مايك بنس.. معضلة أن تكون نائبا لترامب

سيقبل مايك بنس رسميا اليوم ترشيح حزبه له لولاية ثانية نائبا للرئيس دونالد ترامب، وسيلقي خطابا أمام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري من فورت ماكهنري في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند.

وتعكس هذه اللحظة قوة وصلابة مايك بنس وقوة علاقته مع ترامب، إذ يعد بنس استثناء واضحا بين مجموعة كبار المسؤولين الذين اصطدموا بترامب خلال سنوات حكمه الأربع.

فقد تدهورت علاقة ترامب مع كبار مساعديه من وزراء خارجية ودفاع ومستشارين للأمن القومي وكبار موظفي البيت الأبيض، وأقدم على إقالتهم أو قدموا استقالاتهم، وبقي بنس صامدا.

نجا بنس بعلاقته مع الرئيس من تقلباته، وسدد ثمن الولاء الشديد لترامب بالبقاء في الظل في عهد رئيس يطغى وجوده وكاريزميته ومركزيته على الساحة السياسية الأميركية، بما لا يسمح بسطوع نائب الرئيس.

ولاء مطلق لترامب
قبل 4 سنوات اختار المرشح الجمهوري آنذاك دونالد ترامب نائبا ليرافقه على بطاقة الحزب في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، ووقع الاختيار على مايك بنس.

وقبل ذلك، اختلف بنس مع ترامب مرة واحدة حين اعترض على فكرة حظر دخول مسلمين للولايات المتحدة، إذ اعتبرها بنس خطوة "عدوانية وغير دستورية"، لكن ذلك كان قبل أن يختاره ترامب نائبا له، وبعد ذلك لم تسجل أي معارضة أو اختلاف لبنس مع مواقف ترامب.

حسن اختيار بنس
وفر بنس لترامب ما يفتقده، فهو رجل سياسة من ولاية إنديانا الجمهورية، ويعرف تفاصيل العمل الحكومي من خلال سنوات عمله في مجلس النواب، ويعرف تفاصيل الإدارة الحكومية من خلال عمله حاكما ولاية.

ومثّل تدين بنس وكونه من أهم السياسيين شعبية بين أوساط الإنجيلين المحافظين دعما كبيرا لوصول دونالد ترامب للبيت الأبيض.

يبلغ بنس من العمر 63 عاما، وهو لا يخفي طموحه السياسي تجاه المنصب الرئاسي في المستقبل، تزوج مرة واحدة ولديه 3 أبناء، درس التاريخ قبل دراسة القانون في جامعة إنديانا التي تخرج فيها عام 1986.

عمل مايك بنس بعد أن انهى دراسة القانون، ثم ترأس عام 1991 مؤسسة محلية للأبحاث في ولاية إنديانا، ثم قدم برامج إذاعية وتلفزيونية منذ عام 1994.

دخل بنس معترك السياسة مبكرا، وفشل في ترشحه لعضوية مجلس النواب مرتين عامي 1988 و1990، ونجح لاحقا وانضم للكونغرس عام 2000، ثم انتخب بين عامي 2009 و2011 رئيسا لمؤتمر الحزب الجمهوري، ثم ترك مجلس النواب عام 2012 لينافس على منصب حاكم ولاية إنديانا ويفوز به، إلى أن اختاره الرئيس ترامب نائبا له عام 2016.

كان مايك بنس من مؤيدي الحرب على العراق عام 2003، وعارض مقترحات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لإغلاق معتقلات غوانتانامو، بل دفع لمحاكمة من يُلقى القبض عليهم من الإرهابيين أمام محاكم عسكرية أميركية.

من كاثوليكي إلى إنجيلي
ولد بنس لعائلة أصولها أيرلندية تتبع الديانة الكاثوليكية، وقضى النصف الأول من حياته ملتزما بالتقاليد الكاثوليكية، وكان مثله الأعلى الرئيس الكاثوليكي الديمقراطي السابق جون كينيدي، ثم تحول إلى الطائفة الإنجيلية البروتستانتية، وأصبح ملتزما بتقاليدها المحافظة وتفضيلاتها السياسية، خاصة تجاه محاباة إسرائيل.

وأرجع الكثير من المحللين تغيير بنس عقيدته الدينية إلى رغبته في تحقيق أهداف سياسية خاصة، وذلك مع استحالة تقدمه في الحزب الجمهوري وهو كاثوليكي.

