تساؤلات عن الشفافية والجدوى والأولويات.. مشروع قطار سريع "يكهرب" الأجواء بمصر
أثارت الحكومة المصرية عاصفة من الجدل في الشارع المصري خلال اليومين الماضيين بعد إعلانها توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سيمنز" (Siemens) العالمية، لتنفيذ منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر يبلغ طولها حوالي ألف كلم على مستوى الجمهورية، وبتكلفة إجمالية قدرها 360 مليار جنيه (23 مليار دولار).
ويأتي التوقيع على الاتفاقية بين الجانبين بعد لقاء ممثلي الشركة الألمانية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث اتفق الجانبان على البدء الفوري بتنفيذ الخط الذي سيبدأ من مدينة العين السخنة على ساحل البحر الأحمر وحتى مدينة العلمين الجديدة، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة 6 أكتوبر ومحطة سكك حديد الإسكندرية الحالية ومدينة برج العرب.
مشروع القطار الكهربائي السريع (العين السخنة-العلمين) يبلغ طوله 460 كلم، ويشمل 15 محطة بسرعة تصميمية للقطار تبلغ 250 كلم/ساعة، بهدف ربط العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة بشبكة السكك الحديدية لنقل الركاب والبضائع من خلال وسيلة نقل سريعة وعصرية وآمنة، وفق بيان مجلس الوزراء.
لكن نشطاء ومغردين تحدثوا عن الشفافية في تكلفة المشروع، فضلا عن أولويته في ظل معاناة قطاعات اقتصادية واجتماعية من التدهور بسبب عجز التدفقات المالية.
فجوة كبيرة بين التكلفة الإجمالية التي أعلنها #السيسي وبين تكلفة المرحلة الأولى التي أعلنتها شركة #سيمنز تثير الشكوك حول التكلفة الحقيقية لمشروع #القطار_الكهربائي السريع pic.twitter.com/9sG92LZ126
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) January 15, 2021
جدل وأسئلة وسخرية
لكن ربما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فالخبر الذي كان يفترض أن يحظى بإعجاب ورضا المصريين أدى إلى "كهربة" الأجواء وأثار دهشة واستغراب البعض من جهة، وسخرية وتهكم البعض الآخر من جهة ثانية، وانبهار وإعجاب جهة ثالثة.
المشروع الأكبر في تاريخ سكة حديد مصر لا يضاهي تكلفته أي مشروع آخر في قطاع واحد وهو قطاع النقل والمواصلات، لا مشروع قناة السويس الجديدة، ولا محطات "سيمنز" الكهربائية، ولا أنفاق شبه جزيرة سيناء، ولا اكتشافات حقول الغاز والبترول بالبحر المتوسط.
وأعاد هذا المشروع الجدل الذي صاحب مشروع قناة السويس الجديدة الذي روج له السيسي بعد توليه السلطة مباشرة قبل 6 سنوات وتم تنفيذه في عام واحد بتكلفة 8 مليارات دولار، وسط وعود بمضاعفة إيرادات قناة السويس إلى 13.2 مليار دولار على الأقل في عام 2023، وصولا إلى 100 مليار دولار، وفق تصريحات رئيس هيئة قناة السويس وقتها الفريق مهاب مميش، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات شد وجذب واتهامات ودفاعات وقول ورد منذ الإعلان عن تكلفة المشروع، بين مؤيدين ومعارضين وآخرين تناولوا الخبر بالتحليل والتفنيد والنقاش.
جدل متصاعد حول مشروع #القطار_الكهربائي السريع في #مصر وجدواه في ظل ارتفاع تكلفته pic.twitter.com/y3fWz0tAoQ
— شبكة رصد (@RassdNewsN) January 17, 2021
دفاع وتبرير
بدوره، كشف كامل الوزير -وهو المسؤول عن المشروع ووزير النقل (عسكري سابق)- عن مفاجآت جديدة شملت تكلفة جديدة ومسارات جديدة لم تذكر في خبر توقيع الاتفاق.
وقال في مداخلة متلفزة للرد على الجدل المثار بشأن التكلفة إن إجمالي طول شبكة القطار الكهربائي السريع يصل إلى 1750 كيلومترا، موضحا أن الألف كلم التي أعلن عنها خلال الأيام الماضية هي جزء من المشروع، وبالتالي هناك تكلفة إضافية.
وأوضح الوزير أن إجمالي تكلفة المشروع قد يتجاوز 32 مليار دولار، أي أن التكلفة قابلة للزيادة، وهو رقم كبير وضخم.
ولم يوضح من أين ستمول الحكومة المصرية هذا المشروع العملاق، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة من عجز كبير وديون غير مسبوقة.
واكتفى الوزير بالقول إنه سيتم سداد التكاليف للشركة الألمانية بعد 6 سنوات من بدء المشروع وعلى مدار 20 عاما.
