تساؤلات عن الشفافية والجدوى والأولويات.. مشروع قطار سريع "يكهرب" الأجواء بمصر

مجسم للقطار الكهربائي المثير للجدل (مواقع التواصل الاجتماعي)

أثارت الحكومة المصرية عاصفة من الجدل في الشارع المصري خلال اليومين الماضيين بعد إعلانها توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سيمنز" (Siemens) العالمية، لتنفيذ منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر يبلغ طولها حوالي ألف كلم على مستوى الجمهورية، وبتكلفة إجمالية قدرها 360 مليار جنيه (23 مليار دولار).

ويأتي التوقيع على الاتفاقية بين الجانبين بعد لقاء ممثلي الشركة الألمانية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث اتفق الجانبان على البدء الفوري بتنفيذ الخط الذي سيبدأ من مدينة العين السخنة على ساحل البحر الأحمر وحتى مدينة العلمين الجديدة، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة 6 أكتوبر ومحطة سكك حديد الإسكندرية الحالية ومدينة برج العرب.

مشروع القطار الكهربائي السريع (العين السخنة-العلمين) يبلغ طوله 460 كلم، ويشمل 15 محطة بسرعة تصميمية للقطار تبلغ 250 كلم/ساعة، بهدف ربط العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة بشبكة السكك الحديدية لنقل الركاب والبضائع من خلال وسيلة نقل سريعة وعصرية وآمنة، وفق بيان مجلس الوزراء.

لكن نشطاء ومغردين تحدثوا عن الشفافية في تكلفة المشروع، فضلا عن أولويته في ظل معاناة قطاعات اقتصادية واجتماعية من التدهور بسبب عجز التدفقات المالية.

إعلان

جدل وأسئلة وسخرية

لكن ربما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فالخبر الذي كان يفترض أن يحظى بإعجاب ورضا المصريين أدى إلى "كهربة" الأجواء وأثار دهشة واستغراب البعض من جهة، وسخرية وتهكم البعض الآخر من جهة ثانية، وانبهار وإعجاب جهة ثالثة.

المشروع الأكبر في تاريخ سكة حديد مصر لا يضاهي تكلفته أي مشروع آخر في قطاع واحد وهو قطاع النقل والمواصلات، لا مشروع قناة السويس الجديدة، ولا محطات "سيمنز" الكهربائية، ولا أنفاق شبه جزيرة سيناء، ولا اكتشافات حقول الغاز والبترول بالبحر المتوسط.

وأعاد هذا المشروع الجدل الذي صاحب مشروع قناة السويس الجديدة الذي روج له السيسي بعد توليه السلطة مباشرة قبل 6 سنوات وتم تنفيذه في عام واحد بتكلفة 8 مليارات دولار، وسط وعود بمضاعفة إيرادات قناة السويس إلى 13.2 مليار دولار على الأقل في عام 2023، وصولا إلى 100 مليار دولار، وفق تصريحات رئيس هيئة قناة السويس وقتها الفريق مهاب مميش، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات شد وجذب واتهامات ودفاعات وقول ورد منذ الإعلان عن تكلفة المشروع، بين مؤيدين ومعارضين وآخرين تناولوا الخبر بالتحليل والتفنيد والنقاش.

دفاع وتبرير

بدوره، كشف كامل الوزير -وهو المسؤول عن المشروع ووزير النقل (عسكري سابق)- عن مفاجآت جديدة شملت تكلفة جديدة ومسارات جديدة لم تذكر في خبر توقيع الاتفاق.

وقال في مداخلة متلفزة للرد على الجدل المثار بشأن التكلفة إن إجمالي طول شبكة القطار الكهربائي السريع يصل إلى 1750 كيلومترا، موضحا أن الألف كلم التي أعلن عنها خلال الأيام الماضية هي جزء من المشروع، وبالتالي هناك تكلفة إضافية.

إعلان

وأوضح الوزير أن إجمالي تكلفة المشروع قد يتجاوز 32 مليار دولار، أي أن التكلفة قابلة للزيادة، وهو رقم كبير وضخم.

ولم يوضح من أين ستمول الحكومة المصرية هذا المشروع العملاق، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة من عجز كبير وديون غير مسبوقة.

واكتفى الوزير بالقول إنه سيتم سداد التكاليف للشركة الألمانية بعد 6 سنوات من بدء المشروع وعلى مدار 20 عاما.

لكن ما هي حصة الشركة الألمانية من المشروع؟ يقول الوزير إن المرحلة الأولى من القطار الكهربائي السريع يصل طولها إلى 460 كلم، وتربط بين العين السخنة والعلمين، وبتكلفة تقدر بنحو 8.2 مليارات دولار، وستحصل "سيمنز" على 3 مليارات دولار، والباقي للشركتين المصريتين المنفذتين لأعمال الإنشاءات وهما شركتا أوراسكوم والمقاولون العرب.

