المتحدث باسم وزارة الدفاع الفرنسية للجزيرة نت: قرار أستراليا سياسي بحت وإغلاق الجزائر مجالها الجوي لم يؤثر علينا
أحدث إعلان أستراليا المفاجئ التخلي عن أكبر صفقة بتاريخ الأسلحة العالمية التي جرى توقيعها مع فرنسا عام 2016 صدمة كبيرة عند الفرنسيين، ووصفها وزير الخارجية جان إيف لودريان بـ "طعنة في الظهر". هذه وقضايا أخرى تناقشها الجزيرة نت مع المتحدث الرسمي باسم وزارة القوات المسلحة الفرنسية، إيرفيه غران جان.

باريس – أحدث إعلان حكومة أستراليا المفاجئ التخلي عن أكبر صفقة في تاريخ الأسلحة بالعالم التي جرى توقيعها مع باريس عام 2016 صدمة كبيرة عند الفرنسيين، ووصفها وزير الخارجية جان إيف لودريان بـ "طعنة في الظهر".
فقد ألغت كانبيرا عقدا بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (66 مليار دولار أميركي) تشتري بموجبه من شركة "غروب نافال" الفرنسية 12 غواصة تقليدية من نوع بركودا تعمل بالديزل والكهرباء. وكان من المقرر تسديد هذا المبلغ على مدى 35 عاما.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلاستعادة ثقة باريس.. هل تضم أميركا فرنسا لاتفاق أوكوس؟
بعد أزمة صفقة الغواصات.. هل تعود الثقة بين أميركا وفرنسا من جديد؟
ماكرون يرفض الاعتذار بشأن التاريخ الاستعماري لفرنسا في أفريقيا
وفي المقابل، راهنت أستراليا على أسطول مكون من 8 غواصات على الأقل تعمل بالطاقة النووية بعد توقيعها على اتفاقية "أوكوس" مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولا تزال فرنسا تعبر عن موقفها الغاضب رغم محاولة الأطراف الأخرى تبرير ما حدث. وألغت اجتماعا بين وزيرتها للقوات المسلحة ونظيرها البريطاني، في وقت اتهم وزير الخارجية أستراليا والولايات المتحدة بالكذب، كما ووصم بريطانيا بالانتهازية.
الجزيرة نت التقت المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الفرنسية، إيرفيه غران جان، الذي أكد أن قرار أستراليا سياسي بحت ولا علاقة له بالأمور التقنية أو الصناعية للغواصات، وأن "العقد الأسترالي لن يضر بصورة فرنسا في مجال الدفاع".
وفيما يخص قرار الجزائر حظر أجوائها على الطائرات العسكرية الفرنسية، قال غران جان إن عمليات قوات بلاده في منطقة الساحل لم تتأثر.
وفيما يلي نص الحوار
-
بعد خسارة عقد بمليارات اليوروهات مع أستراليا، وتوجهها إلى أميركا وبريطانيا، كيف تبدو العلاقات الفرنسية الأسترالية اليوم؟
كانت العلاقات ممتازة مع الحكومات السابقة، إلا أنها تضررت للغاية اليوم مع الحكومة الحالية. وسيتطلب الكثير من الوقت والجهد لإعادة بناء علاقات مبنية على الثقة. فأستراليا لم تتحدث عن رغبتها في الحصول على غواصات نووية باتفاق عام 2016، بالرغم من أننا من رواد هذه التقنية.
ولأن أستراليا لا تملك خبرة فيها، فمن المحتمل أن يهتم الأميركيون بكل مراحل التصنيع والتركيب، وحتى القيادة. وقد نرى بحارة أميركيين على متن غواصات أستراليا، وهذا يعني أنهم سيكونون بعيدين جدا عن السيادة التي قدمناها لهم سابقا. ولا يرجع قرار أستراليا بالتعاقد مع أميركا وبريطانيا إلى أسباب صناعية وعسكرية، وإنما هو قرار ذو طبيعة سياسية وإستراتيجية.

-
أنفقت مجموعة نافال مبالغ كبيرة على المشروع الأسترالي منذ 5 سنوات. من الذي سيعوض الشركات الفرنسية التي خسرت مئات الملايين؟ وهل هناك تعويضات؟
أنفقت مجموعة نافال ما يقرب من 900 مليون يورو لصالح أستراليا، وسيتم دفع مستحقات هذا العمل كاملا. ونحن بصدد مناقشة إمكانية دفع تعويض إضافي مع الأستراليين.
لا أملك معلومات أكثر حتى الآن، ولكن الأكيد أنه لن يتم تقديم أي تساهلات تعاقدية مع أستراليا بهذا الشأن. وقد أرسلنا سفيرنا مؤخرا إلى هناك للدفاع بقوة عن المصالح الفرنسية.
