ما الأزمات الأربع التي تهدد العام الدراسي الجديد في لبنان؟

من أمام مدرسة الحكمة في الأشرفية وجزء من باحاتها الخارجية التي تظهر الدمار الذي لحق بها
المدارس الخاصة تواجه موجة نزوح إلى المدارس الحكومية بسبب الأزمة الاقتصادية (الجزيرة)

بعد سنوات طويلة قضاها أبو محمود (50 عاما) في الكدّ والعمل لتأمين لقمة عيشه وتكاليف تعليم أولاده، لم يقو هذا العام على الصمود، فهو يستعد لنقل ابنه -الذي يتحضر للشهادة المتوسطة- من إحدى المدارس الإرسالية الخاصة إلى مدرسة رسمية (مجانية) تابعة للدولة في طرابلس شمالي لبنان.

ويروي أبو محمود معاناته بعد أن حاول مرارا ادخار الأموال لتعليم ابنه البكر وطفليه التوأم اللذين سجلهما في مدرسة شبه مجانية. فيقول للجزيرة نت "أعمل في شركة أتقاضى منها راتبا شهريا يبلغ مليونا و500 ألف ليرة، أيّ ما صار يوازي بعد انهيار عملتنا الوطنية أقل من 200 دولار أميركي، مما أجبرني على أن أتخلى عن أشياء كثيرة". مؤخرا، يعيش هذا الرجل هاجس التوقف عن العمل بسبب الانهيار الاقتصادي، وما تبعه من غلاء فاحش في الأسعار جعل منه "ربّ عائلة فقيرا"، وفق وصفه.

يخشى أبو محمود هذا العام على أولاده في ظل تفشي فيروس كورونا، و"لأن المدارس الرسمية غير مجهزة للنمط الجديد في التعلم بسبب اكتظاظها وانخفاض مستواها الأكاديمي". وصار حال أهالي مختلف المناطق اللبنانية شبيها بحال أهالي طرابلس، وهي واحدة من أفقر مدن لبنان وحوض البحر المتوسط.

من أمام مدرسة الحكمة في الأشرفية وجزء من باحاتها الخارجية التي تظهر الدمار الذي لحق بها
مدرسة القلب الأقدسين في الجميزة وهي إحدى أقدم مدارس بيروت (1894) وتشهد على دمار الانفجار (الجزيرة)

انفجار بيروت همّ آخر
في بيروت المنكوبة منذ انفجار 4 أغسطس/آب الجاري، الذي شرّد أكثر من 300 ألف عائلة، يأتي العام الدراسي الجديد تحت وطأة الدمار الذي طال عشرات المباني المدرسية وآلاف البيوت السكنية. لذا يشكل هاجسا كبيرا لذوي الطلاب، ليس لأن لبنان صار يسجل أرقاما قياسية في أعداد المصابين بفيروس كورونا فحسب، بل لأنه يتزامن مع أسوأ ظروف اقتصادية تعيشها البلاد.

يعمل أنور ياسين (43 عاما) دهانا في بيروت، وهو أب لطفلين، لين (11 عاما) ومحمد (8 عاما)، يحكي للجزيرة نت عن تجربته بنقلهما من التعليم الخاص إلى الرسمي، ويصفها بـ"أصعب التجارب" التي تشعره بالذنب تجاه ولديه.

يقول ياسين "كنت أتمنى لو أن التعليم الرسمي في لبنان ذو جودة عالية كي أكون أكثر اطمئنانا، لكنني لم أعد قادرا على تسديد أكثر من 13 مليون ليرة (حوالي 1700 دولار) سنويا لتعليمهما، حيث انخفض مدخولي أكثر من 80% بسبب الشلل الاقتصادي وإجراءات كورونا التي أجبرتنا على التوقف شهورا عن العمل".

إعلان

ينتظر ياسين الحصول على ورقة من قصر العدل تسمح له بسحب إفادتي طفليه من مدرستهما، التي لم يسدد لها كامل الأقساط المتراكمة عليه، ويخشى أن لا يجد مقاعد دراسية لهما في مدارس بيروت الرسمية، وذلك في ظل توقعات بـ"نزوح" طلابي من المدارس الخاصة إلى الرسمية بأعداد تتجاوز 80 ألف تلميذ، وقد سبق لوزارة التربية أن أعلنت التجهيز لهم في المدارس الرسمية، من دون توضيح الآلية.

