اتهامات بالخصخصة وتعليمات من السيسي بالتوسع في الجامعات الأهلية.. فما قصتها؟

بدأ الاستعدادات للعام الدراسى الأول لجامعة العلمين الدولية للعلوم والتكنولوجيا - مصر - صفحة مجلس الوزراء - 17 يوليو 2020
ما زال العمل جاريا لاستكمال إنشاءات جامعة العلمين الدولية للعلوم والتكنولوجيا (مواقع التواصل الاجتماعي)

حالة من الجدل أثارتها خطوات الحكومة المصرية الحثيثة تجاه إنشاء جامعات أهلية بعد حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الإسراع في بناء المزيد منها في مختلف المحافظات، وإتاحة المخصصات المالية اللازمة لذلك، رغم ما تعانيه خزينة الدولة من نقص السيولة وفرض إجراءات تقشفية.

تقول الحكومة المصرية إن الجامعات الأهلية هي جامعات تتبع الجامعات الحكومية وبالتالي تتبع المجلس الأعلى للجامعات، وتدار من خلال مجلس أمناء، وغير هادفة للربح، لكنها غير مجانية وبمصاريف سنوية يراها البعض مبالغا فيها، إضافة إلى مصاريف إقامة باهظة كون الجامعات الجديدة في مناطق غير مأهولة تقع بعيدا عن مناطق تركز المصريين في وادي النيل ودلتاه.

هذا التسارع في إنشاء الجامعات الأهلية، طرح أسئلة ملحة بشأن جاهزية هذه الجامعات لانطلاق الدراسة بها، وهل تمثل إضافة للتعليم الجامعي في مصر؟ ولماذا توسعت السلطة الحالية في هذا المجال مؤخرا؟ وهل تراه نوعا من التجارة أم من أجل تطوير التعليم الجامعي؟ وبالتالي هل هناك احتمال لأن تكون بابا للخصخصة وإلغاء مجانية التعليم الجامعي؟

يقول مصدر في وزارة التعليم العالي للجزيرة نت إن عدد الجامعات الجاهزة لاستقبال طلاب جدد هذا العام 2020-2021 هي ثلاث جامعات وليست أربعا كما قيل من قبل، وهي جامعة الملك سلمان الدولية وجامعة العلمين الدولية وجامعة الجلالة بالسويس، وسيتم التدريس فيها من خلال مناهج خاصة وشراكات مع جامعات أجنبية.

إعلان

وأوضح المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الدراسة تشمل الكثير من الأقسام النظرية والعلمية بما فيها تخصصات الهندسة والطب والصيدلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي، مشيرا إلى أن هذه الجامعات غير ربحية كما يزعم البعض.

وفق وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، يوجد 30 ألف طالب مصري فعّلوا حسابات للالتحاق بالجامعات الأهلية، ولا بد لهم من اجتياز امتحانات للقبول، حيث سيكون العدد المقبول أقل من ذلك بكثير بسبب السعة المحدودة.

10 جامعات و30 مليارا!

قررت الحكومة التوسع في إنشاء جامعات أهلية، حيث تخطط  للانتهاء من إنشاء أربع جامعات بتكلفة بلغت 13 مليار جنيه، هي جامعة الملك سلمان الدولية بجنوب سيناء، وجامعة العلمين الدولية بمدينة العلمين، وجامعة الجلالة بالسويس، وجامعة المنصورة الجديدة بالدلتا (تحت الإنشاء).

ويوجد في مصر 27 جامعة حكومية، في وقت ارتفع فيه عدد الجامعات الخاصة إلى 32 جامعة معظمها في القاهرة الكبرى، وأنشئ أغلبها في تسعينيات القرن الماضي في مدينة السادس من أكتوبر، وفق تصريحات وزير التعليم العالي.

في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري، عقد السيسي اجتماعا مع رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، تناول مستجدات تنفيذ إنشاء 10 جامعات أهلية جديدة على مستوى محافظات الجمهورية تتبع الجامعات الحكومية.

