العراق.. كيف أعادت نتائج الانتخابات الأخيرة ترتيب خارطة القوى الكردية؟

كشفت النتائج الأولية عن تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني نتائج الانتخابات في إقليم كردستان، وذلك بحصوله على 32 مقعدا، أما الاتحاد الوطني الكردستاني فحصل على 18 مقعدا، مقابل خسارة كتلة التغيير لأي تمثيل نيابي.

Iraqis vote in general election
أحد المواطنين في كردستان العراق يدلي بصوته في الانتخابات الأخيرة (رويترز)

تتوالى مفاجآت الانتخابات التشريعية بالعراق التي جرت الأحد الماضي، إذ يبدو أن الأكراد بالمجمل هم أكثر الرابحين من الانتخابات الأخيرة، فتحليل النتائج الأولية للانتخابات التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات بالعراق تشير إلى ارتفاع مجموع المقاعد البرلمانية الكردية من 58 نائبا في الانتخابات السابقة الى 65 نائبا.

وتختلف المعادلة السياسية الكردية بين حزب وآخر، فبعضهم عزز موقعه داخل البرلمان كما حدث مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بينما انخفضت عدد مقاعد أحزاب أخرى، مع عدم حصول كتلة التغيير الكردية على أي مقعد نيابي في البرلمان العراقي الذي يضم 329 مقعدا.

ومما لا شك فيه، أن نتائج الانتخابات العراقية ستؤثر على مجمل الخارطة السياسية للبلاد وفي إقليم كردستان، حيث أن خلافات كبيرة لا تزال محتدمة بين بغداد وأربيل فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور، فضلا عن منصب رئاسة الجمهورية وقانون النفط والغاز والموازنة الاتحادية ونصيب الأكراد منها.

خارطة الأحزاب الكردية

كشفت النتائج الأولية عن تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني نتائج الانتخابات في إقليم كردستان، وذلك بحصوله على 32 مقعدا بعد أن كان عدد مقاعده 25 فقط في البرلمان المنحل.

إعلان

أما الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يحظى بـ19 مقعدا فتراج إلى 17 مقعدا، مقابل خسارة كتلة التغيير الكردية لأي تمثيل نيابي لها بعد أن كانت تحظى بـ4 مقاعد في الدورة البرلمانية السابقة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فحركة الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبد الواحد -وهي التي تتخذ من محافظة السليمانية مقرا لها- حظيت بـ9 مقاعد برلمانية بعد أن كانت 3 فقط، مقابل خسارة الجماعة الإسلامية الكردية أحد مقعديها في الدورة السابقة، وارتفاع حصة الاتحاد الإسلامي إلى 4 مقاعد بعد أن كانت مقعدين فقط.

الكاتب والمحلل السياسي كفاح محمود
محمود اعتبر أن حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على 32 مقعدا يعد قفزة نوعية (الجزيرة نت)

تأثير التحالفات الكردية

يقول كفاح محمود -الباحث السياسي ومستشار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني- إن الحزب -نظرا لتاريخه الممتد لـ75 عاما- أُعطي الأولوية لدى الأكراد، مبينا أن حصول الحزب على 32 مقعدا يعد قفزة نوعية، ما أسهم برفع حصة الأكراد من 58 في الدورة السابقة إلى 65 مقعدا وفق النتائج الأولية.

وأضاف محمود -في إفادة للجزيرة نت- أن الاتحاد الوطني الكردستاني -منذ وفاة مؤسسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني- واجه مشكلة قيادية في الحزب تمثلت بالصراع بين أولاد العمومة في عائلة الطالباني، ما أثر على عدد الناخبين الذي صوتوا لهم، وهو ما ينطبق على حركة التغيير التي لم تحصد أي مقعد في الانتخابات الأخيرة.

من جانبه، يرى الباحث السياسي الكردي محمد زنكنة -في حديثه للجزيرة نت- أنه كان من المتوقع أن ينال الحزب الديمقراطي الكردستاني هذا العدد من المقاعد، لافتا إلى أن خسارة كتلة التغيير لجميع مقاعدها يعزى لحالة الضعف التنظيمي التي منيت بها بعد وفاة مؤسسها نشروان مصطفى، ما أثر في نفوذها واستعدادها للانتخابات، وفق قوله.