لكن ما هي حصة الشركة الألمانية من المشروع؟ يقول الوزير إن المرحلة الأولى من القطار الكهربائي السريع يصل طولها إلى 460 كلم، وتربط بين العين السخنة والعلمين، وبتكلفة تقدر بنحو 8.2 مليارات دولار، وستحصل "سيمنز" على 3 مليارات دولار، والباقي للشركتين المصريتين المنفذتين لأعمال الإنشاءات وهما شركتا أوراسكوم والمقاولون العرب.
الشفافية والأولويات
تواجه المشروع انتقادات واسعة وسيل من الأسئلة دون إجابات كان أكثرها إلحاحا: ماذا عن التحالف المصري الصيني "سامكريت-الهيئة العربية للتصنيع-الشركة الصينية لإنشاءات الخطوط الحديدية "سي سي إي سي سي" (CCECC)"، والمؤسسة الصينية للهندسة والإنشاءات المدنية "سي آر سي سي" (CRCC) الذي فاز بالمناقصة نفسها في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، لتنفيذ مشروع القطار السريع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 9 مليارات دولار.
وفاز التحالف -وفق صحف محلية نقلا عن مصادر رفيعة المستوى- بعد تصفية 9 تحالفات عالمية إلى تحالفين: الأول هو التحالف الفائز، والثاني هو تحالف إيفك "سي آر إي سي" (CREC) من الصين-سيمنز الألمانية-سكك حديد فرنسا-أوراسكوم من مصر-المقاولون العرب).
لكن المثير في الأمر أن المناقصة الأولى كانت بتكلفة إجمالية 9 مليارات دولار فقط، وبطول 543 كلم وليس ألف كلم، وتضمنت أيضا محطات (العين السخنة-6 أكتوبر- العلمين-برج العرب-الإسكندرية).
وفي هذا السياق، انتقد البرلماني المصري المهندس محمد فرج عضو لجنة النقل والمواصلات سابقا ما سماها حالة "التناقض وغياب الشفافية" التي رافقت المشروع منذ بدء الإعلان عنه، قائلا "هناك عدم شفافية وتناقض منذ التفكير في إنشاء هذا المشروع عام 2017، وتم طرحه في 2018، وقيل إن تكلفته تبلغ نحو 70 مليار جنيه (4 مليارات دولار حينها) على لسان وزير النقل حينها هشام عرفات".
وتابع فرج في تصريح للجزيرة نت أنه في 2019 تفاجأ الجميع بأن تحالفا مصريا صينيا فاز بمناقصة المشروع بتكلفة أخرى، وقبل أيام يتم التعاقد مع التحالف الخاسر بقيمة 360 مليار جنيه، وسط تناقضات عن طبيعة المشروع، فهل طوله ألف كلم أم 1700 كلم.
وأشار إلى أن المشروع يفتقر إلى سياسة الأولويات والوضوح والشفافية، وأنه لا توجد أولوية في اختيار مسارات القطارات، وكان يجب أن تكون في المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة، كما أن تصريحات الوزير وبيان الحكومة لم يوضحا من أين سوف يمول المشروع وجدواه الاقتصادية ومردوده المالي.
وأعاد مغردون التذكير بتصريحات سابقة للسيسي يتحدث فيها عن رفض تمويل مشروعات تطوير القطارات والسكك الحديدية، نظرا لضخامة التكلفة وضعف المردود الاقتصادي، وقارنوا بين تلك التصريحات المتعلقة بوسائل نقل عموم المصريين وبين التكلفة الباهظة للقطار الكهربائي الجديد الذي يهم الأغنياء والنظام الحاكم فقط، بحسب تعبير بعضهم.
دولة #السيسي للأغنياء فقط..
الحكومة تنشئ قطارًا سريعًا بتكلفة 360 مليار جنيه.. ما المشكلة؟ pic.twitter.com/eLJeNTmWEn— شبكة رصد (@RassdNewsN) January 16, 2021
وفي تعليق نادر من رجل الأعمال المصري الملياردير نجيب ساويرس غرد متسائلا عن السبب في عدم وصول القطار السريع إلى القاهرة أو الغردقة.
ولم ينتظر وزير النقل المصري طويلا للرد، واختار الظهور مع الإعلامي عمرو أديب للرد على الجدل الذي أثاره المشروع من ناحية، ومحاولة تحجيم أصداء تغريدة ساويرس، وإحراجه من ناحية أخرى، حيث قال إن شركة أوراسكوم التابعة لعائلة ساويرس مشاركة في المشروع، وإن ساويرس يريد أن يصل القطار إلى الغردقة، حيث يوجد منتج الجونة التابع للعائلة، مضيفا "سيصل القطار إلى هناك، لكنك ستدفع ثمن المحطة".
