محامو فلسطين يصعّدون ضد المس بالقضاء و"سلطة الرجل الواحد"
على وقع هتاف مئات المحامين الفلسطينيين لرئيس مجلس القضاء الأعلى "ارحل"، كان نقيبهم جواد عبيدات يعدد مخالفات المجلس الذي أعاد تشكيله بقرار، يحمل قوة القانون، أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا، واعتبر ذلك تدخلا سافرا في استقلالية القضاء.
وتوافد المحامون اليوم الثلاثاء من مناطق الضفة الغربية والقدس بلباسهم الرسمي للتجمع أمام مقر مجلس القضاء الأعلى في مدينة رام الله، للاحتجاج على تدخل السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس الفلسطيني في تنصيب مجلس القضاء الأعلى وإصدار قرارات بتعديل قانون السلطة القضائية، وطالبوا برحيل المجلس الجديد.
وبدأت نقابة المحامين الفلسطينيين حراكا حاشدا منذ أكثر من أسبوع، قررت فيه تعليق العمل أمام المحاكم بعد إصدار الرئيس عباس قرارات يوم 11 يناير/كانون الثاني 2021 تخص تشكيل المحاكم النظامية، وتعديل قانون السلطة القضائية المقر منذ عام 2002، وكذلك تشكيل المحاكم الإدارية.
لكن نقيب المحامين جواد عبيدات يعيد الأزمة إلى بداية تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي بقرار من الرئيس الفلسطيني في يوليو/تموز 2019، فيقول للجزيرة نت إن "النقابة طالبت حينها باستقلال مالي وإداري للمجلس وعدم تدخل الرئاسة في عمل السلطة القضائية ووضع خطة لإصلاح منظومة القضاء". لكن "بعد شهر من تشكيله كان توغل السلطة التنفيذية في القضاء واضحا".
وحسب عبيدات، فقد شهد العامان الأخيران عملا "في غرف مظلمة لتعديل قانون السلطة القضائية وإصدار قرارات تمس مهنة القضاء والمحاماة، أدت إلى تجريد القضاة من سلطتهم وحولتهم إلى موظفين".
ويقول نقيب المحامين إن هذه التعديلات تخالف القانون الأساسي الفلسطيني، كما أن تدخل السلطة التنفيذية داس على قانون السلطة القضائية الذي كان من أفضل القوانين في المنطقة والعالم، وله القدرة على إصلاح القضاء وتحقيق العدالة وحماية والحريات للمواطن الفلسطيني.
وعلى خلفية الأزمة، أشار عبيدات إلى قرارات الاتحاد الأوروبي بوقف مساعداته الموجهة لقطاع العدالة الفلسطيني، بسبب ما وصفه "بالتجاوزات في السلطة القضائية والسطو على قانونها".
انهيار متدرج منذ الانقسام
أحمد الأشقر واحد من 18 قاضيا أحيلوا للتقاعد القسري "بدون إبداء أسباب" على خلفية القرارات والتعديلات الأخيرة، ويعتبر من أبرز نشطاء حراك المحامين، يوضح التدرج الزمني للأزمة التي أدت إلى تدهور قطاع العدالة عامة كما يقول.
فبعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 والقطيعة بين السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في غزة، أصدر رئيس المجلس الأعلى حينه عيسى أبو شرار قرارا يطالب القضاة في غزة بعدم الدوام في محاكمهم، وأدى هذا إلى سلطتين قضائيتين مختلفتين في الضفة وغزة بعد تشكيل مجلس أعلى آخر هناك.
بعد ذلك، يقول الأشقر للجزيرة نت، ساهم رئيس المجلس الأعلى في تكريس صلاحيات رئيس السلطة محمود عباس بإصدار قرارات بقوانين لا تراعي شرط الضرورة القصوى كما ينص القانون الأساسي، وكان من نتائج ذلك إصدار أكثر من 300 قرار تحمل قوة القانون في ظل غياب المجلس التشريعي بسبب الانقسام منذ عام 2007.
عام 2019 أصدر الرئيس الفلسطيني قرارا بقانون بتعديل قانون السلطة القضائية، وآخر بتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي برئاسة عيسى أبو شرار مرة أخرى، واستمر عمله لمدة عام ونصف.
وحسب الأشقر، قدم أبو شرار مقترحا بتعديل جديد لقانون السلطة القضائية قبيل نهاية ولايته مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، وتلا ذلك إصدار الرئيس 3 قرارات خاصة بتشكيل المحاكم الإدارية والمحاكم النظامية وتشكيل مجلس القضاء الأعلى برئاسة أبو شرار نفسه مع تعديل يسمح بتجاوز العمر المحدد للقضاة بـ70 عاما، وإتاحة لمن هم أكبر سنا بتولي رئاسة المجلس، حيث يبلغ أبو شرار 83 عاما ولديه صلاحية رئاسة المجلس 5 سنوات قادمة.
وتزامن ذلك مع صدور مراسيم رئاسية حددت موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية في مايو/أيار وأغسطس/آب القادمين، ومنحت الصلاحيات للمجلس القضائي الجديد بتشكيل محكمة الانتخابات التي يحق لها عزل أية قائمة انتخابية والتدخل في العملية الانتخابية مباشرة، وهو ما دفع إلى الاحتجاجات الواسعة حاليا.
تغوّل على القضاء
يقول عضو مجلس نقابة المحامين داوود درعاوي إن القرارات بقانون قوضت استقلال السلطة القضائية وفتحت الباب مشرعا للهيمنة المطلقة على السلطة القضائية، وارتبطت بحالة من التغول على حق المواطن الفلسطيني بقضاء عادل ومستقر قادر على حماية حقوقه وحرياته العامة.
ويضيف درعاوي متحدثا للجزيرة نت إن ما فجر الأزمة هو "الاقتراب من قانون السلطة القضائية بشكل فج، رغم كونه أحد القوانين السيادية المرتبطة بالقانون الأساسي، إلى جانب السيطرة على مجلس القضاء وتفصيله بمقاسات أشخاص بعينهم".
أما القانوني عصام عابدين من مؤسسة الحق، فيرى أن على حراك المحامين الضغط لإلغاء القرارات بقانون المعدلة لقانون السلطة القضائية، وإنصاف القضاة المعزولين، وتشكيل مجلس قضاء أعلى مستقل وفقا للقانون الأساسي، وتهيئة بيئة انتخابية لإصلاح جدي وحقيقي في النظام السياسي الفلسطيني.
ويقول عابدين إن المجلس القضائي "انتهك حقوق وحريات الناس وحقوق القضاة ويجب أن يرحل فورا". ويضيف "منذ عام 2000 لم يشكل أي مجلس قضائي فلسطيني حسب القانون وتم تعيين رؤساء المحاكم العليا بصورة متفقة مع إرادة السلطة التنفيذية، وأدى ذلك إلى استقواء هؤلاء وتدمير منظومة الحقوق والحريات" في إشارة إلى تدخل الأجهزة الأمنية بعمل القضاء. وطالب "بمحاسبة رئيس المجلس القضائي والمستشار القانوني للرئيس عباس بتهمة الفساد".
نظام شمولي
وتشير مديرة المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء أحلام الطرايرة إلى أهمية قانون السلطة القضائية الذي أُقر عام 2002 بعد 4 سنوات من النقاش في المجلس التشريعي. لكن "منذ الانقسام هُدمت منجزات هذا القانون وأصبحت السلطة القضائية في تبعية للسلطة التنفيذية وتم أخيرا تشريع ذلك بقوانين".
وبهذا، تقول طرايرة للجزيرة نت فإن "الفلسطينيين يتجهون إلى نظام شمولي كامل تتركز فيه السلطات كاملة بيد رجل واحد هو رئيس السلطة التنفيذية".