عودة سيناريو الدم في العراق بعد مجيء بايدن.. من المستفيد؟
تفجير انتحاري وسط بغداد وهجوم على القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي وعشرات الضحايا بين قتيل وجريح واستهداف أرتال الدعم اللوجستي للقوات الأميركية واغتيالات.. هذه هي حصيلة الأيام الأولى بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن للبيت الأبيض.
هجمات جاءت مباغتة للعراقيين وللقوات الأمنية على حد سواء، فبعد يوم واحد من تولي بايدن السلطة، شهدت بغداد تفجيرين انتحاريين في ساحة الطيران ذهب ضحيتهما 28 قتيلا وعشرات الجرحى.
ولم يكد العراقيون يستوعبون ما حصل، حتى شهدت منطقة العِيث شرق محافظة صلاح الدين استهدافا لقوات الحشد الشعبي ذهب ضحيته 11 جنديا وإصابة 12 آخرين، في هجوم وصف بالأعنف منذ إعلان العراق محررا من سيطرة تنظيم الدولة.
لماذا عادت الهجمات؟
شكّلت عودة الهجمات القاتلة في العراق لحظة رعب للعراقيين بعد أن كانوا قد شهدوا سنوات من التفجيرات الانتحارية وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من العراق بين عامي 2014 و2017.
ويرى عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية "هه ريم كمال خورشيد" أن لا رابط بين تصاعد هجمات تنظيم الدولة ومجيء بايدن أو قرب الانتخابات البرلمانية المقبلة، معللا ذلك بأن عقيدة الجماعات الشيعية المسلحة التي تطلق على نفسها حاليا (المقاومة) تختلف جذريا عن عقيدة تنظيم الدولة الإسلامية.
وعن تصاعد الهجمات مؤخرا، يؤكد خورشيد للجزيرة نت أن الوجود الأميركي في العراق لا يزال مستمرا، إلا أن هناك فراغا أمنيا كبيرا بين حدود محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وبين حدود إقليم كردستان العراق.
ويرى أن أسبابا أخرى زادت من قوة التنظيم مؤخرا، حيث إن وجوده على الحدود السورية العراقية لا يزال مستمرا، معلقا بأن "الهجمات على السفارة الأميركية ببغداد وهجمات الفصائل المسلحة على أرتال الدعم اللوجستي تسببت بتراجع الدعم الأميركي للقوات العراقية، خاصة ما يتعلق بالاستطلاع الجوي والمسير والاستخبارات".
ويرى الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف أن تزامن التفجيرات مع تنصيب بايدن لا أصل له، خاصة أن تنظيم الدولة انتهازي ويستغل أي ضعف أو هفوة أمنية، وبالتالي فإن تكثيف عمليات التنظيم في بغداد والمحافظات جاءت بعد تهيئة استمرت أشهرا.
ويتابع أبو رغيف حديثه للجزيرة نت بالقول إن الحدود السورية لا تزال غير مؤَمَّنة بالكامل، فضلا عن افتقار المحافظات العراقية والعاصمة بغداد لمنظومة مراقبة أمنية كان من المفترض رفدها بما لا يقل عن 20 ألف كاميرا.
القوى المستفيدة
أما عن القوى المستفيدة من التدهور الأمني، فيرى أبو رغيف أن لدى تنظيم الدولة مجسات للوضع السياسي في العراق ويستغله أمنيا، وهذه العمليات تثير شهية بعض الساسة الطائفيين الذين يعزفون على وتر الطائفية والقومية، ولا سيما مع قرب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحسب تعبيره.
من جهته، يعتقد الخبير الأمني والعسكري مؤيد سالم الجحيشي أن عودة الهجمات مع تولي بايدن السلطة تحمل في مضمونها رسائل من طهران لواشنطن في أن سيطرتهم بالعراق قوية وأنهم يستطيعون فعل ما يشاؤون، فضلا عن رسالة أخرى تفيد باستمرارية إزعاج إيران للنفوذ الأميركي في العراق الذي سيستمر حتى عودة واشنطن للاتفاق النووي الموقع في عهد باراك أوباما، بحسب الجحيشي.