 مدرسة الثلاثة الأقمار في الأشرفية مغلقة أبوابها بسبب أضرارها الداخلية ويجلس رجلين لحراستها
مدرسة الثلاثة الأقمار في الأشرفية مغلقة أبوابها بسبب أضرارها الداخلية (الجزيرة)

عام التعليم المدمج
في منتصف شهر أغسطس/آب الجاري، أعلن وزير التربية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب بدء العام الدراسي 2020-2021 ابتداء من الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول المقبل بشكل تدريجي، واعتماد ما أسماه "التعليم المُدمج" الذي يجمع بين الحضور والتعلم عن بُعد، ثمّ تقييم الوضع الصحي بعد ثلاثة أسابيع، وإذا كان أسوأ فإن الاتجاه سيكون للتعلم عن بُعد. أما سيناريوهات "التعليم المدمج" فهي، وفق خطة الوزير: الأول اعتماد دوامين (صباحي وبعد الظهر)، والثاني نموذج ثلاثة أيام حضور ويومين تعلم عن بعد أو العكس، والثالث نموذج أسبوع تعلم في المدرسة وأسبوع عن بعد.

في المقابل، أدى إعلان التعليم المُدمج إلى انقسام كبير حوله، وسجّلت لجان الأهالي في المدارس اعتراضاتها عليه، كما كشف خلافا كبيرا بين وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء بعد أن أعلنت رئيسته ندى عويجان "عدم جهوزية لبنان للعام الدراسي المقبل"، فسارع وزير التربية لاحقا إلى إقالتها من منصبها.

وتعليقا على مصير العام الدراسي، يشير منسق "اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة" قحطان ماضي إلى أن ثمة مخاوف كبيرة لدى الأهالي من آلية انطلاقه بسبب ارتفاع مخاطر تفشي فيروس كورونا، وغياب الدعم للكتب المدرسية المستوردة والقرطاسية، التي من المتوقع أن ترتفع أسعارها لأكثر من 10 أضعاف بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، وفشل مناقصات دعم أسعار الكتاب الوطني في وزارة التربية، مما يعني أنها ستشهد ارتفاعا كبيرا في أسعارها.

إعلان

ويقول ماضي للجزيرة نت "صارت قدرة الأهالي الشرائية معدومة، والمدارس الخاصة رفضت تخفيض أقساطها، في حين أن المدارس الرسمية غير قادرة على استيعاب النزوح الطلابي نحوها".

وعن تحديات التعليم المدمج، يعتبر ماضي أن ثمة أزمة جوهرية على المستوى اللوجستي في لبنان تؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص في وصول الطلاب إلى التعليم، لا سيما لجهة الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي وضعف شبكة الإنترنت وعدم توفرها مجانا وكلفتها الباهظة مقارنة مع معظم الدول العربية. كما أن التجهيزات الإلكترونية، وفق ماضي، غير متكافئة بين الطلاب، ويرى أن المدارس غير مجهزة لتنفيذ البروتوكول الصحي في أيام الحضور المدرسي.

مدرسة القلب الأقدسين في الجميزة، وهي واحد من أقدم مدارس بيروت (1894)، وتشهد على دمار كبير في محتوياتها الداخلية
مدرسة الحكمة في الأشرفية وجزء من باحاتها الخارجية التي يظهر تأثرها بانفجار المرفأ (الجزيرة)

معوقات الدمار
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أعلنت بعد انفجار مرفأ بيروت أن الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية يهدد بتعطيل العام الدراسي الجديد، وحرمان نحو 55 ألف طالب وطالبة من اللبنانيين وغير اللبنانيين من الحق في التعليم. وبناء على طلب الوزارة، تكفلت اليونسكو بإعادة تأهيل المدارس المتضررة عبر تنسيق جهود الشركاء التربويين والجهات الخارجية المانحة للمساعدات.

وفي ظلّ تضارب الأرقام بشأن المدارس والمباني المتضررة، أفاد مصدر رسمي في وزارة التربية للجزيرة نت بأن الانفجار أسفر عن تضرر 67 مدرسة خاصة و92 مدرسة رسمية، كما تضررت 5 مجمعات تابعة للتعليم المهني والتقني الرسمي، تضم نحو 20 معهدا ومدرسة فنية.

والضرر الأكبر، وفق المصدر، طال مدارس منطقة الأشرفية وضواحيها نظرا لقربها من موقع الانفجار، وفي طليعتها مدارس: الأشرفية الثالثة، وحوض الولاية بيروت، والحكمة، والثلاثة الأقمار، والقلب الأقدسين. ويقول المصدر "في المسح الأولي للأضرار، تبيّن أن هناك حاجة لما يقل عن 23 مليون دولار، والوزارة ستتكفل استثنائيا عبر المساعدات التي تصلها بالمساهمة في تمويل جزء من إصلاحات المدارس الخاصة، من دون اتضاح الوقت الذي ستستغرقه".

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان