وزراء ونواب ووكلاء ومديرون في العراق متهمون بالفساد واختلاس المليارات
على مدار الأعوام الماضية شهد العراق تفشيا للفساد بجميع مفاصل الدولة أدى لهدر واختلاس ما يتراوح بين 300 و400 مليار دولار، بحسب جهات رقابية اتهمت أحزابا وكتلا وشخصيات سياسية بالمسؤولية عنها وتهريب جزء كبير منها للخارج.
يبدو أن مهمة مكافحة الفساد في العراق أشبه بالمستحيلة في ظل رفض شخصيات حزبية وسياسية، متهمة باختلاس مليارات الدولارات، المثول أمام الجهات القضائية، وهو ما يصعب الحد من ظاهرة الفساد التي باتت مستشرية في مختلف مفاصل الدولة.
هذه الصعوبات لم توقف هيئة النزاهة ولجنة مكافحة الفساد الحكومية، المعنيتين بالرقابة، من الاستمرار بفتح ملفات الفساد الكبيرة التي ينتظر منهما في القريب العاجل إصدار أوامر قبض واستقدام جديدة بحق عدد من المتهمين.
ملفات فساد كبيرة
وذكر المفتش العام السابق لوزارة الداخلية جمال الأسدي، للجزيرة نت، أن عمل لجنة مكافحة الفساد الحكومية محدد بالنظر والتحقيق في الأوامر أو الشكاوى التي يحيلها رئيس مجلس الوزراء إليها، أو المحالة من قبل هيئة النزاهة تحديدا، مقدرا حجم ملفات الفساد المعروضة حاليا أمام هذه اللجنة ما بين 30 و50 ملفا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنالت جائزة “أبطال مكافحة الفساد” الدولية.. كيف أثبتت ضحى عبد الكريم قدرة المرأة العراقية؟
الفلوجة والرمادي اليوم مدينتان مختلفتان عما كانتا عليه قبل 17 عاما.. كيف تحقق ذلك؟
غابة مليئة بالرعب.. لهذا خرج السلاح المنفلت ومافيات الفساد عن السيطرة في العراق
وشكل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي نهاية أغسطس/آب 2020 لجنة للتحقيق في قضايا الفساد برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف وعضوية ممثل عن ديوان الرقابة المالية وجهاز المخابرات والأمن الوطني وهيئة النزاهة، وأناط مهمة تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن هذه اللجنة إلى جهاز مكافحة الإرهاب.
وأما بخصوص تداخل الصلاحيات بين هذه اللجنة الحكومية ومهام هيئة النزاهة، أفاد الأسدي أن هناك تعاونا وطيدا بين لجنة مكافحة الفساد وهيئة النزاهة على حسم ملفات الفساد الكبيرة المتعلقة بأصحاب الدرجات الخاصة، والشخصيات السياسية، والقضايا التي تتطلب موافقة رئيس مجلس الوزراء أو موافقة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية والرقابية على عرضها للتحقيق.
وعلى مدار الأعوام الماضية، شهد العراق تفشيا لظاهرة الفساد في جميع مفاصل الدولة أدت إلى هدر واختلاس كبير للمال العام تتراوح بين 300 و400 مليار دولار، بحسب جهات رقابية، متهمة أحزابا وكتلا وشخصيات سياسية متنفذة باختلاس هذه الأموال وتهريبها للخارج.
إدانة 1500 حكومي
وأصدرت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة 55 أمر قبض واستقدام بحق ذوي الدرجات العليا، على خلفية قضايا وملفَّات حقَّقت فيها الهيئة وأحالتها إلى القضاء خلال أغسطس/آب الماضي، مشيرة إلى صدور 9 أوامر قبضٍ، و46 أمر استقدام.
وأضافت الدائرة -عبر بيان لها- أن أوامر القبض والاستقدام شملت 7 أعضاء في مجلس النوَّاب، فضلا عن وزيرين سابقين، و3 وكلاء وزارة سابقين، كما شملت تلك الأوامر 9 محافظين سابقين، و9 مديرين عامِّين حاليِين و11 سابقين، و14 عضوا من أعضاء مجالس المحافظات.
وعلق الأسدي على أوامر القبض والاستقدام، الصادرة بحق عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، بالقول إنها جاءت بمتابعة من قبل دائرة التحقيقات التابعة لهيئة النزاهة، وأنه لا دخل للجنة مكافحة الفساد فيها، مقدرا مجمل الملفات التحقيقية الموجودة بالهيئة وحدها بـ 12 ألفا و850 ملفا متراكما.
