العاملات الأجنبيات: لا نستطيع العيش في لبنان بعد الآن
أمضت العاملة الإثيوبية تريك كيبيدا عاما صعبا في لبنان، حيث شهدت الانهيار الاقتصادي ثم انتشار وباء كورونا، إلى أن وقع انفجار مرفأ بيروت ليشكّل الضربة القاصمة، التي جعلتها عازمة على العودة إلى بلدها.
وتقول تريك (22 عاما) "أحب لبنان كثيرا، لكن لا أستطيع العيش فيه بعد الآن".
وفي منزل صغير تتقاسمه مع صديقاتها بمنطقة الكرنتينا المحاذية لمرفأ بيروت، والأكثر تضررا جراء انفجار 4 الشهر الجاري، سقط سقف المطبخ وتصدعت الجدران وتكسرت جميع النوافذ.
وتقول تريك "أخاف أن أنام هنا، ويسقط الجدار فوق رؤوسنا"، مما دفعها إلى الانتقال للسكن مع جاراتها الإثيوبيات في منزل تشققت جدرانه أيضا.
وعلى غرار آلاف العمال الأجانب في لبنان، فقدت تريك وصديقاتها وظائفهن في مقاهي ومتاجر بيروت على مر الأشهر الماضية.
ويعيش آلاف العمال الأجانب أزمات متتالية في لبنان على وقع الأزمة الاقتصادية التي جعلت غالبيتهم عاجزين عن تلقي رواتبهم بالدولار مع انهيار قيمة العملة المحلية، أو تسبّبت بفقدانهم لوظائفهم من دون دفع مستحقاتهم حتى، وفاقمت إجراءات الإغلاق جراء تفشي كورونا الوضع سوءا. وكان انفجار المرفأ المروع الحلقة الأخيرة.
وتقول تريك "ليس هناك عمل، كيف لي أن أطعم نفسي؟"، عدا عن أنها لا تملك المال الكافي لشراء تذكرة العودة إلى بلدها.
ويكاد لا يسلم منزل واحد في الكرنتينا من الأضرار أو حتى الدمار، مما يزيد من ثقل الأعباء على سكانها، وكثير منهم عمال أجانب وسوريون.
ويشكو بعض هؤلاء العمال من أن المساعدات لا تصلهم باعتبار أنهم ليسوا لبنانيين. وتقول هنا، شابة إثيوبية في العشرينيات من العمر، "أتت شاحنة في إحدى المرات لتوزيع صناديق طعام؛ لكنهم قالوا إنها مخصصة للبنانيين فقط".
وما تزال رومان أبيرا (31 عاما) تعيش هول صدمة الانفجار كما لو أنه حدث بالأمس. وتتذكر بالتفصيل مشاعر الخوف التي اعترتها حين اختبأت تحت سيارة، وكيف عادت لتجد فجوة كبيرة في جدار منزلها.
وبعد أكثر من 20 يوما من وقوع الانفجار، ما تزال رومان تقفز من مكانها خوفا كلما سمعت صوتا مرتفعا.
وتقول الشابة -التي تركت طفلها في إثيوبيا من أجل تأمين مستقبله عبر العمل في لبنان- "أتمنى أن يعود لبنان إلى سابق عهده"، لكن بعد الضربات المتلاحقة وآخرها الانفجار "لم يبق هنا أي شيء".
"لا أحد يهتم بنا"
أمام قنصلية غامبيا، هتفت نحو 30 عاملة "نريد العودة إلى بلادنا". منهن من بكت، وأخريات صرخن بأعلى أصواتهن، ومنهن من طرق بقوة على الباب أو رمين عليه التراب؛ لكن الباب بقي موصدا أمامهن.
وتقول فاتو كونتيه، العاملة المنزلية سابقا، بغضب "لا تفعل قنصليتنا أي شيء لترحيلنا، ولا يملك أي منا المال الكافي لشراء تذكرة".
وتتدخل إحدى صديقاتها، من دون الكشف عن اسمها، "نحن هنا كالعبيد، لا نُعامل بشكل جيد، ومستوى العنصرية مرتفع جدا"، مشيرة إلى أن الكثيرين أصيبوا جراء انفجار مرفأ بيروت إلا أن "أحدا لا يهتم بنا".
ويعيش في لبنان نحو 250 ألفا من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء، وينحدر القسم الأكبر منهن من إثيوبيا.
ولا يشمل قانون العمل عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يخضعن لنظام كفالة -تندد به منظمات حقوقية وناشطون- يربط إقامتهن القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل.
ويمنح هذا النظام أصحاب العمل "سيطرة شبه كاملة" على حياة العاملات الأجنبيات، ويجعلهن عرضة لكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة مقابل رواتب ضئيلة تتراوح بين 150 و400 دولار.
ودعت زينة عمار من "حركة مناهضة العنصرية" في لبنان الدول المعنية إلى استعادة مواطنيها، و"تمويل ترحيلهم"، وإعادة العمال الذين لا يملكون وثائق ثبوتية "من أجل الحفاظ على حياتهم".
"فقط لا غير"
وبعد انفجار مرفأ بيروت، سارعت عاملات أجنبيات للانضمام إلى مجموعات المتطوعين في الشارع. وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو أثناء مشاركتهن في تنظيف الشارع، وأخرى وثقتها كاميرات مراقبة لحظة الانفجار، تظهر عاملات سارعن لإنقاذ أطفال في المنازل حيث يعملن.
إلا أن "حركة مناهضة العنصرية" تقول إن السلطات لم تول الاهتمام الكافي للضحايا في صفوف العمال والعاملات الأجانب. وتعد أنهم يتعرضون "للتهميش الممنهج ويُجردون من كامل إنسانيتهم، في حياتهم كما في مماتهم".
وخارج مقر القنصلية الكينية في بيروت، بدأت عشرات العاملات اعتصاما مفتوحا منذ 10 الشهر الجاري للمطالبة بالعودة إلى بلدهن، وبينهن شابة (21 عاما) تروي كيف هربت من منزل كانت تعمل فيه جراء المعاملة السيئة، لتصاب لاحقا جراء انفجار المرفأ.
وتقول "أعطيت القنصلية 600 دولار من أجل التذكرة إلا أنهم لم يفعلوا أي شيء"، الأمر الذي تنفيه القنصلية مؤكدة أنها تبذل جهودا لترحيل الراغبات بالعودة.
وتروي شابة أخرى أن أصحاب العمل رموها بعد الانفجار أمام باب القنصلية من دون جواز سفرها أو حتى راتبها، متذرعين بأن مرضها يجعلها غير قادرة على العمل.
وتقول صديقتها إيميلي (27 عاما) "أيعقل رمي امرأة مريضة في الشارع ليلا؟". وتضيف -بينما تجلس قربها امرأة تحمل طفلا رضيعا- "نريد فقط المساعدة للعودة إلى بلدنا. فقط لا غير".