لغم لاصق قبالة سواحل البصرة.. من يسعى لتكرار سيناريو ميناء بيروت في العراق؟

ناقلات قبالة سواحل البصرة
القوّة البحرية العراقية أثناء تأمين سلامة المنطقة بعد اكتشاف اللغم (الجزيرة)

أثار اكتشاف لغم ملتصق في ناقلة قادمة من الهند إلى المياه الإقليمية العراقية على الخليج العربي -الجمعة الماضي- الكثير من التساؤلات في الشارع العراقي، بشأن من يقف وراء ذلك وما الهدف من العملية؟

فالناقلة التي ترفع العلم الليبيري قادمة من الهند، استقرت قبالة سواحل البصرة على بعد ما يقارب 45 ميلا عن ميناء أم قصر منذ 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي متعاقدة مع شركة سومو للتسويق النفطي العراقي من قبل شركتي ناقلات النفط العراقية والنقل البحري لأغراض التصدير، لكن طاقم باخرة أرادت أن ترسو إلى جانبها للتزود بالوقود اكتشف جسما غريبا ملتصقا بها، وأبلغ السلطات المعنية عنه، فسارعت الجهات العراقية المختصة للإعلان رسميا بأن الناقلة "بولو" مفخخة بلغم يصل وزنه إلى 42 كلغ.

لغم البحري قبالة سواحل العراق
اللغم الملتصق بالناقلة باللون الأخضر (الجزيرة)

وفور صدور هذا الإعلان، أرسلت السلطات العراقية فريقا متخصصا بإزالة الألغام لتأمين الناقلة التي تعتبر خزانا عائما في المياه الإقليمية العراقية، وتنقل المنتج النفطي العراقي إلى بواخر وموانئ دول العالم.

ناقلات قبالة سواحل البصرة
السلطات العراقية أرسلت فريقا متخصصا بإزالة الألغام لتأمين الناقلة (الجزيرة)

وكانت المياه الإقليمية العراقية شهدت العديد من الحوادث المماثلة في العقود الماضية، من أبرزها حادث الساحبة أور عام 1982 خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) التي تم تفجيرها بلغم، وغرق الباخرة البكر عام 2003، وحادثة وفاة 21 من البحارة العراقيين بعد غرق السفينة "المسبار" جراء اصطدامها مع الباخرة الأجنبية العملاقة "رويال أرسنال" في قناة خور عبد الله في 19 أغسطس/آب 2017.

وكذلك حادث الساحبة الصالحية التي تعرضت للغرق وتم إنقاذ طاقمها بعد اصطدامها بباخرة أجنبية في مايو/أيار 2020 في ميناء أم قصر بمحافظة البصرة أقصى جنوب العراق، واحتراق وغرق زورق السياب قبالة ميناء البصرة النفطي عام 2014، وتعرض ميناء البصرة النفطي لحريق في 16 يوليو/تموز 2019.

الإمارة يرى أن زرع اللغم في الباخرة يهدف إلى تعطيل إنشاء ميناء الفاو الكبير (الجزيرة)

ما الهدف من التفخيخ؟

يقول وزير النقل السابق النائب كاظم فنجان الحمامي إن "الهدف من هذه العملية تخريبي، لأن وجود اللغم أو عبوة ناسفة من هذا النوع مقصود، ولا يقف وراءه أشخاص أو يباع في الأسواق، وربما هناك أطراف لها مصلحة في إثارة النزاعات ورفع سقف التوتر في المنطقة، وهي التي تقف وراء زرع هذا اللغم".

ويضيف الحمامي أن "هذا النوع من التقنيات التفجيرية المتقدمة تقف وراءه دولة ما أو جهات تابعة لدولة ما، كما لا يمكن أن يلتصق اللغم بالناقلة عن طريق الصدفة، أو يجرفه التيار من خلال المد والجزر والتيارات البحرية، ولا بد من وجود فرق من الضفادع البشرية أو الغواصين أو الزوارق المتقدمة، استطاعت أن تأتي وتنفذ عملية إلصاق هذا اللغم، أي أن هناك جهدا بشريا".

يصل وزن اللغم إلى 42 كلغ (الجزيرة)

خبر تلغيم الناقلة الليبيرية أثار موجة استنكار شعبي ومطالبات بكشف ملابسات الحادث ومن يقف وراءه، كما أثار أزمة جديدة تنذر بمخاطر كبيرة على الاقتصاد العراقي من البحر هذه المرة.

ويقول المحلل السياسي إياد الإمارة إن "الهدف من زرع اللغم في هذه الباخرة هو تعطيل إنشاء ميناء الفاو الكبير لصالح موانئ معروفة في المنطقة، وتعطيل تصدير النفط العراقي وإحداث المزيد من الإرباك في الاقتصاد العراقي الذي يعاني أصلا من أزمة كبيرة".

ويحلل الإمارة سيناريوهات الحادثة بالقول إن هناك دولا تمتلك موانئ فاعلة في المنطقة تقف وراء العملية بسبب مخاوفها من تشغيل ميناء الفاو الكبير في البصرة وأثره السلبي عليها، وهذه الدول نفسها لا تريد للعراق أن يستقر سياسيا واقتصاديا، وهي دول معروفة لدى العراقيين.

ويعبّر عن خشيته من أن يكون هذا العمل في الموانئ النفطية في البصرة بداية لما وصفه بعدوان جديد على العراق، تقوم به جهات معادية تحاول من خلاله زعزعة الأمن في البلد وتقويض اقتصاده، وبالتالي إيقاف عجلة مسيرته كاملة، ويتابع قائلا "كان حريا بالحكومة فتح تحقيق شامل في الموضوع، وكشف ملابسات هذا الحادث الخطير، لكن هذا لم يحدث، مما يعني تباطؤ الحكومة العراقية عن مهامها الأساسية في حفظ أمن البلد".

السعدون ذكر أن عمليات زراعة الألغام تزيد من قيمة التأمين البحري (الجزيرة)

التأمين البحري

من جهته، يرى الكابتن البحري صلاح السعدون أن التأمين البحري يعتمد بصورة عامة على درجة الخطورة، فكلما كانت درجة الخطورة عالية كانت كلفة التأمين أكثر، مشيرا إلى أن "العراق وقّع اتفاقية بيع النفط بالدفع المسبق، وهذه العمليات بمثابة كارت (بطاقة) إنذار للدول المصدرة للنفط، لتعديل مواقفها التصديرية".

ويقول السعدون إن منطقة الخليج العربي من بداية عُمان واليمن وباب المندب إلى خور عبد الله، مناطق نزاعات دولية وصراعات بين الدول، والخليج عبارة عن رقعة شطرنج، واللاعبون معروفون لوجود مصالح كثيرة في هذه المنطقة الحيوية.

ويذهب رئيس مؤسسة البحريين العراقية الكابتن خالد سعد الثعالبي، إلى أن ما حصل من خرق أمني يعدّ سابقة خطيرة تتحملها وزارة النفط بصورة مباشرة، لعدم التزامها بقوانين الموانئ النافذة وعدم التنسيق مع قيادة القوة البحرية وخفر السواحل العراقي، مشيرا إلى أن مؤسسة البحريين العراقية سترفع دعوى قضائية ضدّ وزارة النفط وشركة تسويق النفط "سومو"، لتجاهلها قانون الموانئ 21 لسنة 1995 وقانون رقم 1 لسنة 1998، وإصرارها على عدم الالتزام بهذه القوانين، والاستحواذ على صلاحيات الموانئ وإبعاد كوادرها الفنية عن ممارسة أعمالها، لغرض إبرام عقود فاسدة مع  شركات أجنبية.

وكان الجيش العراقي أعلن -في بيان السبت- تفكيك اللغم ونزعه من الناقلة، بينما أبطلت قيادة القوة البحرية العراقية اليوم مفعوله، واحتجزته في منطقة معزولة تماما، ثم فجرته من دون أن يتسبب ذلك بأي خسائر أو أضرار.

المصدر : الجزيرة