بعد إحراق مخيم بحنين.. مئات اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون مأساة تهجير جديدة

تتكرر مأساة اللاجئين السوريين في لبنان بشكل دائم في مخيمات اللجوء، لكن هذه المرة ليس بفعل الطبيعة أو خطأ فردي، بل بسبب إقدام شبان على إحراق مخيم "بحنين" بالمنية (شمالي لبنان)، مُشردين بذلك أكثر من 100 عائلة.
وبعد نحو 10 أيام على إحراق المخيم، ما زالت العائلات السورية مشتتة في عدة مخيمات أخرى منتشرة في منطقة الشمال، ووجدت أخرى مأوى عند عائلات لبنانية بشكل مؤقت.
ويشكو اللاجئون من ضيق الأماكن التي وجدوها بعد ليلة باتوا خلالها في العراء؛ فهم يعيشون حاليا كل 3 أو 4 عائلات في خيمة واحدة، لا تتعدى 4 أمتار.
وتعيش عائلات مخيم "بحنين" حاليا ظروفا أصعب مما كانت عليه قبل إحراق المخيم؛ فبعد أن تشردوا من وطنهم سوريا هربا من بطش نظام بشار الأسد وحرق المنازل والإبادة، وجدوا أنفسهم مرة أخرى يكابدون هجرة قسرية رمت بهم للعراء والجوع والعيش على المساعدات.
وكالة الأناضول التقت عددا من اللاجئين في مأواهم، حيث الحسرة تسكن قلوبهم والدمعة في عيونهم نتيجة الظلم الذي تعرضوا له، مع أطفالهم، جراء إحراق الخيام التي كانوا يسكنون فيها منذ أكثر من 10 سنوات.

مشاهد مروعة
وقال اللاجئ شجاع عبد السلام المحمد (50 عاما) "أنا من سكان المخيم الذي أُحرق بعد شجار وقع بين شباب من المخيم وآخرين من أهل المنية".
وروى المحمد الساعات الأولى للحادثة، حيث كان هو وعائلته داخل الخيمة، وفجأة سمعوا صراخا، والناس تركض وتترك خيامها فسأل عن السبب، وأجابوه بأن هناك من يريد إحراق المخيم.
وأضاف -وهو يتحدث بحسرة عما حصل- خرجت مع أطفالي من الخيمة لإبعادهم عن الحريق، وبتنا ليلتنا الأولى في العراء والبرد القارس، حيث لم تكن لدينا جهة تأوينا.
وأشار المحمد إلى أنه عند طلوع شمس اليوم التالي أصاب أولاده المرض من البرد، وانتابهم الخوف لعدم وجود مأوى لهم وفقدانهم كافة أغراضهم.
وأردف أن أحد سكان المنطقة طلب منهم البقاء عنده في الليلة الثانية بعد قضاء الليلة الأولى في الشارع، وتوزع بعض اللاجئين الذين شتتهم الحريق على باقي المخيمات، واستضاف أهل المنطقة آخرين.
وتابع المحمد أن المخيم المحترق كانت فيه 100 عائلة، موزعة على 95 خيمة، لأن بعض الخيام كان يوجد فيها أكثر من عائلة واحدة.
وذكر أنهم يعيشون بشكل مؤقت؛ "فاللبنانيون الذين استقبلونا في منازلهم سينتظرون حتى نرتب أمورنا في أقرب وقت ممكن، والكثير من الجمعيات الخيرية أرسلت مساعدات عاجلة باستثناء الأمم المتحدة، فلم يصلنا منها شيء".
من جهته، قال بشير محمد درويش (47 عاما) "نجانا الله والحمد الله، معظم سكان المخيم سالمون ولم يصابوا بأذى، لكن أغراضنا كلها ذهبت ولم يبق لنا أي شيء".
ولفت إلى أن بعض سكان المخيم وجدوا لهم مأوى عند بعض أهالي المنطقة من معارفهم أو في مخيمات أخرى في المنية عند أقارب لهم.
وشكر درويش المنظمات الخيرية والإنسانية التي ساعدتهم ووزعت عليهم الفراش والأغطية والمواد الغذائية.
هربنا من الموت لنجده أمامنا
بدوره، وصف محمد صادق اليوسف (45 عاما) اللحظات الأولى للحريق قائلا "تشردنا على مرأى من أعين الناس أنا وأولادي الثلاثة وزوجتي، كنا نائمين فخرجنا حفاة واستخدمنا سلما كان معلقا على سور المخيم للهروب من الحريق، وبتنا ليلتنا الأولى في الشارع".
وأضاف أننا نعيش اليوم في مخيم أبو عسكر القريب وليس لدينا أقارب، ونحن 3 عائلات في خيمة واحدة لم يقدموا لنا سواها.
ولفت اليوسف إلى أن هناك مشكلة في المنامة والحمامات، لأن المكان لا يتسع للجميع (…) نحن ننام فوق بعضنا البعض.
من جهتها، قالت المطلقة عويد العمري (50 عاما) "لدي 3 أولاد وأعيش في المخيم منذ عام 2011، وعندما احترق خرجنا فجأة إلى الشارع".
وأضافت أننا نعيش اليوم عند أناس في مخيم أبو عسكر، نحن 4 عائلات نسكن في خيمة واحدة، وأنا امرأة مطلقة وليس من الجائز أن أنام في مكان ضيق به رجال غرباء.
وأردفت "نحن هربنا من الموت في سوريا وجئنا إلى لبنان، لكننا وجدنا الموت هنا أيضا".
وتابعت وهي تبكي "لدي أولاد صغار تركني والدهم وهم لا يستطيعون إعالتي أو حتى إعالة أنفسهم".
وأشارت العمري إلى أنها قضت يومها الأول بعد احتراق خيمتها من دون مأوى، وباتت هي وأطفالها في الشارع من دون ملابس غير التي خرجوا بها".
تنديد لبناني
ومخيم بحنين واحد من عشرات المخيمات المنتشرة في لبنان، ومساحته لا تتجاوز 1500 متر مربع، وكان يضم 95 خيمة تسكنها نحو 100 عائلة، أي ما يعادل 379 لاجئا سوريًّا.
وأشعل شرارة جريمة إحراق المخيم خلاف فردي بين أحد أفراد عائلة "آل المير" اللبنانية وبعض اللاجئين من المخيم.
وبعد ذلك حاصرت مجموعة مسلحة اللاجئين السوريين عند البوابة الرئيسية والخلفية، وقطعوا الكابلات الكهربائية عن المخيم، فتحول إلى ظلامٍ دامس وسط إطلاق الرصاص في المنطقة، وجرى تهديد السوريين بعدم اللجوء إلى مخيم آخر مجاور لهم، وإلا سيتم إضرام النار فيهم جميعا، وفق ما يقوله أهالي المخيم.
واستنكر اللبنانيون على المستويين الرسمي والشعبي الجريمة، في حين فتحت عائلات في الشمال منازلها لاستقبال النازحين، وسارعت إلى مساندتهم وتأمين احتياجاتهم.
كما ندد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالحادثة، وطالبوا بمعاقبة المتورطين، كما أعلن الجيش اللبناني اعتقال 8 أشخاص، من بينهم لبنانيون وسوريون للتحقيق معهم في تفاصيل الحادثة.