محادثات موسكو بشأن أفغانستان.. رسائل متقاطعة وفوائد لطالبان وغياب قوى فاعلة
من اللافت أن محادثات صيغة موسكو انتهت دون إصدار بيان ختامي مشترك، ودون التوصل لاتفاق واضح بين الدول المشاركة، ودون نتائج عملية واضحة فيما يخص التعامل مع تطورات أفغانستان.
كابل – انتهت الأربعاء الماضي النسخة الثالثة لمحادثات موسكو بين حكومة أفغانستان الجديدة التي شكلتها حركة طالبان وبين الدول العشر في إطار ما تسمى بصيغة موسكو، وعلى الرغم من كون هذه المحادثات استشارية، فإنها تعتبر نقطة انطلاق جديدة في مضمار العلاقات الدولية لحكومة طالبان، إذ جمعت تلك المحادثات وفدا رفيع المستوى للحكومة الأفغانية مع ممثلين لكل من روسيا وباكستان وإيران وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان وقرغيزستان والصين والهند.
الثلاثي الغائب
وغابت الولايات المتحدة الأميركية عن اجتماع موسكو لأسباب لوجستية، حسب تصريح وزارة الخارجية الأميركية، ولكن واشنطن وصفت المحادثات بأنها "بناءة".
وكان من اللافت أيضا الحضور الهندي، وعدم توجيه الدعوة لكل من تركيا وقطر لحضور محادثات صيغة موسكو، على الرغم من قيام كلا الدولتين بدور ملموس في القضية الأفغانية عقب سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان في منتصف أغسطس/آب الماضي.
6 من الدول المشاركة في محادثات موسكو تربطها علاقة جوار مع أفغانستان، ويتعلق الأمر بباكستان وإيران والصين وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، في حين تقع الدول المتبقية (الهند وروسيا وقرغيزستان وكازاخستان) ضمن دائرة علاقات التأثير والتأثر بالأوضاع في أفغانستان، خاصة في حالة تدهور الوضع الأمني وخروج الأمور عن السيطرة.
وكان الهدف المعلن لمحادثات صيغة موسكو التباحث بشأن الأوضاع السياسية والعسكرية في أفغانستان، وقد كانت فرصة لوفد حكومة أفغانستان لتوضيح موقف الحكومة الجديدة من القضايا المثيرة للقلق لدى دول المنطقة والمجتمع الدولي بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان.
مباحثات موسكو فرصة لوفد حكومة أفغانستان لتوضيح موقف الحكومة الجديدة من القضايا المثيرة للقلق لدى دول المنطقة والمجتمع الدولي بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان
كما أن الوفد الحكومي الأفغاني أجرى محادثات ثنائية مع ممثلي بعض الدول المشاركة في محادثات صيغة موسكو.
ما صيغة موسكو؟
صيغة موسكو عبارة عن إطار لاجتماعات تناقش الشأن الأفغاني، يشارك فيها ممثلون لبعض الدول المهتمة بهذا الشأن، إضافة إلى فصائل وشخصيات أفغانية بما فيها طالبان، وقد انطلقت صيغة موسكو في عام 2017 برعاية روسيا، ومنذ ذلك الوقت وفرت صيغة موسكو فرصة لعقد 3 دورات من هذه الاجتماعات.
وقد كانت محادثات الأربعاء الماضي الأولى عقب سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، كما كانت المرة الأولى التي تحضر فيها حركة طالبان محادثات صيغة موسكو بمفردها ممثلة لأفغانستان، إذ لم توجه الدولة المضيفة الدعوة لأي طرف أفغاني آخر لحضور المحادثات، خلافا للمرات السابقة التي كانت تشارك فيها فصائل وشخصيات أفغانية مثل الرئيس الأسبق حامد كرزاي، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، ورئيس مجلس المصالحة عبد الله عبد الله، والجنرال عبد الرشيد دوستم، وزعيم حزب الوحدة الشيعي عبد الكريم خليلي.
إن حضور ممثلي طالبان محادثات موسكو بمفردهم واستبعاد فصائل أفغانية أخرى يعد نقطة إيجابية مهمة لصالح حكومة طالبان على الصعيد الدبلوماسي والعلاقات الدولية.
ولا شك في أن حضور ممثلين لحكومة طالبان أي لقاء أو اجتماع في المنصات الدولية مثل صيغة موسكو في الظروف الراهنة ذو أهمية كبيرة لحكومة كابل، التي تعاني من عدم الاعتراف الرسمي الدولي، فكل خطوة من هذا النوع هي فرصة للحكومة الجديدة لكسر العزلة، ومحاولة من أجل الاندماج في المجتمع الدولي.
وتكمن أهمية محادثات موسكو أيضا في كونها توفر فرصة ومنصة للدول المشاركة للحديث المباشر مجتمعة مع حكومة طالبان، ونقل مخاوفها من التدهور المحتمل للأوضاع في أفغانستان إلى حكام كابل الجدد، والنقاش حول بعض القضايا بغية التوصل لصيغة مشتركة للتعامل مع الوضع الجديد في أفغانستان، تجنبا لتدهور الأمور والانفلات الأمني فيها.
موقف روسيا
لقد بعث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برسائل مزدوجة في كلمته الافتتاحية لمحادثات موسكو، فمن جهة أبدى ارتياح موسكو تجاه مستوى التعاون الحالي مع السلطات الأفغانية الجديدة وما تبذله طالبان لتحقيق الاستقرار في البلاد، ولكن من جانب آخر حذر لافروف من "وجود خطر حقيقي من امتداد النشاطات الإرهابية وتهريب المخدرات من أفغانستان إلى أراضي البلدان المجاورة".
وكررت روسيا ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، واعتبرت ذلك شرطا لإحلال السلام، وربط لافروف بين تقديم الدعم لحكومة طالبان وتحسين سياسات الأخيرة حيال قضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكان وزير خارجية روسيا واضحا عندما قال إن مسألة الاعتراف بحكومة طالبان غير مطروحة للبحث.
ويبدو أن روسيا تمسك العصا من الوسط، ويتلخص موقفها في التعامل مع طالبان كحكومة الأمر الواقع دون الاعتراف الرسمي بها، مثلما كانت تتعامل معها كحركة منذ سنوات، إذ استضافت موسكو وفود الحركة ضمن الدورات السابقة لمحادثات "صيغة موسكو".
حكومة طالبان
ولا شك في أن الكرملين غير راض عن تركيبة الحكومة الحالية في كابل، إذ وصفها بغير الشاملة، وهذا المصطلح يعني لدى موسكو في الغالب أن حكومة طالبان لم تضم فصائل وشخصيات أفغانية تتمتع بعلاقات قديمة مع روسيا منذ أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وفي سنوات الحرب الأهلية بين حكومة طالبان السابقة ومقاتلي ما كانت تسمى بجبهة الشمال في تسعينيات القرن الماضي.
كما لا يخفي الدعم السياسي غير المباشر الذي تقدمه موسكو لمعارضي حكم طالبان، الذين يتخذون من العاصمة الطاجيكية دوشنبه مقرا لنشاطاتهم، ومن البديهي أنه لا يمكن لطاجيكستان السماح للمعارضة الأفغانية بالعمل داخل أراضيها دون موافقة موسكو.
وقد شهدت طاجيكستان منذ سقوط حكومة الرئيس المنصرف أشرف غني قبل شهرين أنشطة واجتماعات لبعض الأحزاب المعارضة لحكم طالبان ولبعض كبار المسؤولين في الحكومة الأفغانية السابقة مثل وزير الخارجية الأسبق وزعيم الجمعية الإسلامية صلاح الدين رباني، ووزير الدفاع في حكومة أشرف غني الجنرال بسم الله خان محمدي، و أمر الله صالح النائب السابق لرئيس الجمهورية السابق وغيرهم.
وقد تسببت تصريحات الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن المنتقدة لعدم اشتمال حكومة طالبان على شخصيات من عرقية الطاجيك، وكذلك نشاطات المعارضة داخل طاجيكستان، في توتر العلاقات بين كابل ودوشنبه، إذ رأت حكومة طالبان في ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
شهدت طاجيكستان منذ سقوط حكومة الرئيس الأفغاني المنصرف أشرف غني قبل شهرين أنشطة واجتماعات لبعض الأحزاب المعارضة لحكم طالبان ولبعض كبار المسؤولين في الحكومة الأفغانية السابقة
رسائل طمأنة
حرص كل من عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء الأفغاني ووزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقي على طمأنة دول الجوار والمنطقة بأن حكومة طالبان المؤقتة لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة في العالم، وأن الحكومة الجديدة في كابل تريد علاقات التعاون والاحترام المتبادل مع العالم.
وخلافا لتصريحات وزير خارجية روسيا، وصف رئيس الوفد الأفغاني في محادثات موسكو أفغانستان تحت حكم طالبان بأنها "دولة مستقرةٌ الآن، ولن تتعرض أي دولة للتهديد من الأراضي الأفغانية"، وطالب نائب رئيس الوزراء الأفغاني المجتمع الدولي بالاعتراف بالحكومة الجديدة.
وصرح وزير الخارجية الأفغاني بأن حركة طالبان "أوفت بجميع شروط المجتمع الدولي للاعتراف بها سلطة شرعية في أفغانستان"، وحذر عبد السلام حنفي من أن "عزل أفغانستان لا يفيد أحدا"، في إشارة لاستمرار عدم اعتراف دول العالم بحكومة طالبان.
ومن اللافت أن محادثات صيغة موسكو انتهت دون إصدار بيان ختامي مشترك، ودون التوصل لاتفاق واضح بين الدول المشاركة، ودون نتائج عملية واضحة فيما يخص التعامل مع تطورات أفغانستان، وقد طالبت وزارة الخارجية الروسية في بيان مقتضب الدول المشاركة في مباحثات موسكو بعقد اجتماع دولي آخر بشأن أفغانستان، كما طالب البيان بتنسيق الجهود الدولية لدعم إعادة إعمار أفغانستان، واستمرار الدعم الإنساني للشعب الأفغاني، واقترحت روسيا عقد مؤتمر للدول المانحة للبحث عن حلول للأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد.
ولعل غياب دول لها تأثير واضح على مجريات الأحداث في أفغانستان مثل الولايات المتحدة وتركيا وقطر عن محادثات موسكو كان له تأثير سلبي على مخرجات هذه المحادثات.