وقبلها في مطلع أغسطس/آب الماضي، وجه السيسي باعتماد نحو 30 مليار جنيه (الدولار يساوي 16 جنيها)، خاصة بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية التابعة للجامعات الحكومية باستغلال الأراضي التي تملكها في المجتمعات العمرانية الجديدة.

إعلان

إنفاق المصريين ينبّه السيسي

فبعيدا عن الجامعات الحكومية والخاصة، هناك شريحة من المجتمع توفد أبناءها للتعليم بالخارج، وهؤلاء هم من قصدهم السيسي في حديثه عن الطلاب المهاجرين ويرغب في أن ينفقوا أموالهم في التعليم بالجامعات الأهلية التي يقوم بإنشائها على قدم وساق.

وقال خلال افتتاح عدد من المشروعات التنموية بمدينة الإسكندرية نهاية الشهر الماضي: "فيه حجم معتبر من الأسر بتوفد أبنائها للخارج، من غير ما أذكر جامعات.. تكلفتها 35 ألف دولار سنويا وفيه حاجات أقل.. وفي الآخر بيخرج ومش ده المستهدف، الفكرة فكرة تعليمية إنه بدل ما يسافر ياخدها هنا".

ماذا عن عدد وحجم إنفاق هذه الشريحة المقتدرة في مصر؟ يقول وزير التعليم العالي إن عدد الطلبة المصريين الذين يدرسون بالخارج بلغ 20 ألف طالب، ينفقون 20 مليار جنيه سنويا بخلاف العملة الصعبة وهجرة العقول.

جامعات خارج التصنيف

ما يجهله الكثير من المسؤولين أن سبب إيفاد آلاف الأسر أبناءها للدراسة في الخارج هو السبب نفسه الذي يدفعها للعلاج بالخارج، فأشهر الجامعات المصرية وأعرقها لم تستطع التقدم على مقاييس جودة التعليم العالي بشكل كاف أو مقنع بسبب تدني ترتيبها.

بحسب تصنيف "كيو إس" (QS) العالمي، احتلت أول جامعة مصرية التصنيف ما بين رقمي 561-571 ، وهي جامعة القاهرة العريقة، في حين احتلت جامعة عين شمس الشهيرة التصنيف ما بين 801-1000، وهو تصنيف متأخر جدا.

حتى في تصنيف تايمز البريطاني، تقدمت دول كالمكسيك والبرازيل وماليزيا والهند وإيران وإندونيسيا ضمن أفضل أول 50 جامعة في العالم، في حين لم توجد أي جامعة مصرية داخل قائمة أول أفضل 100 جامعة.

مصائب قوم عند قوم فوائد

شكلت نتائج الثانوية العامة في مصر صدمة كبيرة لشريحة واسعة من الطلاب المجتهدين وأولياء أمورهم بعد أن ارتفعت درجات القبول بكليات الطب، الأكثر رغبة، إلى 98.5% والأسنان 98.3% والصيدلة 98%، بسبب قلة مقاعد الدراسة التي لا تواكب الزيادة السكانية.

إعلان

مصائب قوم عند قوم فوائد، حيث بات على آلاف المتفوقين من المقتدرين ماليا ولم يحالفهم الحظ اللجوء إلى الخيارين الآخرين الجامعات الخاصة أو الأهلية، مع ميزة القبول بكليات القمة بأقل 5% وأكثر من الجامعات الحكومية، وتتراوح رسومها بين 7 و15 ألف دولار من دون مصاريف الإقامة والانتقالات والأنشطة الترفيهية والعلمية.

ولا تقل رسوم الجامعات الأهلية عن رسوم الالتحاق بالعديد من الجامعات الخاصة وربما أكثر، حيث بلغت الرسوم بمجالات الصيدلة وطب الأسنان والطب البشري بين 85 و105 آلاف جنيه، من دون مصاريف الإقامة وغيرها.

تسليع التعليم

وبالتوازي مع جدل الجامعات الخاصة وأهداف السلطة من ورائها، شهدت مصر حدثا غير مسبوق في مجال التعليم، حيث أقرت الحكومة مشروع قانون يقضي بفرض رسوم على طلاب الجامعات حال رسوبهم، تصل إلى 12 ألف جنيه سنويا، علما بأن نسبة الرسوب تصل إلى نحو 20%، وسط اتهامات للحكومة بالسعي لخصخصة التعليم.

وأعرب عبد الحفيظ طايل مدير مؤسسة الحق في التعليم، وهي مؤسسة مصرية مستقلة، عن قلقه من تحوّل التعليم إلى سلعة، قائلا "يفترض وجود جامعة لكل مليون مواطن، أي نحن بحاجة إلى 100 جامعة"، مشيرا إلى أن "الحكومات المتعاقبة ترى أن التعليم ليس حقا لكل المصريين، وأنه عبء على كاهل الدولة".

وأكد في حديثه للجزيرة نت أن الجامعات الأهلية مثلها مثل الجامعات الخاصة لن تكون بديلا للجامعات الغربية لأسباب علمية كثيرة، والشاهد على ذلك أنها خارج التصنيف الدولي للجامعات أو في ترتيب متأخر، مما يعني أن هدفها ربحي أكثر منه تعليمي.

وعما إذا كانت الجامعات الأهلية ستحل مشكلة جودة التعليم العالي، اشترط طايل وجود مناهج وطرق وأساليب تعليمية تخاطب المستقبل، لكن السؤال هل لدينا فرق مؤهلة التعامل مع المستقبل؟ هل هناك حرية بحث علمي حقيقي؟

إعلان

تربح باسم التعليم

خبير نظم التعليم وتنمية القيم الدكتور محمد رأفت انتقد محاولة تأثير السلطات المصرية على النظام التعليمي بشكل واضح وخطير، "لأن المجال التعليمي من أخطر المجالات تأثيرا في المجتمع"، مؤكدا أن الدول المتخلفة تخسر كثيرا رغم ما تدعي إنفاقه على التعليم لأنها لا تنظر أبدا إلى الاستثمار في رأس المال البشري.

وما إذا كانت الجامعات الأهلية ستمثل إضافة للتعليم الجامعي في مصر، أكد في تصريح للجزيرة نت أنها ستنافس الجامعات الخاصة على التربح باسم التعليم، ولكن الأجدى هو أن تنفق هذه المليارات لزيادة أعداد الجامعات الحكومية وتطويرها.

ورأى أن الوضع الحالي يشهد الآن بأنه ليست هناك مجانية للتعليم الجامعي في ظل المصاريف والرسوم التي يتكبّدها الطلاب، مؤكدا في الوقت ذاته أن ما يجري هو خصخصة مقنعة، تجعل التعليم الجامعي لا تطاق تكاليفه.

كان حقا وأصبح منحة

"كان حقا مثل الماء والهواء" هكذا يصف الخبير التربوي والتعليمي علي اللبان الحق في التعليم، مؤكدا أنه "حق وليس منحة من الدولة، ولكنه بدأ يتحوّل الآن إلى بيزنس (تجارة)"، مضيفا أن "هناك علما اسمه علم اقتصادات التعليم تتجاهله الحكومة المصرية، يتمثل في إنفاق الدولة على الطالب في مراحل التعليم المختلفة للاستثمار في العقل البشري".

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الدولة بدأت في تسليع التعليم في منتصف فترة حكم مبارك، ثم زاد الأمر في عهد السيسي بشكل متسارع وبات التعليم المميز ينحصر في الشرائح القادرة، وانحصر الاهتمام بالتعليم الحكومي بشكل كبير، والحكومة تنفذ رؤية السيسي في هذا الصدد.

وذهب إلى القول بأن الحكومة المصرية، بناء على رغبة السيسي، تريد الخروج من دائرة الإنفاق على التعليم العالي إلى إنفاق الطلاب على التعليم، بحيث يتحول التعليم العالي إلى خدمة مدفوعة الثمن، فالدولة في تحركها نحو تطوير التعليم لا تضع في حسبانها الفئات البسيطة أو حتى المتوسطة.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان