بيرقدار وسد النهضة.. هل تؤثر المسيّرات التركية لإثيوبيا في التقارب مع مصر؟
القاهرة – بينما تتجه العلاقات المصرية التركية المتوترة منذ سنوات نحو التهدئة والتطبيع، لاحت على نحو مفاجئ أزمة قد تهدد بتأجيجها من جديد؛ إثر صفقة محتملة تبيع بموجبها أنقرة طائرات مسيّرة إلى أديس أبابا التي تجمعها بالقاهرة حالة من التوتر بسبب تشييد وملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
وقبل أسابيع أنهت مصر وتركيا مباحثات ثنائية بالعاصمة أنقرة، وأكدتا رغبتهما في اتخاذ مزيد من الخطوات الإضافية لإحراز تقدم في القضايا العالقة وعودة العلاقات الدبلوماسية، وهي الثانية بعد زيارة وفد تركي للقاهرة في مايو/أيار الماضي.
ورجحّ رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إمكانية استئناف العلاقات خلال العام الجاري؛ إلا أنه ربط ذلك بحلّ قضايا عالقة على رأسها الملف الليبي.
فهل تمثل صفقة الدرون المحتملة لإثيوبيا عائقا في مسار عودة العلاقات الثنائية؟
تعقيبا على ذلك؛ اتفق محللون سياسيون -تحدثوا للجزيرة نت- على أن صفقة المسيّرات التركية المحتملة لإثيوبيا قد تأتي في سياق أوراق الضغط في عمليات التفاوض الحالية بين القاهرة وأنقرة، من دون أن تؤثر في موازين القوى بالمنطقة باعتبارها ليست كبيرة، لكن يبقى لها مدلول سياسي أكثر أهمية، من دون التأثير على مباحثات عودة العلاقات الثنائية من جديد.
الصفقة المحتملة
يأتي ذلك في وقت تسعى فيه أديس أبابا جاهدة لتدعيم قواتها العسكرية لمواجهة التمرد القبلي من جهة، وإيجاد توازن عسكري مع السودان إثر أزمات الحدود، فضلا عن تحسين قدراتها الدفاعية في ظل التهديدات المتواترة من حين إلى آخر باستهداف سد النهضة عسكريا من جهة أخرى.
من جهتها، وسّعت تركيا من نفوذها الإقليمي في دول أعالي النيل والقرن الأفريقي، في سياق مساعيها لإحداث توازنات أمنية وجيوسياسية بالمنطقة، وفي إطار الأهداف الإستراتيجية بأن تصبح منافسا في سوق السلاح واستقلالية صنع القرار.
والخميس الماضي نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية مصرية قولها إن القاهرة طلبت من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مساعدتها على تجميد صفقة تقوم بموجبها تركيا ببيع طائرات مسيّرة لإثيوبيا، وذكرت الوكالة نقلا عن مصدر مصري أن أي اتفاق يتعين أن يطرح ويوضح في محادثات بين القاهرة وأنقرة تحاولان من خلالها إصلاح العلاقات الثنائية.
وفي حين لم تعلن تركيا وإثيوبيا عن صفقة المسيّرات رسميا بعد، فإن منصات إخبارية تركية لصناعة الدفاع والطيران العسكري في تركيا نقلت في 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عن سلجوق بيرقدار المدير التنفيذي لشركة "بايكار" التركية المصنعة للمسيّرة "بيرقدار"، قوله إن لدى بلاده علاقات تصدير للمسيّرة مع أكثر من 10 دول.
وأشارت إلى أن إثيوبيا من بين الدول المهتمة من كثب باقتناء المسيّرات التركية، وهناك احتمال كبير أن تكون واحدة من بين الدول العشر التي ذكرها بيرقدار.
وبلغت صادرات الأسلحة التركية إلى إثيوبيا في شهر أغسطس/آب الماضي 51.7 مليون دولار، قد يكون بينها مسيّرات بيرقدار، حسب المصدر ذاته الذي لم يذكر تفاصيل عن مبيعات الطائرات المسيّرة.
وسبق أن نفت السفارة التركية في إثيوبيا في يوليو/تموز الماضي تزويد أديس أبابا بطائرات من دون طيار، موضحة أن "الادّعاءات التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي بأن تركيا تزوّد إثيوبيا بطائرات من دون طيار كاذبة".
وفي منتصف أغسطس/آب الماضي زار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أنقرة في مؤشر مهم ضمن سياق العلاقات الثنائية التي مرت بمنعرجات متعددة في السنوات الأخيرة، آنذاك أكد أحمد في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب أردوغان أن "تركيا دولة ذات نفوذ ومؤثرة دوليا، وتعدّ إثيوبيا صداقتها مهمة للغاية، مشددا على الأهمية البالغة للاتفاقيات التي وقعها البلدان والتي من شأنها تعزيز العلاقات لسنوات عديدة".
كما وقع الجانبان عددا من الاتفاقيات المشتركة، في مجالات التعاون في الإنفاق العسكري، وفي مجال الموارد المائية، في وقت باتت فيه تركيا أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين أتراك.
أوراق ضغط
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة رأى أن الصفقة لن تؤثر في موازين القوى في المنطقة، باعتبارها ليست كبيرة، لكن مدلولها السياسي يبقى أكثر أهمية.
وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح نافعة أن مصر ترى إثيوبيا في الوقت الحالي من الدول التي تتبنّى سياسات معادية لها وبينهما مشاكل كبيرة تحتاج إلى حلول، ومن ثم فإن أي دولة تتقارب معها -وبالذات من خلال صفقات التسليح- لن تشعر مصر تجاهها بأي نوع من الارتياح، ويعدّ هذا بشكل أو بآخر عملا عدائيا موجها لمصر، بخاصة أن العلاقات المصرية التركية لا تزال في مرحلة حساسة، وفي مرحلة الاستكشاف ولم تتحسن إلى الدرجة التي يتطلع إليها الجانبان بعد.
وعن الموقف التركي، رأى نافعة أنه لا بد أن تكون هناك أسباب وراء هذه الخطوة، ربما تأتي في سياق محاولة كل طرف تجميع أوراق الضغط على الطرف الآخر لتحسين موقفه التفاوضي، مشيرا إلى أن مصر مثلا لها علاقات متميزة مع اليونان التي تعدّها تركيا دولة معادية وعلى الأقل دولة ليست صديقة.
وعن التداعيات المحتملة للصفقة التركية الإثيوبية، توقع نافعة أنها إن تمت وتأكدت فلن تؤثر في الرغبة المصرية التركية لتحسين العلاقات، خصوصا أنها صفقة صغيرة، لكن لو تبعتها مواقف سياسية معينة أو صفقات أخرى أكثر ضخامة، بالقطع ستؤثر في العلاقات بين البلدين، التي لم تبلغ بعد المستوى المطلوب.
علاقة تنافسية
منطلقا من الجولات الاستكشافية الأخيرة بين البلدين، رأى الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي أن العلاقات المصرية التركية لم ترق بعد إلى مرحلة التعاون أو التحالف سواء التكتيكي أو الإستراتيجي، وهي علاقة تنافسية بالأساس.
وبشأن طلب مصر وقف صفقة المسيّرات إلى إثيوبيا، عدّها الزواوي في تصريحات للجزيرة نت "بلا معنى"، مضيفا أن الضغوط على تركيا من الولايات المتحدة أو أوروبا ستكون هي أيضا بلا طائل؛ بالنظر إلى الأهداف الإستراتيجية التركية بأن تصبح منافسا في سوق السلاح واستقلالية صنع القرار التركي انطلاقا من أهدافها السيادية وأمنها القومي.
ومستبعدا أي تأثيرات محتملة للمسيّرات التركية عند نشوب صراع مصري إثيوبي؛ أوضح الزواوي أن أديس أبابا إذا اقتنتها ربما تستخدمها ضد مسلحي التيغراي وآلياتهم على الأرض، لأن القاهرة لن تدفع بآليات على الأرض في إثيوبيا.
لكنه توقع أن تكون المسيّرات التركية ورقة مهمة في أي عمليات تفاوض مستقبلية سواء في ما يتعلق بتشكيل بنية جديدة للتحالفات، أو بتعاظم حصتها في سوق السلاح العالمية على المدى القريب.
وفي ما يتعلق بالمخاوف المصرية من تنامي النفوذ التركي في أعالي النيل، شدد الزواوي أن العلاقة بين الطرفين حتى الآن لا تزال هشة وكلاهما حذر من الآخر ويتقدمان ببطء شديد؛ لعدم وجود رغبة في إعادة هيكلة بنية التحالفات من جانب القاهرة التي لا ترغب في دور متزايد لأنقرة بالشرق الأوسط حتى لو في إطار علاقات إستراتيجية تفيد الجانبين.
توازنات ومصالح
ومستبعدًا تأثير الصفقة المحتملة سلبًا على علاقات بلاده مع مصر، قال الباحث والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو إن القلق المصري من الصفقة طبيعي؛ نظرا إلى امتلاك إثيوبيا هذه المسيّرات من دون النظر للدول التي تصدرها، حتى لو كانت حليفة لمصر كالولايات المتحدة.
وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح رضوان أن القلق المصري نابع من توسع نفوذ إثيوبيا التي أصبحت دولة كبيرة لها مشاريع ضخمة وبعضها بمستوى إستراتيجي، بما يؤثر على القاهرة.
وشدد أن تركيا ليست مقلقة لمصر، ومن حق بلاده أن تبيع الأسلحة لمن تشاء في إطار البحث عن الربح، موضحا صعوبة أن تقنع مصر تركيا بالعدول عن الصفقة باعتبارها تأتي في إطار العلاقات الثنائية بين الدول، وعلى الجانب الآخر مصر دولة كبيرة تستطيع شراء المضادات والمسيّرات التي يمكنها أيضا تصنيعها.
وفي ما يتعلق بالجانب الإثيوبي، رأى الباحث التركي أن أديس أبابا تحاول استغلال علاقاتها مع أنقرة وكذلك جمود العلاقات المصرية التركية لمصلحتها، وهو ما يقلق مصر، مستبعدا في الوقت ذاته ربط صفقة المسيّرات بسد النهضة، واستشهد بأهمية إثيوبيا في توازنات دول حوض النيل في إطار الصراع بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.
وقال أوغلو إن بلاده إذا رأت مصلحتها مع مصر ستوقف هذه الصفقة في مقابل شيء كبير (لم يحدده)، لكنها في الوقت نفسه لن تخسر حليفا كبيرا مثل إثيوبيا، موضحا أن هناك علاقات إستراتيجية كبيرة بين البلدين، ومن الخطأ الإستراتيجي أن تتنازل تركيا عن هذه العلاقة في مقابل علاقة مجمدة مع مصر.
وفي هذا الصدد، استبعد الباحث التركي الربط بين الاتفاقيات المصرية اليونانية والمساعي التركية لتدعيم العلاقات مع إثيوبيا، لكنه أشار إلى أن كل شيء يبقى واردا، وتركيا ستواصل الضغط على مصر من أجل أشياء مقابل أشياء.