زنكنة عزا خسارة كتلة التغيير لجميع مقاعدها لحالة الضعف التنظيمي التي منيت بها بعد وفاة مؤسسها (الجزيرة نت)

ما إمكانية توحد الأكراد؟

لا تزال الكتل السياسية الكردية تشهد انقسامات كبيرة منذ سنوات، لا سيما بعد انسحاب القوات الكردية من محافظة كركوك في أكتوبر/تشرين الأول 2017 وهو ما عمّق الخلافات البينية الكردية.

إعلان

إلا أنه ورغم كل الخلافات، يرى كفاح محمود أن المصالح العليا لإقليم كردستان توحد الكتل الكردية مجتمعة، لافتا إلى أن المناطق المتنازع عليها مع بغداد وحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية وقانون النفط والغاز تخدم الأحزاب الكردية مجتمعة.

جندي: القضايا الإستراتيجية للأكراد في التعامل مع الحكومة الاتحادية توحد الأكراد (الجزيرة نت)

ويتفق مع هذا الطرح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني داود جندي، حيث يقول إن القضايا الإستراتيجية للأكراد في التعامل مع الحكومة الاتحادية توحدهم، خاصة ما يتعلق بالملف الاقتصادي وموضوع المناطق المتنازع عليها.

أما عن إمكانية توحد الأحزاب الكردية في كتلة سياسية واحدة داخل البرلمان العراقي، فيرى أن النتائج النهائية للانتخابات لم تعلن ولم يصادق عليها بعد، لافتا إلى الأحزاب الكردية لم تعقد حتى الآن أي مفاوضات أو تفاهمات فيما إذا كان الكرد سيدخلون في كتلة واحدة في البرلمان أم لا.

ويعزو جندي ذلك إلى أن أحد الأحزاب الكردية كان قد عقد تفاهمات مع كتل شيعية في مرحلة ما قبل الانتخابات، في إشارة لتفاهمات الحزب الديمقراطي الكردستاني مع التيار الصدري قبل 3 أشهر من الانتخابات، وبالتالي فإن الظروف السياسية لا تزال متغيرة، ومن المبكر الحديث عن التحالف بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث، وفق قول جندي.

وبالذهاب الى التيار الإسلامي في إقليم كردستان، يقول جمال كوجر -القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني من محافظة دهوك- "إن توحد الأحزاب الكردية في كتلة برلمانية واحدة لن يكون مستحيلا إذا ما وصلت هذه الأحزاب لتفاهمات بينية" مشيرا إلى تجاوز الخلافات في مرات سابقة عديدة.

عضو اللجنة المالية النيابية - جمال كوجر
كوجر اعتبر أن عدم تنسيق القوى الكردية فيما بينها داخل البرلمان سيفقدها كثيرا من المصالح (الجزيرة نت)

خلافات بينية

ويتابع كوجر -وهو الحاصل على أعلى عدد أصوات في الانتخابات الأخيرة على مستوى العراق حيث حصل على 56 ألف صوت- أن دخول الأحزاب الكردية منفردة داخل البرلمان سيفقدها كثيرا من المصالح، لا سيما أن الدورة البرلمانية الأخيرة وعدم توحد الأحزاب الكردية أدى لخسارة الأكراد مناصب مهمة في الدولة العراقية.

ويرى الصحفي الكردي سامان نوح أن هناك خلافات عميقة بين الأحزاب الكردية، منوها إلى أن حركة الجيل الجديد التي حصلت على 9 مقاعد لا يمكن لها بأي شكل من الأشكال أن تأتلف مع بقية القوى الكردية، إضافة إلى الاتحاد الإسلامي (4 مقاعد).

إعلان

ويرى -في حديثه للجزيرة نت- أن التحالف الذي قد يحدث هو بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وهو ما سيعتمد على توافق الطرفين على منصب رئاسة الجمهورية، مستبعدا حدوث ذلك بسبب المنصب.

منصب رئاسة الجمهورية

منذ أول انتخابات برلمانية في العراق عام 2005، جرى العرف السياسي في العراق أن يكون منصب رئاسة الوزراء من حصة الكتل الشيعية، فيما حظي السنّة بمنصب رئاسة البرلمان، مقابل حصول الأكراد على منصب رئاسة الجمهورية.

وعلى مدى 4 دورات برلمانية، كان منصب رئاسة الجمهورية من نصيب الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث تولى الراحل جلال الطالباني المنصب أولا ثم تولاه فيما بعد فؤاد معصوم، وأخيرا الرئيس الحالي برهم صالح.

ومع التغيير الكبير الذي شهدته الخارطة السياسية الكردية تثار العديد من التساؤلات عن الجهة التي سيؤول إليها المنصب، وفي هذا يقول كفاح محمود "إن منصب رئاسة الجمهورية الذي كان من حصة الأكراد منذ عام 2005 -وفق العرف السياسي- لا يعد حكرا على حزب سياسي كردي بعينه، وأن تنصيب الرئيس العراقي برهم صالح عام 2018 جاء بضغط من الشيعة نكاية بالحزب الديمقراطي الكردستاني".

ويتوقع محمود -في حديثه للجزيرة نت- أن رئاسة الجمهورية ستكون من حصة الحزب الأكبر كرديا، وأن الزعيم الكردي مسعود البارزاني لن يرشح نفسه لهذا المنصب، ما قد يعني أن شخصيات كردية من الحزب قد تكون مرشحة للمنصب ومنها وزير الخارجية الحالي فؤاد حسين ووزير الخارجية السابق هوشيار زيباري.

أما جمال كوجر فيؤكد للجزيرة نت أن منصب رئاسة الجمهورية لم يحسم حتى الآن فيما إذا كان سيبقى للاتحاد الوطني، أم سيكون من حصة الحزب الديمقراطي.

الكاتب والمحلل السياسي الكردي سامان نوح الجزيرة 1
نوح اعتبر أن زيادة عدد مقاعد الأكراد في البرلمان بـ7 مقاعد لن يشكل فارقا كبيرا في تشكيل الحكومة العراقية (الجزيرة نت)

الأكراد وتشكيل الحكومة

إعلان

يعد تشكيل الحكومة العراقية من أكثر الأمور الشائكة التي واجهت الساسة في العراق منذ عام 2005، إذ دائما ما يتأخر تشكيلها أشهرا عديدة بسبب تعثر التفاهمات التي تسبقها، وهو ما قد تشهده الدورة البرلمانية الحالية، لا سيما أن كثيرا من الأحزاب الشيعية رفضت النتائج الأولية للانتخابات وعدتها مزورة.

وفي هذا الصدد، يقول الصحفي سامان نوح، إن الاكراد شاركوا منذ عام 2005 في الحكومات العراقية المتعاقبة، وإن زيادة عدد مقاعدهم بـ7 مقاعد لا يشكل فارقا كبيرا، لا سيما أن الفاعل الأول عراقيا هم الشيعة ثم السنة ثم الأكراد، لافتا إلى أن بعض النواب الكرد الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة من المكون العربي.

ويرى أن على الأكراد والسنة -قبل إجرائهما أي تحالف لتشكيل الحكومة- انتظار ما وصفه بـ"فك الاشتباك" بين الكتل الشيعية التي رفضت بعضها نتائج الانتخابات الأولية، وأن يستغلوا الوقت لحسم الخلافات حول منصب رئاسة الجمهورية قبل التوجه للتحالف مع الكتل العراقية الأخرى، بحسب تعبيره.

صورة حصرية مرسلة من قبله - الصحفي العراقي - رياض الحمداني
الحمداني: الأطراف الكردية لن تشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية إلا بالتوافق فيما بينها (الجزيرة نت)

ويتفق مع هذا الطرح الصحفي رياض الحمداني الذي يرى أن الأطراف الكردية محكومة بالتوافق فيما بينها تجاه بغداد، وبغير ذلك لن تشكل رقما صعبا في المعادلات والصفقات السياسية تحت قبة البرلمان، بحسب تعبيره.

الحمداني وفي حديثه للجزيرة نت أكد على أن حصول الحزب الديمقراطي على عدد كبير من المقاعد سيشجعه على المطالبة بمنصب رئاسة الجمهورية الذي كان من حصة غريمه الاتحاد الوطني، وبالتالي وفي حال رفض الأخير ذلك، فإنه من الصعوبة اتحاد الحزبين في كتلة سياسية واحدة للتفاوض مع الأطراف العراقية الأخرى لتشكيل الحكومة القادمة، ما سيؤثر على مختلف الملفات الكردية.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان