقرّت بأنه في الوقت الذي يزعم فيه الفريق عبد الفتاح البرهان أن "القوات المسلحة ستواصل استكمال عملية الانتقال الديمقراطي"، فإن أفعاله وأعمال القيادة العسكرية تكشف عن الواقع الذي لا يمكن إنكاره، فهي ستقاوم بقوة أي محاولة لإتمام عمل الثورة وإصلاح الأجهزة الأمنية ووضع خطوط حقيقية للمساءلة بين الشعب وقادته.
وترى غافين أن الجهود الرامية إلى استعادة الأصول المسروقة وإلغاء الصفقات غير المشروعة، كانت نقطة اشتعال للتوتر بين الطرف المدني والعسكري. وقد عمل المسؤولون الأمنيون الكبار باستمرار على التلاعب بالترتيبات الانتقالية لتجنب فقدان مركزهم المتميز، الذي لا ينطوي على الوصول إلى السلطة السياسية فحسب، بل يشمل أيضا الفرص الاقتصادية المربحة والتحرر من المساءلة.
وتؤكد غافين أن الحكام الجدد في السودان "لا ينوون السماح بإجراء انتخابات ما لم تكن لديهم سيطرة كاملة على الملعب السياسي، وقد وجدوا الدعم بين الجهات الفاعلة التي تم جلبها إلى الحكومة الانتقالية من خلال صفقات سلام، ولكن من غير المرجح أن تحتفظ بالسلطة إذا سُمح للمواطنين باختيار قادتهم بحرية".