كرّس هوية هندوسية للبلاد.. هكذا تناول الإعلام الهندي بناء "معبد راما" على أنقاض مسجد بابري

حضور رئيس الوزراء الهندي مودي حفل بناء معبد هندوسي على أنقاض مسجد شكّل انتهاكا لعلمانية الهند (الأوروبية)

شهدت بلدة أيوديا في شمال الهند -بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي- وضع حجر أساس "معبد راما" الهندوسي على موقع مسجد بابري الذي هدمه غلاة الهندوس يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1992.

وكان هذا هو حجر الأساس (الثاني) لهذا المعبد حيث كان غلاة الهندوس قد وضعوا حجر أساس هذا المعبد في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 في عهد رئيس الوزراء راجيف غاندي، وادعوا وقتها أن حجر الأساس قد وضع في عين المكان الذي ولد فيه الإله الهندوسي راما، حسب معتقدهم.

وتمكنت الحركة الهندوسية السياسية (الهِندوتوا) من السيطرة الكاملة على مقاليد السلطة، مستخدمة قضية "معبد راما" على حساب العلمانية وسياسة المساواة بين المواطنين التي عرفت بها الهند تاريخيا.

وتقف أجهزة الإعلام والشرطة والبيروقراطية وحتى القضاء إلى حد كبير مع الحركة الهندوسية التي يمثلها حزب الشعب الهندي الذي يحكم الهند منذ مايو/أيار 2015.

وتجلت هذه الهيمنة المتطرفة على وسائل الإعلام الهندية في تغطية وضع حجر الأساس للمعبد الهندوسي على أنقاض مسجد بابري، متجاهلة قيام رئيس دولة (علمانية) بوضع حجر أساس معبد ديني أو صرف مبالغ طائلة من خزينة الدولة على هذا المشروع.

وركزت الصحف والفضائيات الهندية على الإجراءات والاستعدادات الكبرى التي سبقت الحدث التاريخي في بلدة أيوديا، إلى جانب توفير الحراسة المشددة بما فيها نشر (3500) من القناصة على أسطح البنايات في المنطقة التي تحرك فيها موكب رئيس الوزراء.

الهندوس المتطرفون اعتبروا بناء معبد راما على أنقاض مسجد بابري انتصارا كبيرا للهندوسية (الأوروبية)

ورغم أهمية حدث اليوم بكل أبعاده، فإن معظم الصحف الكبرى تجاهلته، فلم تتناوله في افتتاحياتها، باستثناء صحيفة هندوستان تايمز التي قالت في افتتاحيتها إن "أيوديا هى رمز العقيدة الهندوسية، اجعلوها رمز العلمانية والتعددية أيضا".

وأضافت الافتتاحية "عندما يبدأ بناء المعبد، فهذا يمنح مودي فرصة نادرة، فالمعبد انتصار سياسي وثقافي لحزب الشعب الهندي، وحياة مودي السياسية نفسها تزامنت مع قيام هذا المشروع السياسي الهندوسي، كما تزامنت معها حياة الملايين الذين أرادوا قيام معبد فوق الأرض المتنازع عليها".

وتابعت "وحقيقة أن المسلمين التزموا بحكم القانون وقبلوا بحكم المحكمة العليا لإنهاء هذا الأمر يجب الثناء عليه، لكن لا يمكن تجاهل الشعور بانعدام الأمن الذي يعاني منه المسلمون نتيجة التعبئة السياسية التي رافقت هذه القضية. كما لا يمكن تجاهل حقيقة أنه قد تم هدم مسجد بابري، وكان هذا عملا إجراميا حسب حكم المحكمة العليا نفسه الذي حكم لصالح المعبد".

ونشرت مواقع إخبارية وصحف مقالات كثيرة تعتبر بناء المعبد انتصارا للحركة الهندوسية السياسية، وبعض هذه المقالات كتبها وزراء أو زعماء حزب الشعب أو صحفيون محسوبون على الحركة الهندوسية.

وكتب (رام مادهاو) الأمين العام لحزب الشعب الحاكم في مقاله الذي نشرته "إنديان إكسبريس"، "في كل بلد أماكن مقدسة، ولكل ديانة مساحات فعلية وميتافيزيقية مقدسة وأيوديا هي ذلك المكان بالنسبة للهندوس والديانات الهندية الأخرى".

وقال (ويناي ساهاراستر بوديه) نائب حزب الشعب الهندي بالبرلمان الهندي في مقال آخر نشرته إنديان إكسبريس، "إن معبد راما قد صحح مسار النقاش، ووضع السياسة في قالب جديد، ولا ينبغي أن ينظر إلى أنه معارض للمسجد أو المسلمين. وكانت حركة معبد راما حركة جماهيرية حقيقية، وهي ستترسخ في السياسة الهندية".

وقالت الكاتبة (تلوين سينغ) في مقال لها بصحيفة إنديان إكسبريس إنه "كان ينبغي أن يكون بناء المعبد قد تم قبل عقود، ولكن ذلك لم يحدث بسبب العلمانية المزيفة التي اتبعها حزب المؤتمر الهندي". وذكّرت الكاتبة القراءَ بأن حفل وضع حجر أساس المعبد أقيم في سنة 1989 تحت حكم حزب المؤتمر، ولكن الأمر قد توقف هناك.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تقدم المحتفلين ببناء المعبد على حساب المسلمين ومسجدهم (وكالة الأنباء الأوروبية)

وقال المحلل السياسي ورئيس تحرير مجلة "دراسات في السياسة الهندية" (سوهاس باليشكار) في مقال له بصحيفة إنديان إكسبريس، إن أيوديا تشهد اليوم إسقاط القديم وبناء "جمهورية جديدة".

وأضاف "حزب الشعب الهندي أزال الجمهورية القديمة، ولكن التاريخ سيسجل كيف أن اللاعبين الآخرين قد ساعدوا في هذا برغبتهم الخفية. وشاهدنا كيف أن باقي الأحزاب انضمت إلى جوقة حزب الشعب الهندي بشأن كشمير. وفيما يتعلق بقضية المعبد فقد اختارت معظم الأحزاب تجاهل القضايا التي تثيرها أيوديا. وحين تهلل الأحزاب لبناء معبد في أيوديا، فهي تتجاهل أن المعبد يبنى على أنقاض التعايش المشترك، وأنه يمثل فرض هيمنة الهندوس على الآخرين بدرجة غير مسبوقة".

وقال سيدهارت ورداراجان أحد أبرز الصحفيين الهنود، وهو رئيس التحرير الأسبق لصحيفة هيندو، في مقال له على موقعه الإخباري (ذي واير)، "إن يوم الخامس من أغسطس/آب سيسجل في التاريخ كيوم للاحتفال بانتصار البربرية، وانتصار التدمير على التجديد، وانتصار الجريمة واللاقانونية على القانون والعدل، وانتصار الأسطورة والفبركة على الحقيقة والحق. إن جزءا نافذا من الإعلام الهندي قد ساعد حزب الشعب الحاكم على تسويق هاتين الكذبتين: أن معبد  الآر.ايس. ايس هو معبد الهندوس وأن إلغاء الحكم الذاتي لكشمير كان لمحاربة الإرهاب وازدهار كشمير الاقتصادي".

ويلاحظ المراقبون أن السياسيين -باستثناء المسلمين واليساريين- التزموا الصمت أو أيدوا ما حدث اليوم، وقلة من المؤيدين يرون أن توقيت هذه الخطوة لم يكن مناسبا، فحسب رأي بعض الكهنة والمنجمين لم يكن التوقيت مباركا وفق حسابات التقويم الهندوسي.

أما حزب المؤتمر الهندي، الذي حكم الهند بالعلمانية طويلا، فقد التزم الصمت، في حين عاتب بعض زعماء الحزب لعدم دعوتهم لحضور حفل وضع حجر الأساس، لأن كل الخطوات الكبرى المؤدية إلى هذه النهاية قد تمت خلال حكم حزب المؤتمر.

ونشرت بريانكا غاندي، ابنة رئيسة الحزب سونيا غاندي، صورة لها على وسائل التواصل الاجتماعي مع عبارات تهلل لهذا الحدث وتؤيده وتعتبر (راما) شخصية عظيمة في تاريخ الهند، وأن وضع أساس المعبد مناسبة لتوحيد الهنود جميعا.

كما رحب الوزير السابق سلمان خورشيد وهو من قيادات حزب المؤتمر بالحدث، وقال إن القضية قد حسمت قضائيا لصالح الهندوس، فمن حقهم بناء المعبد الكبير على أرض المسجد السابق.

المصدر : الجزيرة

إعلان