يوم ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر مع إيران.. لماذا اتخذ هذا القرار وهل كان سببا لاندلاع الحرب بين البلدين؟
في 17 سبتمبر/أيلول 1980 أعلن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين -من طرف واحد- إلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران بعد نحو 5 أعوام على توقيعها بنفسه "عندما كان حينها نائبا للرئيس أحمد حسن البكر" مع الشاه محمد رضا بهلوي بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. وطيلة تلك الفترة، شهد البلدان محطات سياسية وأمنية أدت إلى توتر العلاقات بينهما.
ظروف توقيع الاتفاقية
ويرى الباحث المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية فراس إلياس أن عملية التوقيع على اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في 6 مارس/آذار عام 1975 "جاءت نتيجة لظروف استثنائية مرت بها العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت".
وبحسب إلياس فإن الظروف السياسية الداخلية في كلا البلدين، شكلت حافزا لتوجههما نحو توقيع هذا الاتفاق، لافتا إلى أن الضرورات العراقية كانت أكثر، وذلك بفعل التمرد الكردي المسلح الذي كان ناشطا وفاعلا في شمال البلاد، وهو ما دفع العراق إلى تقديم تنازلات مؤثرة للجانب الإيراني في هذا الاتفاق.
صدام حسين وهواري بومدين ومحمد رضا بهلوي على هامش توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 م. #العراق pic.twitter.com/w3YIpgK8xd
— Meelad_Qaseera (@Meelad_Qaseera) May 3, 2014
ويشير المؤرخ الخبير القانوني طارق حرب إلى أن "الاتفاقية تضمنت تنازل العراق عن بعض أراضيه لصالح إيران مقابل توقفها عن دعم الحركات الكردية شمال البلاد، ولم يحصل مثل هذا التنازل في تاريخ العراق".
ويقول حرب في حديثه للجزيرة نت، إن إيران توقفت بالفعل عن دعم الكرد، ليكسب العراق معركته ضد حركات التمرد.
من جهته، يوضح الباحث السياسي العراقي شاهو القرة داغي أن المشاكل الحدودية بين إيران والعراق تعود إلى زمن الدولة العثمانية، واستمرت هذه المشاكل عالقة حتى في زمن الانتداب البريطاني.
ويضيف القرة داغي في حديثه للجزيرة نت أنه بسبب غياب الترسيم الواضح والاعتراف من الطرفين بالحدود كانت تحدث خروقات أمنية بين البلدين، ما دفع إلى التوقيع على معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار، فضلا عن 3 بروتوكولات ملحقة بها خاصة بالحدود البرية والنهرية وأمن الحدود في عام 1975 والتي ساهمت في تخفيف التوتر بين إيران والعراق.
أبرز البنود
وبيّن القرة داغي أن أبرز بنود الاتفاقية هو إجراء تخطيط نهائي للحدود البرية، والتأكيد على سلامة التراب وحرمة الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإجراء رقابة مشددة وفعالة على الحدود ووضع حد نهائي للتسللات ذات الطابع التخريبي.
ويستطرد بأن "الاتفاقية تضمنت اعتراف العراق بشط العرب بالتناصف بين البلدين مقابل تخلي إيران عن دعم "التمرد الكردي" بقيادة الملا مصطفى بارزاني في إقليم كردستان العراق والذي أدى إلى انهيار الحركة الكردية وهروب أبرز قادتها إلى خارج البلاد".
ويقول الباحث إلياس إنه مع مطلع عام 1980 أخذت العلاقات العراقية الإيرانية بالتدهور أكثر، وتحديدا خلال الفترة من 4 سبتمبر/أيلول 1980 وحتى 22 من الشهر نفسه، وذلك نتيجة للتجاوزات الإيرانية المتكررة على الحدود العراقية، من قبل قصف المخافر الحدودية العراقية، أو القيام بتحركات عسكرية مقلقة على الحدود.
وبحسب إلياس فإن السبب الرئيسي لإلغاء الاتفاقية من قبل العراق جاء بعد تعرض وزير الخارجية العراقي -آنذاك- طارق عزيز لمحاولة اغتيال "في أبريل/نيسان 1980″، وذلك في الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية في بغداد.
