عودة للمربع الأول.. لماذا علق الانتقالي تنفيذ اتفاق الرياض في اليمن؟
تجددت الأسبوع الماضي المعارك في محيط محافظة أبين، بين قوات الجيش الوطني -التابع للحكومة الشرعية- وبين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا بعد شهر ونصف الشهر تقريبا من الهدوء الحذر.
جاء ذلك على إثر إعلان الانتقالي مساء الثلاثاء الماضي تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ "اتفاق الرياض" في نسخته الثانية، المعروفة بـ "آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض".
ويعتقد مراقبون أن هذا التطور من شأنه أن يفقد السعودية السيطرة على زمام المبادرة جنوب اليمن، في حين يعتقد آخرون أنه ليس إلا تبادل أدوار بين الحليفين لتحقيق مصالحهما المشتركة في البلاد التي تمضي في عامها السادس من الحرب.
مسار اتفاق الرياض
مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقع "اتفاق الرياض" في نسخته الأولى، بين الحكومة اليمنية الشرعية وبين المجلس الانتقالي الجنوبي، بالعاصمة السعودية.
ونص الاتفاق على سحب قوات الانتقالي من عدن، وعودة الحكومة الشرعية إليها، والاتفاق لاحقا على تشكيل حكومة جديدة مشتركة، غير أن معظم بنود الاتفاق، لا سيما الشق العسكري والأمني منه، واجهت عراقيل في التنفيذ، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين.
وهو ما أدى نهاية أبريل/نيسان الماضي إلى إعلان المجلس الانتقالي "الإدارة الذاتية" على عدن وبقية المحافظات الجنوبية.
في يونيو/حزيران نشر التحالف، الذي تقوده السعودية، قوات لمراقبة وقف إطلاق النار في "أبين" تمهيدا للتوصل إلى التسوية الجديدة، التي تم التوقيع عليها نهاية يوليو/تموز بالرياض باسم "آلية تسريع تنفيذ الاتفاق" التي كان من أبرز بنودها تشكيل حكومة جديدة مخفضة، يمنح فيها الانتقالي عددا من الحقائب.
مرامي أبو ظبي
وبدفعها أتباعها، في المجلس الانتقالي، إلى تعليق مشاركتهم في بقية المشاورات، تكون الإمارات قد أعادت اتفاق الرياض إلى المربع الأول.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس مؤسسة خليج عدن للإعلان خالد الشوذري -في حديثه للجزيرة نت- أن أبو ظبي تهدف إلى الضغط على الشرعية للرضوخ لتسويات سياسية خارج إطار المرجعيات الثلاث المتوافق عليها دوليا للسلام في اليمن.
وأضاف أنها بذلك تحاول أن تضمن مستقبلا سياسيا لجماعة الحوثي، وتيار أحمد علي عبد الله صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام المدعوم من قبلها أيضا، على حد وصفه.
ويربط الإعلامي الجنوبي بين قرار الانتقالي تعليق مشاركته في مشاورات الرياض، وتزامنه مع "استعصاء سقوط محافظة مأرب بيد الحوثيين، وأيضا مع إخماد التمرد العسكري لوكلاء الإمارات العسكريين في مدينة التربة بمحافظة تعز".
وينوه الشوذري إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الإمارات للعبث في عدن "للحصول على مكاسب في محافظات أخرى" مشيرا إلى أنها سبق ولجأت لنفس الأسلوب خلال المرحلة التي سبقت إسقاط جزيرة سقطرى بيد "المليشيات المدعومة منها" في يوليو/تموز الماضي.
موقف الحكومة
وفي حين لم يصدر أي موقف رسمي من الحكومة اليمنية إزاء تعليق الانتقالي للمشاورات حتى الآن، يقلل الباحث والمحلل السياسي اليمني نبيل البكيري من قدرة الحكومة على اتخاذ أية مواقف "خارج إرادة وإطار الموقف السعودي".
ومع أنه اعتبر -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه نقطة ضعف الحكومة الشرعية، فإنه شدد على ضرورة التخلص من ضعفها هذا والعمل على مغادرة مربع الصمت، نحو المطالبة بإيقاف التدخل الإماراتي نهائيا في الشأن اليمني "والتعاطي معها وأذرعها المليشوية كقوات احتلال يجب مقاومتها".
وهو ما يتفق معه تماما المحلل الإستراتيجي للشؤون العسكرية د. علي الذهب، الذي أكد على أهمية أن تعي الحكومة جيدا أن "هذه المفاوضات السياسية تسعى إلى إنهائها كليا من الوجود ما لم تتخذ تدابير عملية عاجلة لمواجهة ذلك، وعلى رأسها: الإصرار على استغنائها عن الدور الإماراتي، مهما كانت النتائج".
الحالة الصحية لهادي
ومن زاوية أخرى، يرى الذهب أن هذه الخطوة قد يكون لها علاقة بالوضع الصحي للرئيس عبد ربه منصور هادي الموجود حاليا في الولايات المتحدة للعلاج.
وأوضح أنه ربما هناك شيء يتعلق بوضعه الصحي وإمكانية عودته من عدمها، مما يجعل تعليق المشاورات في هذا التوقيت تحديدا، أمرا في غاية الأهمية، خصوصا إذا كان لدى الإماراتيين معلومات بتردي الحالة الصحية للرئيس هادي، وعدم قدرته على العودة.
ويعتقد الذهب أن الحكومة بالفعل ضعيفة ومرتهنة "ولكن كسلطة شرعية حاكمة، وليس كقوة على الأرض" مؤكدا على أن الحكومة تتمتع حاليا بقوة عسكرية مناسبة، تمثل أداة القسر الأقوى على الأرض.
وأضاف أن لديها قوة شعبية وداعم سياسي بالجنوب هو الائتلاف الوطني الجنوبي، الذي تصاعدت شعبيته مؤخرا في عدد من المحافظات الجنوبية بشكل لافت وملحوظ، لا سيما في شبوة والمهرة وحضرموت وأجزاء من أبين.
بالإضافة إلى أن لديها أيضا تلك الكيانات والقوى السياسية الأخرى الداعمة للشرعية، ذات القوة والحضور الشعبي، كالتجمع اليمني للإصلاح، وفصيل المؤتمر الشعبي الذي يدين للرئيس ونائبه.
وفي الوقت نفسه، لم يستبعد الخبير الإستراتيجي وجود "تخادم في المصالح المشتركة بين الإمارات والسعودية، لاسيما في مسألة تقاسم النفوذ وتعطيل دور الحكومة الشرعية، نظرا لكونهما شركاء في التحالف، وما يبدو كخلاف بينهما أنه على طريقة تحقيق هذه المصالح، على ما يبدو، وليس على المصالح نفسها".