-
يعتبر العقد الأسترالي أكبر عقد لمعدات دفاعية من قبل الصناعيين الفرنسيين، هل ستهدد خسارته مستقبل صادرات الأسلحة الفرنسية؟ وهل سنشهد انحدار وتراجع شعبية شعار "Made in France"؟
لا أعتقد ذلك. تقوم صناعة الأسلحة الفرنسية على دعامتين، الأولى هي الطلبات الوطنية، والثانية الجيش. وينص قانون البرمجة العسكرية بين عامي 2019 و2025 على ضخ 180 مليار يورو في الاقتصاد من أجل تعزيز استثمارات الشركات، وتستفيد صناعة الأسلحة من جزء كبير منها، وستكون قيمة ميزانية وزارة القوات المسلحة للعام المقبل 41 مليار يورو، وسيتم تخصيص 23 مليارا منها للاستثمار في الشركات المتخصصة بمجال الدفاع.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر فرنسا ثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، متقدمة بذلك على الصين وألمانيا. وعام 2020، بلغت صادراتنا حوالي 5 مليارات يورو، وهو مبلغ أقل من المعتاد بسبب تفشي وباء كورونا.
أما بالنسبة للغواصات، فقد بيعت منها للهند والبرازيل وماليزيا وتشيلي. وبالتالي، يمكنني القول إننا نملك "سجلا حافلا" في هذا المجال. ولا أعتقد أن الإنهاء المفاجئ للعقد الأسترالي سيضر بصورة فرنسا، لأن الجميع يدرك أن الغواصات الفرنسية كانت الخيار الأمثل لأستراليا من الناحية الصناعية والتشغيلية.
-
ما الذي يميز صناعة الغواصات في فرنسا عن باقي الدول وما الذي ينقصها؟
تمتلك فرنسا غواصات تطلق صواريخ نووية، أي أنها تحمل أسلحة ذرية، وهي التكنولوجيا الأكثر تعقيدا في العالم. وتحتوي هذه السفن المعقدة في التصميم والبناء على محطة طاقة نووية، وأسلحة، ومستشفى، وغيرها من المرافق، تشبه قرية صغيرة، مكونة من مئة ألف جهاز ومئات الكيلومترات من الكابلات والأنابيب.
بدأنا في صناعة الغواصات منذ 120 عاما، صنعنا 250 غواصة، بما في ذلك 20 منها تعمل بالطاقة النووية، وحوالي 230 تعمل بالطاقة التقليدية. وستدخل أول غواصة من نوع "بركودا" الخدمة الفعلية خلال الأشهر المقبلة، ونستعد لإطلاق غواصات الصواريخ النووية للجيل الثالث بحلول عام 2035. وبالتالي، أعتقد أن المعرفة والتكنولوجيا التي نتقنها، والمستمرة في التطور، لا تقدر بثمن ولا تفتقد لأي شيء.
-
كيف يشكل عقد فرنسا اتفاقيات جديدة مع دول مثل اليونان في بناء "استقلالية إستراتيجية أوروبية"؟ وهل توجد صفقات مع دول أخرى بالمستقبل القريب؟
يريد رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، منذ عام 2017 تعزيز "الحكم الذاتي الإستراتيجي الأوروبي" ويعني بذلك عدم الاعتماد على شركاء خارجيين في سياسة أوروبا الدفاعية. وتتجلى أهمية ذلك في التجارب التي عشناها الفترة الأخيرة، مثل انسحاب أميركا من أفغانستان وعقدها صفقة الغواصات دون سابق إنذار، مما يعني أن أميركا شريك لا يمكن التنبؤ به.
ويوجد تعاون متبادل بين فرنسا واليونان، وتم بيع 24 رافال منذ بداية العام و3 فرقاطات "إف دي آي" (FDI) ولدينا اتفاق إستراتيجي مع ألمانيا، ونأمل عقد اتفاقيات جديدة من هذا النوع مع دول أخرى، بهدف تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية، بحيث تصبح مبتكرة وأكثر قدرة على المنافسة.
وعلى المستوى الأوروبي، سيتم إنشاء صندوق دفاع أوروبي بين عامي 2021 و2027 بميزانية 8 مليارات يورو للمرة الأولى، إذ لم يسبق وجود أموال لشراء معدات عسكرية خاصة بالاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، نرى اليوم قوات أوروبية تحارب الجماعات الإرهابية على أرض ليست أرضهم في أفريقيا مثلا، إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية والتشادية والمالية، وهو ما يعكس أحد جوانب سياسة التسلح الأوروبي.
-
هل الغرض من تعزيز الشراكة مع الهند إنشاء تحالف دفاعي جديد في منطقة المحيطين الهندي والهادي؟
تربطنا بالهند صداقات عميقة جدا، وشراكات إستراتيجية طويلة الأمد، وتبحث حكومتا البلدين وضع خريطة طريق مشتركة في مجال الدفاع. والآونة الأخيرة، كانت لدينا مهمة مقاتلة من طراز رافال نفذت مناورات بالتعاون مع مقاتلين هنود.
كما تعتبر الهند شريكا رئيسيا في قطاع الفضاء، وهي أهم عميل لفرنسا في منطقة آسيا من حيث التسلح على مدى 10 سنوات، إذ استثمرت الهند أكثر من 13 مليار يورو لشراء غواصات وطائرات رافال وغيرها.