الشفافية والأولويات

تواجه المشروع انتقادات واسعة وسيل من الأسئلة دون إجابات كان أكثرها إلحاحا: ماذا عن التحالف المصري الصيني "سامكريت-الهيئة العربية للتصنيع-الشركة الصينية لإنشاءات الخطوط الحديدية "سي سي إي سي سي" (CCECC)"، والمؤسسة الصينية للهندسة والإنشاءات المدنية "سي آر سي سي" (CRCC) الذي فاز بالمناقصة نفسها في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، لتنفيذ مشروع القطار السريع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 9 مليارات دولار.

وفاز التحالف -وفق صحف محلية نقلا عن مصادر رفيعة المستوى- بعد تصفية 9 تحالفات عالمية إلى تحالفين: الأول هو التحالف الفائز، والثاني هو تحالف إيفك "سي آر إي سي" (CREC) من الصين-سيمنز الألمانية-سكك حديد فرنسا-أوراسكوم من مصر-المقاولون العرب).

لكن المثير في الأمر أن المناقصة الأولى كانت بتكلفة إجمالية 9 مليارات دولار فقط، وبطول 543 كلم وليس ألف كلم، وتضمنت أيضا محطات (العين السخنة-6 أكتوبر- العلمين-برج العرب-الإسكندرية).

وفي هذا السياق، انتقد البرلماني المصري المهندس محمد فرج عضو لجنة النقل والمواصلات سابقا ما سماها حالة "التناقض وغياب الشفافية" التي رافقت المشروع منذ بدء الإعلان عنه، قائلا "هناك عدم شفافية وتناقض منذ التفكير في إنشاء هذا المشروع عام 2017، وتم طرحه في 2018، وقيل إن تكلفته تبلغ نحو 70 مليار جنيه (4 مليارات دولار حينها) على لسان وزير النقل حينها هشام عرفات".

إعلان

وتابع فرج في تصريح للجزيرة نت أنه في 2019 تفاجأ الجميع بأن تحالفا مصريا صينيا فاز بمناقصة المشروع بتكلفة أخرى، وقبل أيام يتم التعاقد مع التحالف الخاسر بقيمة 360 مليار جنيه، وسط تناقضات عن طبيعة المشروع، فهل طوله ألف كلم أم 1700 كلم.

وأشار إلى أن المشروع يفتقر إلى سياسة الأولويات والوضوح والشفافية، وأنه لا توجد أولوية في اختيار مسارات القطارات، وكان يجب أن تكون في المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة، كما أن تصريحات الوزير وبيان الحكومة لم يوضحا من أين سوف يمول المشروع وجدواه الاقتصادية ومردوده المالي.

وأعاد مغردون التذكير بتصريحات سابقة للسيسي يتحدث فيها عن رفض تمويل مشروعات تطوير القطارات والسكك الحديدية، نظرا لضخامة التكلفة وضعف المردود الاقتصادي، وقارنوا بين تلك التصريحات المتعلقة بوسائل نقل عموم المصريين وبين التكلفة الباهظة للقطار الكهربائي الجديد الذي يهم الأغنياء والنظام الحاكم فقط، بحسب تعبير بعضهم.

وفي تعليق نادر من رجل الأعمال المصري الملياردير نجيب ساويرس غرد متسائلا عن السبب في عدم وصول القطار السريع إلى القاهرة أو الغردقة.

ولم ينتظر وزير النقل المصري طويلا للرد، واختار الظهور مع الإعلامي عمرو أديب للرد على الجدل الذي أثاره المشروع من ناحية، ومحاولة تحجيم أصداء تغريدة ساويرس، وإحراجه من ناحية أخرى، حيث قال إن شركة أوراسكوم التابعة لعائلة ساويرس مشاركة في المشروع، وإن ساويرس يريد أن يصل القطار إلى الغردقة، حيث يوجد منتج الجونة التابع للعائلة، مضيفا "سيصل القطار إلى هناك، لكنك ستدفع ثمن المحطة".

إعلان

وانتقد مغردون عدم خدمة المشروع عموم المصريين، حيث يمر بين مدن صحراوية لا توجد فيها كثافة سكانية، ولا تخدم إلا فئات قليلة، وتجارة رجال الأعمال، وبعيدة عن أماكن وجود ملايين المصريين في القاهرة والدلتا، وكان الأولى إنفاق الأموال في مشروعات أخرى.

كما تساءل البعض عن سياسة أولويات الإنفاق لدى الحكومة المصرية، ولماذا تعاني قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم من نقص الإمكانيات والموارد وإتاحتها لمشروعات بعينها.

وعن تأجيل سداد مصر أولى دفعات المشروع -الذي تبين أنه قرض لا استثمارات- والترويج له أنه "شطارة"، وصفه الخبير الاقتصادي المصري المقيم في أميركا محمود وهبة بأنه "عذر أقبح من ذنب"، وهاجم سياسة "نظرية من يقترض لا يدفع" التي تتبناها حكومة السيسي، وتحميل الأجيال فاتورة تلك الديون.

في المقابل، قابل مؤيدون للسلطات المصرية أخبار المشروع بالفرح والترويج لما وصفوها بإنجازات النظام المتوالية، مؤكدين أن القطار سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة في مجال النقل والمواصلات.

إعلان
المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان