شمل 5 مسارات وغابت عنه حركتان.. 8 أسئلة تشرح بنود اتفاق الحكومة السودانية والجبهة الثورية

محمد حمدان حميدتي (يسار) ومني أركو مناوي أثناء توقيع الاتفاق (رويترز)

في خطوة وصفت بالتاريخية، وقعت الحكومة السودانية وتحالف الجبهة الثورية -الذي يضم مجموعة من القوى السياسية والحركات المسلحة- اتفاقا للسلام بالأحرف الأولى، في جوبا عاصمة جنوب السودان اليوم الاثنين، غابت عنه حركتا تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور التي تسيطر على أجزاء من جبل مرة في إقليم دارفور، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وحضر مراسم التوقيع على الاتفاق في جوبا: رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" (رئيس الوفد الحكومي المفاوض)، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ وناشد القادة السودانيون والوسطاء عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو الانضمام لركب السلام.

توقيع بالأحرف الأولى.. لماذا؟

ووُقعت غالب نصوص الاتفاق بالأحرف الأولى خلال فترات متقطعة من عمر التفاوض الطويل، في محاولة لتأكيد جميع الأطراف الالتزام بها، أما الاحتفال بالتوقيع النهائي فينتظر أن يكون بحضور على مستوى دولي واسع، وربما يكون في دولة أخرى على أن يعطى لجنوب السودان أفضلية احتضان المراسم الأولية للاتفاق بحكم وساطتها في هذه الجولات.

سلفاكير يتوسط البرهان (يسار) وحمدوك بعد توقيع الاتفاق (رويترز)

ما الأطراف الموقعة؟

يضمّ تحالف الجبهة الثورية الذي وقّع الاتفاق مع الحكومة السودانية بعد مفاوضات استمرت نحو عام، قوى مسلحة من دارفور هي: حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس يحيى، وهو الذي يرأس تنظيم الجبهة الثورية حاليا.

كما يضم التحالف: الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وتفاوضت عن منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى جانب تنظيم حركة كوش النوبية وهي التي فاوضت باسم شمال السودان الذي حرم من التنمية لسنوات طويلة. وفي داخل الجبهة الثورية أيضا تيارات تمثل شرق ووسط السودان، وقعت جميعها باسم هذه المسارات، فكانت المحصلة اتفاقا بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية بمساراتها الخمسة.

لكن من المهم الإشارة إلى أنه في أثناء هذه المفاوضات الطويلة، انشق مناوي عن الجبهة الثورية وكان يشغل منصب نائب الرئيس، حيث ظل يطلق بين الحين والآخر انتقادات لأداء التنظيم ويطالب بإدخال فصائل أخرى متحالفة معه، بينما كانت القوى الأخرى ترى أهمية التركيز على إنجاز ملف السلام والتسوية مع الحكومة السودانية ومن ثم الالتفات إلى القضايا التنظيمية.

إعلان

وتعاملت الوساطة في جنوب السودان مع هذا الوضع بحياد، ووافقت على أن يكون هناك تياران للتنظيم، وظهر مناوي في حفل التوقيع بمعية رفاقه السابقين موقعا على البروتوكولات الثمانية.

مالك عقار أثناء حضوره توقيع الاتفاق (رويترز)

ما وزن الغائبين؟

حرص القادة الحكوميون وزعماء التمرد على عدم تجاهل غياب فصيلي عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو عن اتفاق السلام، وهو ما يعكس تأثيرهما الكبير على خارطة السلام. فنور يتمتع بنفوذ واسع داخل العديد من مخيمات النازحين في دارفور، وله قدرة على تحريك كل الخيوط ذات الصلة بتحركات الآلاف من المشردين داخليا، علاوة على سيطرته على مناطق عديدة في جبل مرة.

أما الحلو، فله سطوة عسكرية وقوات كبيرة في جنوب كردفان، ويحظى كذلك بتقدير واسع لدى الأهالي هناك، ولم تمنعه علاقته الشخصية برئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي زاره في معقل رئاسة الحركة بكاودا قبل أشهر من التمسك بضرورة ضمان فصل الدين عن الدولة في التشريعات القانونية الرسمية للحكومة، وإلا منح منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق حق تقرير المصير، وهو ما أعاق لحد كبير الوصول إلى تفاهم مع حركته.

حميدتي (يسار) ورئيس حركة تحرير "كوش" محمد داؤود (رويترز)

ما أهمية الاتفاقيات التي وقعت؟

خاطبت اتفاقيات السلام في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وبروتوكولات شرق ووسط السودان وشماله، قضايا محورية في مسائل قسمة الثروة والسلطة، إلى جانب الترتيبات الأمنية على نحو يصفه قادة الحركات المسلحة والقوى في الجبهة الثورية بأنه غير مسبوق، ويضمن توزيعا عادلا للسلطة والثروة، وبموجبه يصبح قادة التمرد شركاء في الحكم الانتقالي الذي تقرر أن يبدأ حساب فترته من تاريخ التوقيع النهائي على اتفاق السلام، لمدة 39 شهرا، بمعنى إلغاء عام كامل من عمر الحكومة الانتقالية في السودان.

