رابح ساحيلي.. ناج من قمع مظاهرات الجزائريين في باريس عام 1961 يروي التفاصيل المروعة

في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، يروي الجزائري رابح ساحيلي (79 عاما) تفاصيل مروعة للقمع الفرنسي الدامي لمظاهرات الجزائريين في باريس عام 1961، والتي كان أحد المشاركين فيها.
ويؤكد ساحيلي أن "وحشية رجال الشرطة والدرك كانت مروعة"، وفي هذه المقابلة يروي الرجل بحزن ذكرياته عن ذلك اليوم الذي قتل فيه عشرات الجزائريين.
وقبل 60 عاما كان أكثر من 30 ألف جزائري يتظاهرون بشكل سلمي تلبية لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا للتنديد بحظر التجول المفروض على "الفرنسيين المسلمين" (الجزائريين) حصرا من قبل قائد شرطة باريس موريس بابون.
وفي المقابل انتشر 10 آلاف شرطي ودركي. وكان القمع دمويا؛ إذ قتل العديد من المتظاهرين بالرصاص وألقي ببعض الجثث في نهر السين.
ويقدر المؤرخون عدد القتلى جراء القمع بالعشرات على الأقل، وبعضهم يقدره بـ200 قتيل، بينما لا تتحدث الحصيلة الرسمية عن أكثر من 3 قتلى و11 ألف جريح.
وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون -أمس السبت- عن "الوقوف دقيقة صمت كل سنة، عبر كامل التّراب الوطني بدءا من الأحد (اليوم) في الساعة الـ11 صباحا، ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 بباريس".
من جهته، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بما وصفها "جرائم لا يمكن تبريرها"، خلال مراسم رسمية لإحياء الذكرى الستين للوقائع. وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون "أقر بالوقائع. إن الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا يمكن تبريرها".
واعتقل رابح ساحيلي -الذي كان قد وصل إلى باريس قبل 4 سنوات- من أومون (شمال)، حيث استقر والداه عام 1950 عندما وصلا من الجزائر، عند مدخل محطة المترو في ساحة النجمة في باريس. وكان قد بلغ للتو 19 عاما.
ويروي فيقول "كان علينا أن نجتمع في ساحة النجمة لبدء مظاهرتنا السلمية بأمر واحد؛ وهو أنه لا ينبغي أن يحمل المناضلون أي أداة حادة".
اعتقالات
تم اختيار هذه الساحة الكبيرة (ساحة النجمة) من قبل جبهة التحرير الوطني كنقطة تجمع للمهاجرين القادمين من الضواحي، حيث تقطن الطبقة العاملة في غرب باريس مثل جونفيل وأسنيير وناتير. وقد خُطط لمظاهرات في أماكن أخرى في العاصمة الفرنسية.
وقال ساحيلي "كنت مع أحد أقاربي عندما هاجمنا شرطيون. حاول حمايتي باعتباره أقوى مني، لكنه تلقى سيلا من الضربات بأعقاب المسدسات والهراوات، ما تسبب في كسر ساقه".
وأضاف "تم اعتقال جميع الجزائريين الخارجين من محطة المترو. كانت اعتقالات بناء على السمات"، موضحا أن "إيطاليين وإسبان وأميركيين جنوبيين" اعتقلوا، مشيرا إلى التعليمات التي أعطيت لرجال الدرك والشرطة بمهاجمة الفرنسيين المسلمين، وهي التسمية التي كانت تطلقها السلطات الاستعمارية على الجزائريين.
وتابع أنه تم نقلهم جميعا "تحت ضربات الهراوات" إلى موقف للسيارات بالقرب من ساحة النجمة.
وقال رابح ساحيلي كنا "نسقط تحت وابل ضربات أعقاب المسدسات على الرؤوس. كانت الضربات وحشية، لا أكثر ولا أقل".
وتابع "كان موقف السيارات مزدحما. في منتصف الليل تم نقلنا بالحافلة إلى قصر الرياضة، حيث مكثنا لمدة 3 أيام تحت مراقبة الشرطة وحركيين" جزائريين في الجيش الفرنسي.
وأكد أنه خلال أيام الرعب هذه، لم يتلق الموقوفون الـ9 آلاف في قصر الرياضة سوى "وجبة طعام خفيفة وقارورة ماء"، قبل أن تنقلهم الشرطة إلى "مركز الفرز في فانسان"، بحسب ساحيلي.
"برد قارس"
وقال رابح ساحيلي في شهادته "كان هذا المعسكر خاليا من جميع وسائل الراحة؛ لا أسرّة ولا مراحيض. نمنا على الأرض في البرد القارس"، موضحا "مكثت هناك لمدة أسبوعين قبل أن يُسمح لي بالعودة إلى المنزل".
وتابع "خلال الاعتقالات، رأيت نحو 20 شخصا ينزفون دما على الأرض بالقرب من ساحة النجمة. كان عدد رجال الشرطة كبيرا جدا ويتصرفون مثل الوحوش الشرسة".
وقال هذا العضو السابق في شبكات جبهة التحرير الوطني المسؤولة عن جمع التبرعات من المهاجرين، إن "الشرطة ألقت جزائريين -بعضهم أحياء- في نهر السين، لكننا لن نعرف العدد الدقيق للجثث التي ابتلعها هذا النهر".
وأشار إلى أنه حتى قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول قضى عدد كبير من المناضلين الجزائريين "في مياه نهر السين" خلال حملات للشرطة.
ويذكر الرجل أنه شارك "بإنقاذ ناشط شاب في اللحظة الأخيرة بعدما ألقت به الشرطة في نهر السين بالقرب من محطة توليد الكهرباء في ميناء جونفيل.
وأضاف أن الشاب اعتبر ميتا لأنه "كان قد تعرض لإصابات عديدة عندما تمكنا من إخراجه"، لكنه نجا لأنه كان شابا وقويا.
وبعد الاستقلال عام 1962، بقي رابح ساحيلي في فرنسا لمدة عامين قبل أن يعود إلى بلاده، حيث عمل مع شركة الخطوط الجوية الجزائرية.