ويوضح إلياس أن محاولة اغتيال عزيز التي وجهت أصابع الاتهام فيها إلى أحد الأحزاب العراقية المعارضة المقربة من طهران، إلى جانب شعارات تصدير الثورة إلى العراق، التي أعلن عنها المرشد الأعلى في إيران آية الله الخميني، منذ الأيام الأولى لنجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو ما وجدها صدام حسين مبررات عملية لرفض اتفاق الجزائر في 17 سبتمبر/أيلول عام 1980.
التحرر من الاتفاقية
ومن جانبه، يرى المؤرخ حرب أن صدام حسين وجد في اندلاع الحرب مع إيران فرصته للتحرر من اتفاقية 1975، لأنها أعطت النظام الإيراني حقوقا ليست له، ومنها نصف شط العرب ومدينة المحمرة وأجزاء من خانقين، والسماح للسفن الإيرانية بدخول شط العرب دون شروط.
ويرى حرب أن إلغاء العراق لاتفاقية الجزائر لا قيمة له من الناحية القانونية لأن الاتفاقية مثبتة لدى الأمم المتحدة، لذلك بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وأحداث غزو الكويت عاد العراق للاعتراف بها.
ويجمل القرة داغي أسباب إلغاء العراق لاتفاقية الجزائر في سياسة إيران تجاه علاقات حسن الجوار، والتدخل في شؤون العراق الداخلية، والامتناع عن إعادة الأراضي العراقية، إضافة إلى عودة الحراك الكردي في إقليم كردستان، وسقوط نظام الشاه وسيطرة الخميني على الحكم وتبنيه لرؤية توسعية تقوم على تصدير الثورة إلى الخارج.
وبحسب القرة داغي فإن عدم احترام الحدود بين البلدين كان من أبرز أسباب إلغاء اتفاقية الجزائر من قبل العراق، حيث أدرك أن الأسباب الموجبة التي دفعته لهذا الاتفاق انتفت تماما، وبالتالي لا داعي لاستمرار بقائه.
اندلاع الحرب
وبحسب إلياس فإن "العراق بعث بالعديد من المذكرات الاحتجاجية للأمم المتحدة، ومنظمة دول عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، للإبلاغ عن الانتهاكات الحدودية الإيرانية، وتحديدا منذ يوم 4 سبتمبر/أيلول 1980.
وأشار إلى أن "المساعي العراقية لم تلق أي تجاوب، مما دفع العراق إلى إعلان الحرب على إيران في يوم 22 سبتمبر/أيلول 1980، كما ترافق ذلك مع إرساله المقاتلات الجوية بغارة جوية في العمق الإيراني، استهدفت المطارات العسكرية في عدد من المدن الإيرانية الرئيسة كطهران وأصفهان".
ويضيف إلياس أنه "ورغم الشروط التي أعلنها العراق لإيقاف الحرب، والتي كان أبرزها اعتراف إيران بالسيادة العراقية على التراب الوطني وحدوده النهرية والبحرية، فإن طهران رفضت الاعتراف بذلك، خصوصا أنها كانت تنظر للعراق كقاعدة لانطلاق ثورتها نحو بقية دول المنطقة".
ويلفت إلياس إلى أنه "ورغم النجاحات التي حققتها القوات العراقية في بداية الحرب، فإن إيران هي الأخرى نجحت في قلب المعادلة العسكرية، وتمكنت من إعادة سيطرتها على مجمل الأراضي التي سيطر عليها الجيش العراقي، لتدور حرب استنزاف دامت لـ 8 سنوات، خلفت مئات آلاف القتلى والجرحى".
مصير الاتفاقية
ويعتقد المحلل السياسي نجم القصاب أن الغاء اتفاقية الجزائر كان لصالح إيران خصوصا بعد أن دخل العراق للكويت وأصبح أكثر ضعفا وهشاشة على المستويين الإقليمي والدولي.
ويضيف القصاب في حديثه للجزيرة نت أنه بعد عام 2003، سيطرت إيران على شط العرب ومكّنها ذلك من التحرك بحرية واسعة، بسبب ضعف القيادات السياسية العراقية.
وهذا ما يؤيده الخبير طارق حرب الذي اعتبر أن اتفاقية الجزائر لا تزال حتى الآن مطبقة من الناحية الواقعية.