كيف عالج الاتفاق قسمة السلطة والثروة؟

ضمن اتفاق منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الموقّع مع مجموعة مالك عقار، نصيبا من الثروة المنتجة محليا يصل إلى 40% لمدة 10 سنوات. ويكفل الاتفاق أيضا لها حق التشريع وأُسس نظام تشريعي استنادا على دستور 1973 القائم على الاعتراف بالدينين الإسلامي والمسيحي، ويكفل المساواة في الحقوق والحريات لجميع مواطنيه.

كما ستؤسس بموجب هذا الاتفاق مفوضية قومية للحريات الدينية لها أفرع في المنطقتين، لإنصاف المسيحيين السودانيين الذين يشكلون مجموعة مقدرة من سكان المنطقتين.

أما اتفاق دارفور، فضمن استيعاب أبناء الإقليم في مؤسسات الخدمة المدنية عبر مرحلتين: الأولى، تتم بقرار سياسي يقضي باستيعاب أبناء وبنات دارفور بنسبة 20% في كافة مؤسسات الخدمة المدنية بالدولة، ابتداء من وكلاء الوزارات والمديرين العاميين والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية، وفي الإدارات المختلفة في المفوضيات والهيئات والشركات الحكومية، بالإضافة إلى الوظائف الوسيطة. والمرحلة الثانية وهي مرحلة تحديد أوجه الخلل في الخدمة المدنية.

إعلان

كما اتفق على أن تكون نسبة دارفور من الموارد النفطية والتعدينية المستخرجة من الإقليم 40% لمدة 10 سنوات.

كيف سيشارك المتمردون السابقون في الحكم؟

كفل اتفاق السلام السوداني لقادة الجبهة الثورية وتنظيماتها مشاركة فعالة في أجهزة الحكم الانتقالي، حيث منحتهم الاتفاقية 75 مقعدا في المجلس التشريعي الذي لم يتشكل بعد، والمكون من 300 مقعد إجمالا، كما يحق للمتمردين السابقين المشاركة في مجلس السيادة بـ3 مقاعد و25% من مجموع المناصب التنفيذية في الحكومة، إضافة إلى المشاركة بنسبة 40% في الحكومات المحلية في إقليم دارفور.

كيف عولجت الترتيبات الأمنية؟

ولأن للقوى المسلحة الموقعة على السلام قوات على الأرض، فإن بند الترتيبات الأمنية كان الأكثر تعقيدا على طاولة التفاوض، وتسبب أكثر من مرة في تأجيل الوصول إلى اتفاق حتى تم أخيرا حسمه بأن تكون عملية الترتيبات الأمنية الشاملة في المنطقتين ودارفور وفق مدد وجداول زمنية للتنفيذ، يتفق عليها في إطار جيش سوداني مهني واحد.

وتقرر أنه عند الوصول لوقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية التي وقعت كجزء من اتفاقية السلام، يلتزم الطرفان بمعالجة أمر المجموعات المسلحة التي لم توقع على هذه الاتفاقيات.

كما تقرر دمج قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال ومؤسساته الأمنية الأخرى، والقوى المسلحة في حركات دارفور الأخرى، في الجيش السوداني المهني الموحد والقوات النظامية الأخرى، وفق المعايير المهنية المتعارف عليها خلال 39 شهرا.

رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم أثناء التوقيع على اتفاق السلام (رويترز)

ما مواقع الأطراف حاليا على الأرض؟

منذ نحو 5 سنوات، توقفت الحرب المباشرة في إقليم دارفور بين الجيش السوداني والحركات المتمردة، بعد سلسلة معارك طاحنة أبرزها معركة "قوز دنقو" التي جرت في جنوب دارفور في أبريل/نيسان 2015، وقال الجيش الحكومي بعدها إنه نجح في "كسر شوكة التمرد"، وهو ما تنفيه الحركات المسلحة. وقد وقعت اتفاقيات بوقف العدائيات يتم تجديدها كل بضعة أشهر تمنع تصاعد المعارك، وإن كانت هناك مناوشات بين الحين والآخر تقع بين الحكومة وقوات تابعة لمجموعة عبد الواحد على تخوم جبل مرة، لا تتحدث عنها السلطات الرسمية.

إعلان

 

أما في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فالانشقاق الكبير الذي وقع في الحركة الشعبية-شمال قسمها إلى فصيلين: أحدهما بقيادة مالك عقار والآخر يقوده عبد العزيز الحلو، ولا توجد سوى مناوشات متباعدة بين قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي" ومجموعة الحلو، وهذه المناوشات كانت سببا في أن يوقف الأخير مشاركته في مفاوضات جوبا، محتجا على رئاسة حميدتي لوفد التفاوض الحكومي، باعتبار أن وجوده على طاولة المفاوضات بينما تقاتل قواته على الأرض يفقده الحياد، وهو مطلب لم تستجب له الخرطوم وتمسكت بأن يكون حميدتي رئيسا لوفدها المفاوض.

المصدر : الجزيرة

إعلان