ويعتبر بنس علاقات بلاده مع إسرائيل علاقة بين قوى دينية تجمعها مصالح مشتركة، لكن الأهم هو الأساس الديني العقائدي الذي يزيد قوة علاقة الدولتين.

ويرى مايك بنس نفسه "مسيحيا ومحافظا وجمهوريا بهذا الترتيب" كما ذكر في لقاء مع مجلة تايم، ويعكس ذلك أهمية العامل الديني في حساباته الشخصية والدينية.

وترتبط بهذه التفضيلات مواقف صارمة من بنس منذ بدء مسيرته السياسية قبل ربع قرن، فقد قدم برامج إذاعية في محطات مسيحية محافظة لسنوات، حيث تناول بحماس قضايا الإجهاض وزواج المثليين والقضايا العائلية، وهو ما دفع خصومه للقول إنه يتلقى تعليمات مقدسة في اختياراته السياسية.

لكن بنس -كغيره من الساسة الذين يستغلون الدين- يهمه بالأساس تحقيق الفوز وليس إرضاء الرب كما ذكر أحد المعلقين من ولاية إنديانا.

أثار مايك بنس كذلك جدلا سياسيا أساسه ديني عقب إصداره عام 2015 قانون "حرية الأديان" الذي يسمح لأصحاب الأعمال في ولاية إنديانا بعدم التعامل أو البيع للمثليين جنسيا، وذلك انطلاقا من قناعاتهم الدينية، وهو ما اعتبره كثيرون تمييزا ضد المثليين، كذلك يرفض بنس قانون منح الجنسية الأميركية بصورة آلية للأطفال الذين يولدون فوق الأراضي الأميركية.

 

نفوذه في بيت ترامب الأبيض
يطرح بعض المعلقين تصورا مفاده بأن مايك بنس يتحكم سرا في مساحات واسعة داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، مثل تكليف ترامب له برئاسة فريق العمل الخاص لمواجهة فيروس كورونا المستجد.

فقد منح بنس الانضباط والتنظيم الذي كان تفتقده الجهود الحكومية للتعامل مع أزمة كورونا، لكن جهود الإدارة ونتائجها كانت كارثية بشكل عام، حيث عانت من خلل بيروقراطي واقتتال داخلي.

ويتهم الخبراء البيت الأبيض بتبني إستراتيجية فاشلة تركت الولايات المتحدة بعدد إصابات اقترب من 6 ملايين شخص ووفاة ما يقارب 180 ألف شخص مع نهاية أغسطس/آب الجاري.

ويرجع بعض الخبراء الفشل الأميركي في إحدى نواحيه إلى تردد بنس المفرط في اتخاذ قرارات حاسمة سريعة دون الحصول على موافقة واضحة من الرئيس ترامب.

من ناحية أخرى، يُظهر بنس مهارات قيادية بيروقراطية ضرورية خلال اجتماعاته الأسبوعية من خلال الفيديو كونفرانس مع حكام الولايات الخمسين.

ووصف نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب السابق المقرب من ترامب نائب الرئيس بنس بأنه "أكثر نفوذا حتى من كبار المساعدين مثل جاريد كوشنر صهر الرئيس على الرغم مما يبدو عكس ذلك".

ترقب لحظة 2024
يدرك بنس أن لترامب سيطرة مطلقة على الحزب الجمهوري، ومن شأن تقديم الولاء الكامل له أن يدعم حظوظه الرئاسية عام 2024، حيث لا يمكن التقدم والفوز بترشيح الجمهوريين دون دعم ترامب وقاعدته، خاصة في ظل منافسة شرسة متوقعة من نجوم صاعدة بالحزب مثل السفيرة نكي هيلي والسيناتور توم كوتون والسيناتور ماركو روبيو ووزير الخارجية مايك بومبيو.

ويعترف العديد من حلفاء بنس بأنه إذا خسر ترامب انتخابات 2020 فمن المرجح أن تكون "سلة المهملات" في انتظار نائب الرئيس، في حين سيتغير مصير بنس لو انتصر ترامب في انتخابات 2020، إذ سيكون حينها المرشح الأكثر حظا للتنافس في انتخابات الرئاسية لعام 2024.