تهيئة المسرح على الحدود.. هل تتجه إثيوبيا والسودان لمواجهة عسكرية؟

يتهيأ مسرح الحرب بين السودان وإثيوبيا من واقع الاستعدادات والاستحكامات العسكرية على جانبي الحدود، والحراك الدبلوماسي في الإقليم، ليقدم كل طرف دفوعاته ومبرراته على المستوى السياسي.
وعلى الأرض أعدّ الجيشان المسرح الميداني للحرب من واقع التحشيد على جانبي الحدود، وإنجاز الجيش السوداني حفر الخنادق في سهول وتلال الفشقة التي استرد معظم أراضيها، بعد أن أعاد انتشار قواته بالمنطقة منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وطبقا لمصادر عسكرية تحدثت للجزيرة نت فإن إحكام الجيش السوداني سيطرته على جبل أبو طيور الإستراتيجي مثل نقطة فاصلة في استعادة الخرطوم نحو مليوني فدان من الأراضي شديدة الخصوبة في الفشقة الصغرى والكبرى.
وتشير المصادر إلى أن الجبل الذي يبعد نحو 15 كلم شرق نهر العطبراوي، ويقع في تقاطع يربط الفشقتين، يعد منطقة مناورات حاكمة وإستراتيجية لإنهاء الوجود الإثيوبي بالمنطقة.

ميدان الحرب
وتشير ذات المصادر إلى أن ثمة مسرحا ميدانيا يبلغ مداه 12 كيلومترا داخل حدود السودان في الفشقة، حيث يتمركز الجيش في جبل أبو طيور، ويبعد أقل من 15 كيلومترا عن خط الحدود مع إثيوبيا.
وتوضح أن القوات السودانية "طهّرت" جبل أبو طيور من قوات ومستوطنات إثيوبية، وشيدت استحكاماتها عند سفحه وأعلى قمته، دون أن تنشر ارتكازاتها شرقا في "خور شين" على بعد كيلومترين و"قلع اللبان" على مسافة 10 كيلومترات.
وتضيف هذه المصادر أن هذه المساحة بين جبل أبو طيور وخط الحدود تعد في الواقع مسرحا عملياتيا، ففي حال تعرضت القوات السودانية لقصف إثيوبي، فإن الخرطوم تحرص على ألا يتجاوز مدى ردها بالنيران الحدود الإثيوبية.
وإلى جانب ذلك -وطبقا للمصادر ذاتها- فقد بدأت شركات تابعة للجيش السوداني تشييد 3 جسور و3 طرق إستراتيجية ينتظر تشييدها في غضون 3 أشهر، قبل حلول فصل الأمطار، لتعزيز بقاء القوات في أراضي الفشقة.
وتعزل أنهار باسلام وستيت وعطبرة الموسمية الفشقتين عن أراضي السودان خلال فصل الأمطار، وتكون المنطقتان منفتحتين على إثيوبيا بلا موانع طبيعية حيث يوجد طريق معبد يربطهما بالداخل الإثيوبي.

جس نبض
ويرى اللواء أمين إسماعيل مجذوب الخبير الإستراتيجي والمحاضر بأكاديمية الأمن العليا اللواء أن الأوضاع تسير في مرحلة تصعيد وجس النبض.
ويقول مجذوب للجزيرة نت إن الطرف الإثيوبي يقوم بطلعات استطلاع جوية، وإن الطائرة العسكرية التي أعلنت الخارجية السودانية أنها اخترقت الحدود في تطور خطير مقدمة لاستطلاع يسمى "الاستطلاع في العمق" ويمهد لمعرفة قدرات السودان.
ويؤكد أن هذه "الطلعات الاستفزازية" هي ما دعا السودان لمنع تحليق الطيران في منطقة الفشقة باعتبارها منطقة عمليات، وأي طائرة إثيوبية تحلق فيها سيتم التعامل معها بواسطة الدفاع الجوي وسيتم قصفها أيا كانت وجهتها.
وبحسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت فإن وزارة الدفاع السودانية طلبت من سلطة الطيران المدني إصدار نشرة دولية بمنع تحليق الطيران فوق أراضي الفشقة.
وصدرت النشرة الجوية أمس الخميس بإحداثيات للطيارين في دائرة نصف قطرها 50 ميلا بحريا بارتفاع 29 ألف قدم فوق سطح البحر شرق ولاية القضارف السودانية، وتمثل منطقة المنع أراضي الفشقتين الصغرى والكبرى.
وطبقا للنشرة -التي ستسري وفقا للقوانين الدولية لـ 89 يوما حتى 11 أبريل/نيسان القادم- فإن الفشقة تعد منطقة مناورات عسكرية، وبالتالي تشكل خطرا على سلامة الطيران المدني.
صراع قديم
في المقابل، تتصاعد لهجة المسؤولين الحكوميين في البلدين، حيث انتقلت أديس أبابا من مربع تحميل ما يجري في الحدود لعصابات "الشفتا" الخارجة عن القانون، إلى مربع الحديث عن نزاع حدودي.
وخلال أشهر فقط، زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان جنوده على الحدود الشرقية 3 مرات.
ويقول سفير السودان السابق بأديس أبابا عثمان نافع إن إثيوبيا تريد فرض الأمر الواقع، ويجب التحسب لأسوأ السيناريوهات، لأن الأوضاع مرشحة لنشوب حرب ومواجهات عسكرية بتدخل جهات إقليمية في ظل الحشود بين الطرفين. ونوه في ندوة بمركز "آرتكل ميديا" بالخرطوم أمس إلى وجود صراع تاريخي قديم بين البلدين منذ عهود الممالك ومعاناة إثيوبيا مما سماه عقدة التفوق.
وشعبيا، يبدو أهالي الفشقة أكثر استعدادا لتقبل خيار الحرب لاسترداد أراضيهم التي ظلت في حوزة مزارعين إثيوبيين تحميهم قوى مسلحة منذ العام 1995.
ويقول مبارك النور النائب البرلماني السابق عن دائرة الفشقة للجزيرة نت إن الوضع ينذر بالحرب إذا أصرت إثيوبيا على سياسة وضع اليد على أراضي الفشقة. ويتابع "الحقوق حقوق والجيرة جيرة. إثيوبيا تغتصب أراضينا ونحن نساند الجيش الذي أعاد الكثير من هذه الأراضي وننتظره ليرد كامل منطقة الفشقة".
حملة دبلوماسية
ويشير الخبير الإستراتيجي إلى وجود 3 ملايين عامل إثيوبي بالسودان الذي يمد إثيوبيا بالذرة والوقود والسيخ والأسمنت، كما أن إثيوبيا دولة حبيسة تعتمد على ميناء بورتسودان في ظل وجود خط سكة حديد غير آمن يربطها بجيبوتي.
ويقول أيضا إنه على الرغم من تصاعد اللهجة بين البلدين، لكنهما يقران بأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لحل الأزمة.
وينوه إلى مبادرة السودان بحملة دبلوماسية لشرح موقفها في دول المنطقة بدأها بإريتريا التي زارها محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، والقاهرة التي زارها الخميس عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي ووزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح ومدير المخابرات العامة جمال عبد المجيد.
وطبقا لتصريحات صحفية لوزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين فإن هناك جولات أخرى تشمل السعودية وقطر والكويت، من أجل حشد الدعم الدبلوماسي والقانوني.