حد فاهم القطار السريع ده ليه من عين السخنة للعلمين … مش من القاهرة مثلا او الغردقة ؟
— Naguib Sawiris (@NaguibSawiris) January 16, 2021
وانتقد مغردون عدم خدمة المشروع عموم المصريين، حيث يمر بين مدن صحراوية لا توجد فيها كثافة سكانية، ولا تخدم إلا فئات قليلة، وتجارة رجال الأعمال، وبعيدة عن أماكن وجود ملايين المصريين في القاهرة والدلتا، وكان الأولى إنفاق الأموال في مشروعات أخرى.
كما تساءل البعض عن سياسة أولويات الإنفاق لدى الحكومة المصرية، ولماذا تعاني قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم من نقص الإمكانيات والموارد وإتاحتها لمشروعات بعينها.
وعن تأجيل سداد مصر أولى دفعات المشروع -الذي تبين أنه قرض لا استثمارات- والترويج له أنه "شطارة"، وصفه الخبير الاقتصادي المصري المقيم في أميركا محمود وهبة بأنه "عذر أقبح من ذنب"، وهاجم سياسة "نظرية من يقترض لا يدفع" التي تتبناها حكومة السيسي، وتحميل الأجيال فاتورة تلك الديون.
في المقابل، قابل مؤيدون للسلطات المصرية أخبار المشروع بالفرح والترويج لما وصفوها بإنجازات النظام المتوالية، مؤكدين أن القطار سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة في مجال النقل والمواصلات.
#السيسي يعتمد قرضا بـ 360 مليار جنيه لإنشاء قطار كهربائي.. كيف سيستفيد المواطن من هذا التطوير؟#مصر #القاهرة pic.twitter.com/llj86tKllU
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 14, 2021
شركة "سيمنز" الألمانية، تنشيء خط قطار كهربائي سريع يربط منتجعات البحر الأحمر بمنتجعات الساحل الشمالي، مرورا بالعاصمة الإدارية، بتكلفة 20 مليار دولار (360 مليار جنيه)، الخط يخدم حوالي 2% من الشعب ، وكان السيسي رفض إنفاق 10 مليار جنيه فقط لتطوير السكة الحديد التي تخدم 50 مليون مصري
— جمال سلطان (@GamalSultan1) January 14, 2021
#قطارسيمنز_المتكهرب اتضح إنه سبوبة فساد مليارية عظيمة.
زيه زي العاصمة الجديدة زي العلمين الجديدة زي قناة السويس الجديدة.
تحيا #مصر تلات مرات 😑 pic.twitter.com/rzOujFxwQE— سي سلامة عبد الحميد (@salamah) January 16, 2021
ما الأهم والأولى لو كانت دفع التكلفة كلها بالديون والفوائد ؟
سرير وإسطوانة أكسجين في مستشفي؟
أم قطار كهربائي يربط المنتجعات السياحية ببعض؟#القطار_المكهرب_لكل_المصريين pic.twitter.com/PDvrJz2a7J— Haytham Abokhalil هيثم أبوخليل (@haythamabokhal1) January 16, 2021
شركة سيمنز الألمانية تقدم عرض تنفيذ قطار كهربائي سريع بطول ألف كم نصفهم (٤٦٠ كم) من السخنة إلى العلمين ومن العاصمة الجديدة الى الساحل الشمالي مقابل سعر خاص هو ٣٦٠ مليار جنيه
هذا المبلغ الكبير سيكون دين على الأجيال القادمة، ولن يجدي بأي نفع إقتصادي، إنه قطار الرفاهية لأهل الرفاهية— Dr.amira aboelfetouh (@amiraaboelfetou) January 15, 2021
مشروع قومي عملاق 🇪🇬
المشروع : قطار كهربائي فائق السرعه
الجهه المنفذة : سيمنس الالمانيه
التكلفه : 23 مليار دولار
مدة التنفيذ : عامان
المسافه : 1000 كيلو متر
السرعه : 250 كيلو متر في الساعه
المرحله الاولي : 15 محطه 460 كيلو متر
النقل : ركاب و بضائع
لا تقاطعات لا مزلقانات pic.twitter.com/rgdCg5iWXC— اميرة مصرية 👑 💎 مودي (@modymody2323) January 15, 2021
أن شاء الله.
في خلال سنتين فقط هيبقي في مصر خط قطار كهربائى بسرعة 250 كيلومتر فى الساعة هيربط عرضيا البحر الاحمر بالبحر المتوسط مرورا بمدن ذكية جديدة زى العاصمة الادارية و العلمين الجديدة .. بالاضافة الى مدينة 6 اكتوبر بالجيزة و الاسكندرية .مخطط امتداد القطار مستقبلا الى أسوان— Mohamed elbestawy (@M__bestawy) January 14, 2021
الله على إنجازات يا ريص فعلاً المواطن الأصمر ابو قلب أبيض كان ناقصة قطار كهربائي سريع من السخنة للعالمين
— خالتو نجوى (@nagween) January 13, 2021