ولفت إلى أن معدل شكاوى الفساد -التي تصل إلى هيئة النزاهة من مختلف الجهات- يبلغ نحو 250 شكوى شهريا، أي ما يعادل 3 آلاف شكوى سنويا، مضيفا أن السلطات القضائية أصدرت بناء على هذه الشكاوى أحكاما ضد 1500 مسؤول خلال 10 سنوات الماضية.
أوامر قبض جديدة
ورغم تعدد الأجهزة الرقابية والتعاون المشترك بينها، فإن الفساد مازال يكبر وينمو ولا تستطيع أية قوة إيقافه، بل باتت هذه الأجهزة المتنوعة عاجزة عن جلب الشخصيات السياسية والحزبية ومساءلتها عن هذه السرقات الكبيرة.
بدوره، بين الناشط في مكافحة الفساد سعيد موسى ياسين للجزيرة نت أن أوامر القبض والاستقدام التي صدرت مؤخرا من دائرة التحقيقات تأتي لاستكمال التحقيق في ملفات الفساد الصغيرة، موضحا أن ملفات الفساد الكبيرة تمت إحالتها إلى لجنة مكافحة الفساد وهي بصدد إصدار أوامر قبض واستقدام جديدة بحق بعض المتهمين.
وقبل فترة من الآن، وجهت كتل وأحزاب سياسية انتقادات لاذعة لعمل وأداء لجنة مكافحة الفساد التي تحتجز عشرات من المتورطين بعمليات سرقة المال العام، متهمة إياها بأنها ارتكبت مخالفات غير قانونية تتمثل بتعذيب المتهمين ونزع الاعترافات منهم بالإكراه.
ومنذ تشكيل اللجنة، أصدرت أوامر قبض بحق أكثر من 52 شخصية سياسية وإدارية، من بينهم رئيس حزب الحل جمال الكربولي، ومدير هيئة التقاعد الوطنية أحمد الساعدي، ومحافظ نينوى السابق نوفل العاكوب، ورجل الأعمال بهاء علاء عبد الرزاق الجوراني.
وأكمل ياسين حديثه أن التحقيقات التي تجريها هيئة النزاهة ولجنة مكافحة الفساد لم تتوقف بسب تزايد ملفات الفساد خلال السنتين الماضيتين وسيتم إحالتها للقضاء بعد الانتهاء منها، مبينا أن هناك شخصيات سياسية ترفض المثول أمام قضاة التحقيق، وهو ما أثر على سير التحقيقات.
الاحتماء بالبرلمان
وفي وقت ماض خوّل الكاظمي لجنة التحقيق في قضايا الفساد حق طلب أي أوليات أو معلومات متعلقة بالقضايا التي تنظر فيها، من أية مؤسسة في الدولة، إلا أن 20 نائبا رفضوا المثول أمام قضاة التحقيق في هيئة النزاهة ولجنة مكافحة الفساد، طبقا للناشط في مكافحة الفساد.
وبين ياسين أن هذا الرفض دفع بالسلطات القضائية إلى مطالبة رئاسة مجلس النواب برفع الحصانة عنهم، لكن مجلس النواب لم يستجب.
وبناءَ على موقف السلطة التشريعية، أصدرت المحكمة الاتحادية في يونيو/حزيران الماضي قرارا أكدت فيه أن لا حصانة لأعضاء مجلس النواب في حال اتهام أي منهم بجريمة جناية مشهودة أو جريمة جنحة أو مخالفة.
والخميس الماضي، رُفعت الحصانة عن أعضاء السلطة التشريعية بعدما حل البرلمان نفسه استعدادا للانتخابات التي جرت الأحد الماضي.
يقول رئيس كتلة "بيارق الخير" محمد الخالدي للجزيرة نت إن النواب الـ 20 المطلوبين للقضاء، والذين رفضوا المثول أمام القضاء، صار بإمكان السلطات القضائية القبض عليهم.
وطالب الخالدي من السلطات القضائية منع النواب المطلوبين من السفر لحرمانهم من الهروب خارج البلاد.
ولفت إلى أن 10 من النواب المطلوبين للقضاء رشحوا أنفسهم بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، حاثا سلطات القضاء الإسراع في التعامل معهم خشية أن يعودوا للبرلمان مرة أخرى ويحصلوا على الحصانة التي تمنع محاسبتهم في حال فوزهم بالانتخابات وأدائهم اليمين الدستورية.