ورغم أن الربط بين إيران والهجمات قد يكون مستغربا للبعض بحسب الجحيشي، فإنه يرى في حديثه للجزيرة نت أن لإيران دورا في تراجع الوضع الأمني سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مستشهدا بما كشفه وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو مؤخرا من أن لطهران ارتباطا كبيرا بتنظيم القاعدة وحتى تنظيم الدولة.
أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري فيرى أن هناك 3 قوى تستفيد من الهجمات وهي بعض الكتل السياسية التي ستوظفها في برامج انتخابية، فضلا عن استفادة بعض الكتل منها في تصفية حسابات فيما بينها ومع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إضافة إلى الفصائل الشيعية المسلحة التي ستنظر للحادثة على أنها القادرة على ضبط الأمن الداخلي.
وهو ما يتفق مع طرح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيان علي أغوان في أن هناك استثمارا للهجمات، يتمثل في استهداف الكاظمي بعد الهجمات واتهام حكومته بالتقصير، ليرد بإقالة العديد من أرفع القادة الأمنيين المحسوبين على كتل سياسية مناوئة له.
أبعاد الهجمات
ويتابع أغوان في حديثه للجزيرة نت أنه ورغم تبني التنظيم للهجمات في بغداد وصلاح الدين، فإن كتلا سياسية وظّفتها سياسيا، خاصة تلك التي تعتمد في كل انتخابات على التحشيد الطائفي الجماهيري، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن غالبية هذه القوى تمتلك أجنحة مسلحة وتحاول تسويق بعض إنجازاتها من جديد للعودة سياسيا للواجهة من خلال إلهاب حماسة الجماهير.
ويخلص أغوان إلى أن التنظيم عاجز عن شن هجمات كبيرة، إلا أنه وكلما اشتدت الأزمة السياسية فإن بعض الأجنحة تفتح بعض الثغرات الأمنية لضرب بعض القوى في مناطق معينة من أجل صعود قوى سياسية معينة في مناطق أخرى.
ويشير الباحث السياسي غانم العابد إلى أن العراق عادة ما يشهد تفجيرات وانتكاسات أمنية قبيل الانتخابات، ويرى أن هناك خلافات كبيرة بين الكتل السياسية في ما يتعلق برغبة إجرائها من عدمه وإن صرّح الجميع علنا برغبتهم بذلك.
ويؤكد الغانم في حديثه للجزيرة نت أن بعض الكتل السياسية بدأت استثمار التفجيرات بما سينعكس على موعد الانتخابات وعلى المكاسب التي تسعى إليها كل كتلة، خاصة بعد إدراكها أن حظوظها بعد مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 لم تعد كما كانت من قبل.
ويشاطر عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن تحالف الفتح مهدي آمرلي هذا الرأي، ويقول إن هناك مؤامرة لمنع عقد الانتخابات البرلمانية المبكرة، مبينا أن هناك من يحاول تأجيج الوضع الأمني والعودة للمربع الأول بهدف عرقلة الانتخابات المبكرة بموعدها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مضيفا أن كتلته تسير نحو الانتخابات ولا عودة عن هذا القرار.
أما عن تداعيات الهجمات، فيضيف الشمري للجزيرة نت أن التداعيات ستشمل العراق والدول الإقليمية، إذ سيكون التأثير مباشرا على حكومة الكاظمي وعودة التحدي الأمني مرة أخرى، فضلا عن أن دول الجوار العراقي ستستشعر خطر عودة نشاط التنظيم غير المتوقع، مشيرا إلى أنه لا يمكن القفز على حقيقة اختراق بعض الدول -التي لم يسمها- لتنظيم الدولة وتوجيهه لأهداف معينة.
هجمات واشتباكات تبناها تنظيم الدولة، إلا أن توظيفها السياسي والأمني بدأ فور وقوعها، وسط تخوف العراقيين مما هو قادم، خاصة أنهم اعتادوا ومنذ سنوات على دفع ضريبة الصراعات الداخلية والخارجية من دمائهم.