وتعتبر فرنسا دولة مقيمة في منطقة المحيطيْن، حيث يوجد لدينا 1.6 مليون فرنسي مقيم في الهند، ولدينا منطقة اقتصادية حصرية بمساحة 10 ملايين كلم مربع. كما يوجد لدينا قواعد عسكرية في جيبوتي، الإمارات، جزيرة ريونيون، وتاهيتي، كاليدونيا الجديدة. وبالتالي، فإن العلاقة مع الهند هي أحد جوانب هذه الإستراتيجية بالمنطقة.
-
هل يمكن القول إن فرنسا ترغب باستبدال حضورها العسكري في منطقة الساحل بمنطقة المحيطيْن؟ وهل يعني ذلك أن بلادكم ليست قلقة من مواجهة خصم جديد هناك مثل روسيا في مالي؟
لم ننسحب، ولا نزال ملتزمين بمنطقة الساحل لكننا غيرنا عملية برخان إذ سيكون لدينا ما بين 2500 و3000 جندي هناك. أغلقنا قواعدنا في الشمال، بمنطقة كيدال وتساليت وتمبكتو، ونقلناها إلى القوات المسلحة المالية والأمم المتحدة. ونركز اليوم على عرقلة حركة الجماعات الإرهابية: القاعدة أو داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) المتجهة إلى البحر، على الحدود الثلاثية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وخاصة في خليج غينيا.
كما لم يثبت بعد ميول "فانجر" الروسية في الانخراط بمالي. وأكد الوزيران جان إيف لودريان وفلورانس بارلي أن وجود مجموعة من المرتزقة لا يتماشى مع إستراتيجيتنا بالمنطقة. ويمكن أخذ العبرة مما حدث في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث أدى وجود الشركة إلى وقوع فظائع بحق السكان وأعمال نهب واسعة.
-
ماذا يعني حظر الأجواء الجزائرية على الطائرات العسكرية الفرنسية، وكيف يؤثر هذا القرار على عملياتكم بالمنطقة، ولا سيما عملية برخان؟
نتأسف على القرار الجزائري، ونأمل أن يتغير قريبا. لكن من المهم القول إن إغلاق المجال الجوي الجزائري لم يؤثر على عملياتنا في منطقة الساحل لأن طائراتنا، سواء كانت طائرات نقل أو مقاتلة أو بدون طيار، تقلع بشكل أساسي من النيجر.
قد نضطر في بعض الأحيان إلى التحليق فوق الأجواء الجزائرية عندما تكون هناك رحلات إغاثة لنقل الأفراد أو لجلب المعدات، إلا أنه توجد طرق أخرى يمكننا سلكها. كما أننا لا نعتمد على الوقود الذي يمر عبر الجزائر.
-
كيف ترون أداء جيوش الساحل ضد الحركات المسلحة؟
هناك تطور حقيقي في صفوف القوات المسلحة الأفريقية، ولا سيما القوات المالية، وأصبحت الآن قادرة على الصمود أمام الهجمات "الإرهابية".
وقمنا العام الماضي بتنفيذ عمليات واسعة النطاق، مثل عملية Equinoxe التي شارك فيها 3000 جندي، نصفهم من الجنود الفرنسيين والنصف الآخر من جنود دول الساحل الخمسة. وقبل بضع سنوات، كان يشارك 10% فقط من جنود الساحل بهذا النوع من العمليات.
وبالتالي، تشهد قوة الجنود هناك تطورا ملحوظا. يمكننا أن نقول إن الدعم والتدريبات التي قدمناها لهم تؤتي ثمارها اليوم، ونحن راضون عن ذلك.
-
مع وجود القوات الفرنسية والأجنبية وجيوش دول الساحل، بتقديركم ما الذي يعيق تحقيق سلام المنطقة؟
لم نقل إن الحل سيكون عسكريا فقط، بل يجب أن يكون سياسيا أيضا. ونؤكد أننا في منطقة الساحل بناء على طلب دول الساحل منذ عام 2013. ولذلك، يسأل الرئيس ماكرون نظراءه في قمة رؤساء مجموعة الدول الخمس بانتظام لمعرفة ما إذا كان الوجود الفرنسي مرغوبا به، وكل مرة كان الجواب بالإيجاب.
الوجود العسكري الفرنسي يهدف إلى محاربة الجماعات الإرهابية التي ابتليت بها المناطق الإقليمية في الساحل، والتي تراها الجماعات المسلحة أرضية مواتية لها لفرض سلطتها. إلا أننا قمنا بهزيمتها مرات عديدة.
وبالرغم من توقف الهجوم الذي تشنه هذه الجماعات، سيكون من الضروري أيضا توفير الخدمات، بما في ذلك إعادة فتح المدارس، والمرافق الصحية، وتمكين العدالة. وبالتالي، يرتبط وجودنا في الساحل، وخاصة مالي، بالسماح لها باستعادة حقوقها كاملة.
من جهتنا، يتم التركيز على الجزء العسكري، في حين نترك السلطات الأفريقية تعمل على الجزء المتعلق بالسياسة والتنمية. وهذا ما قد يفسر أيضا أن المعركة طويلة، وأنه لا توجد هزيمة كاملة للإرهابيين حتى الآن.