بعد تشكيل حكومة منتخبة.. إلى أين تتجه الأوضاع في إثيوبيا؟
تُقدر أطراف في البنك الدولي خسائر إثيوبيا جراء الحرب بنحو 502 مليون دولار حتى نهاية العام، بما يؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد، الذي كان يعد الأسرع نموا، من 10% سنويا إلى 2%.

بين تظاهرة إيريتشا في 2016، التي مكّنت آبي أحمد من الصعود إلى سدة الحكم، وتظاهرة إيريتشا 2021، التي نددت بحكمه ونادت بسقوطه، جرت تحت الجسر مياه ودماء إثيوبية كثيرة.
وخلال هذه الفترة، سرت في إثيوبيا أحداث جسام ربما يغيّر تاريخها وجهته بعدها؛ سلام وثورة للإصلاح، وتفاؤل وأحلام عريضة سرعان ما تبددت، أو كادت، بين طموح النخب واستدعاء الثارات وتكالب أصحاب الأجندات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإثيوبيا.. القوات الحكومية تكثف هجومها على جبهة تحرير تيغراي
لإدلائها بتصريحات بشأن تيغراي.. الأمم المتحدة تسحب موظفة كبيرة من إثيوبيا
وزيران جديدان للدفاع والسلام.. حكومة جديدة بإثيوبيا وتحذيرات أممية من أزمة إنسانية "هائلة"
كيف تغيرت خارطة الحكم بين العهدين؟
ظلت جبهة تحرير تيغراي تحكم عبر ائتلاف من 4 أحزاب رئيسية تحت مسمى "الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا"، وأرست دعائم الحكم الفدرالي على أسس إثنية وبمعادلات تمكنها من السيطرة على الحكم عبر الهيمنة واحتكار مفاصل القوة والمؤسسات الصلبة، بشكل يتعارض مع الدستور، مما فجر بركانا قذف بها خارج المعادلة السياسية.
طرح آبي أحمد مشروعا أطلق عليه "الازدهار"، ينطلق من فكرة الحكم المركزي وتشكيل حزب واحد من الائتلاف الحاكم، فأربك الساحة السياسية في الوقت الذي تهيّأ فيه الإثيوبيون للمزيد من الحريات والحكم الفدرالي، بل والحكم الذاتي في بعض الأقاليم، ليرث كل مقدرات الائتلاف الحاكم طيلة 30 عاما مضت.

ما طبيعة التشكيل الوزاري الجديد؟
فاز حزب الازدهار بأغلبية ساحقة (410 مقاعد) في الجولة الأولى التي شملت 436 دائرة جرى فيها الاقتراع، وأجلت الانتخابات في إقليم تيغراي والإقليم الصومالي وهرر وبعض المناطق في الجنوب.
وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انعقد البرلمان ووافق على مقترح التشكيل الوزاري الذي تقدم به رئيس الوزراء آبي أحمد. وشكّلت الحكومة من 22 وزارة، خُصص ربعها للنساء.
· أُتبعت 20 مؤسسة معنية بالأجهزة الأمنية وبالنواحي المالية والاقتصادية لرئاسة الوزراء، ومنها جهاز المخابرات والمؤسسات الأمنية التي كانت تتبع لوزارة السلام والبنك المركزي وهيئة اسواق المال والاستثمار.
· احتفظ وزيرا الخارجية والمالية، دميقي مكونين وأحمد شيد، بحقائبهما.
· استحدثت وزارة للسلام وعُيّن أحد أقوى حلفاء آبي أحمد على رأسها، وهو رئيس حزب الازدهار بينالف أندواليم، ويُصنّف بأنه أقوى الشخصيات الإثيوبية بعد أحمد.
· تعيين أبراهام بلاي وزيرا للدفاع من تيغراي، وهو الحاكم المؤقت الذي نصبه آبي أحمد على الإقليم بعد اجتياحه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مما يعني أن الوزارة سيديرها أحمد بنفسه.
· استوعب التشكيل الحكومي موالين ومعارضين من عرقية الأمهرة، فقد عُين برهانو نقا زعيم حركة المواطنين من أجل العدالة الاجتماعية، وزيرا للتربية، وعُين بليتي مولا، زعيم الحركة الوطنية للأمهرة، وزيرا للابتكار والتكنولوجيا.
· تعيين كجيلا مرداسا، العضو القيادي في إحدى فصائل جبهة تحرير الأرومو، وزيرا للثقافة والرياضة.
حكومة سلام أم حرب؟
يُرجح محللو الشأن الإثيوبي أن التشكيل، الذي ذهب إليه آبي أحمد، مقرون ببعض تصريحاته يوم التنصيب التي أكدت أن إثيوبيا لا تزال في مربع الحرب والانتقام من قوات دفاع تيغراي، بخلاف أقواله السابقة حول إدارة حوار وطني شامل.
في الوقت الذي دشن فيه مرحلة جديدة من الحرب برا وجوا، يُعتقَدُ أنها قد تكون الأخيرة لأحد طرفي الحرب في إثيوبيا، مع إصراره على تصنيف قوات تيغراي وجيش تحرير الأرومو، كمنظمات إرهابية.
ما تكتيكات الأطراف في الحرب الحالية؟
تبدو تصريحات آبي أحمد مناورات لكسب الوقت وتحقيق بعض الانتصارات العسكرية التي تمكنه من فرض بعض الشروط.
أما جبهة تيغراي، فهي متقدمة عسكريا في عمق إقليم أمهرة ويبدو أنها تخطط لتحقيق مزيد من الانتصار، خاصة في حواضر الإقليم، لرفع سقف التفاوض على المناطق التي تحتلها مليشيات أمهرة بمساعدة الجيش الإريتري.
وكلا الطرفين يصعدان من وتيرة الحرب وصولا إلى سقف التفاوض المريح والمربح، لأن الاستمرار في الحرب يهدد البلاد بالدمار والمزيد من التشظي وبروز حالات تمرد جديدة.

ما مواقف القوى الداعمة لكل طرف؟
تدعم الولايات المتحدة آبي أحمد في إصلاحاته الجريئة ومصالحاته مع إريتريا، وينبع ذلك من حرصها على موقع إثيوبيا، ودورها في النظام الإقليمي لأمن المنطقة.
وأصيب هذا الدعم بشيء من الارتباك بسبب طريقة حل الصراع القائم بين حلفائها، لكن تحالف آبي أحمد مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي وتدخل الجيش الإريتري في حرب تيغراي، مال بالموقف الأميركي لصالح تيغراي، مما جعل آبي أحمد يحتمي بروسيا والصين اللتين تبحثان عن فرص استثمار لتحقيق مكاسب إستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتحرصان على تقويض الإستراتيجية الأميركية هناك.
أما موقف الاتحاد الأفريقي، فيبدو عاجزا عن فعل شيء رغم شعارات ومشروعات عديدة مثل "إسكات البنادق" وشعار "الحل الأفريقي للمشكلات الأفريقية". وذلك لضعف تفعيل الآليات المعنية بالحل في مجلس السلم والأمن الأفريقي.
وعيّن الاتحاد الرئيس النيجيري السابق أوليسيغون أوبا سانجو مبعوثا خاصا لمشكلة تيغراي، ولكن تبقى مهمته صعبة في ظل رفض آبي أحمد مقابلة المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور.
ويتمتع أحمد بتأييد مطلق من رؤساء إريتريا والصومال وجيبوتي، مع تضارب في موقف السودان حيث يؤيده المدنيون ويعارضه العسكريون.
ما تداعيات الحرب بإثيوبيا؟
يدرك رئيس الوزراء الذي أطلق "أجندة الإصلاح الاقتصادي" في 2019، بهدف بناء نموذج يقوده القطاع الخاص، أن كلفة الحرب كبيرة. ويقدرها البنك الدولي بنحو 502 مليون دولار حتى نهاية العام. وستؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد الذي كان يعد أسرع الاقتصادات نموا، من 10% سنويا إلى 2%، وهو المتوقع لهذا العام.
وانخفض نمو الصادرات من 17% عام 2019 إلى 0.5% عام 2020، مما أدى إلى هبوط قيمة العملة المحلية من 35 بير (العملية الإثيوبية) للدولار، إلى ما يزيد على 3 أضعافه حاليا. هذا عدا الطاقات البشرية الهائلة المهدورة في الحرب بين الأطراف المتقاتلة.
هل تتوسع دائرة الحرب أم يتعقل الإثيوبيون؟
نشطت الحكومة الإثيوبية في التسلح من الصين وروسيا وإيران وربما تركيا، وحشدت المقاتلين بمئات الآلاف، وأطلقت تصريحات من قبيل "لا ينبغي السماح لهذه الزمرة العيش معنا".
وهو توجه لا يبشّر بطرق أخرى لحسم المعركة سوى القتال الذي قد تكون فيه نهاية إثيوبيا التاريخية. خاصة في ظل ضعف الوساطات والضغوطات والعقوبات التي قد تساهم في الخروج من نفق المعارك إلى ما يحفظ للبلاد وحدتها ولُحمة شعوبها.