الرصاص مقابل الكلمات.. لماذا تصاعد اغتيال المحتجين في العراق؟
تتصاعد وتيرة الاغتيالات والخطف في العراق مستهدفة الإعلاميين والناشطين الشباب بشكل يومي، ويستقر الرصاص في أجسادهم تارة، وتطيش إطلاقات أخرى في الهواء تارة أخرى، فكتبت لبعضهم حياة جديدة، وما زال آخرون يتلقون تهديدات علنية كل يوم.
وكانت الناشطة رهام يعقوب -طالبة الدكتوراه في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة في جامعة البصرة- آخر الضحايا، بعد أن اغتيلت في هجوم مسلح الأربعاء، لتلحق بمن سبقها من زملائها النشطاء والإعلاميين. وأثناء عودتها إلى منزلها من مقر عملها، حيث تدير صالة خاصة للياقة البدنية للنساء؛ تصدى لها مسلحون وأفرغوا عياراتهم النارية في جسدها وسط مدينة البصرة، ففقدت الوعي واصطدمت سيارتها في رصيف الشارع وتوفيت في المستشفى متأثرة بإصاباتها.
أثار حادث اغتيال رهام يعقوب غضب كثير من العراقيين، وشهدت المدينة انتشارا أمنيا واسعا، كما وصل وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي مع كبار القادة الأمنيين إلى المدينة للبحث مع المسؤولين فيها عن سبل التصدي لعمليات استهداف النشطاء.
#شهيده_الوطن_رهام_يعقوب pic.twitter.com/KM7IDsL2en
— سيف صلاح الهيتي (@saifsalahalhety) August 19, 2020
تهديدات متكررة
وعلى خلفية هذه الأحداث، أغلقت الهواتف المحمولة لأغلب النشطاء منعا لأي ظهور إعلامي، أو إبداء تصريح، ومنهم من غادر المدينة طلبا للنجاة بأرواحهم، وغيّر آخرون أماكن سكنهم، وهناك محللون أمنيون وسياسيون امتنعوا عن الإدلاء بأي تصريحات، كما توقفت بعض صفحات التواصل الشخصية عن النشر تحسبا لأي طارئ، خشية الاستهداف.
لكن الناشطة لوديا ريمون لم تترك ساحات التظاهر رغم تعرضها لمحاولة اغتيال، مما حفز كثيرا من الناشطات على الالتحاق بحشود المحتجين للمطالبة بالتغيير، ومكافحة الفساد الإداري والمالي المستشري في مفاصل الدولة، وأنقذتها عفويتها وتصرفها خلال استهدافها من خطر الاغتيال.
تقول لوديا "أثناء مغادرتي من منزلي للتوجه إلى مجلس عزاء الناشط تحسين الشحماني، الذي اغتيل على يد مسلحين مجهولين برفقه زميل لي، وأثناء ركوبي السيارة اعترضنا مسلحون بسيارة نوع كراون تويوتا لونها أبيض وأطلقوا علينا النار، سرعتي في ركوب السيارة هي التي أنقذتني، لكن إحدى الرصاصات أصابتني في قدمي، واستقرت أخرى في صدر زميلي".
تعرضت لوديا مع الكثير من النشطاء للتهديد والتصفية، منذ عام 2018، وهي تنشط في المظاهرات، وتركت البصرة فترة، ورجعت إليها بعد ذلك لاستئناف نشاطها في حقوق الإنسان.
بين ساحة التحرير في العاصمة بغداد وساحات التظاهر في مدينة البصرة مطالبات تتوحد وتنسيقيات تتشارك الرؤى في المطالبة بالحقوق المشروعة المتمثلة في محاربة الفساد وتحسين الخدمات وتوفير الحياة الحرة والكريمة للمواطنين.
تصاعد الاغتيال
الناشط ميثم مبارك يتلقى رسائل تهديد مباشرة وغير مباشرة تصل إلى التصفية الجسدية. يقول ميثم " العدالة والمساواة وتفعيل القانون واحترام حقوق الإنسان وتحسين أداء الأجهزة الأمنية والرقابة على الأداء؛ هي أبرز مطالب المتظاهرين، ورغم الاستفزازات ورسائل التهديد نستمر في المطالبة".
وردا على سؤال عن أسباب تصاعد عمليات اغتيال المحتجين هذه الأيام، يجيب مبارك إن أحد الأسباب هو دعم الحراك الشعبي لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهدف تغيير العملية السياسية وتعديل الدستور العراقي وقانون الانتخابات، لأن ذلك سيكشف مدى التزوير الذي حصل سابقا في صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أن تزايد الاغتيالات يتزامن مع زيارة الكاظمي إلى واشنطن؛ في محاولة ممن يقفون وراءها لممارسة الضغط عليه.
ويضيف مبارك أن هناك دوافع سياسية أخرى وراء تصاعد الاغتيالات، متمثلة في زعزعة استقرار الوضع السياسي والأمني في البصرة، وتقف وراء ذلك أجندة خارجية تضررت مصالحها بعد إحكام سيطرة الحكومة العراقية على المنافذ الحدودية والموانئ العراقية.
وتعليقا على ذلك، قال رئيس اللجنة الأمنية العليا في البصرة المحافظ أسعد عبد الأمير العيداني إن عمليات الاغتيال الأخيرة تحمل طابعا إجراميا، قد يتعلق بجوانب أمنية كثيرة تم بحثها مع وزير الداخلية والعمليات المشتركة.
من جهته، شدد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا على ضرورة التوصل إلى الجناة المسؤولين عن حوادث الاغتيالات ودعم المؤسسات الأمنية في المحافظة، مشيرا إلى أن أوامر صدرت للجهات المعنية بمنع مرور العجلات المظللة، التي لا تحمل لوحات ولا تخويلا رسميا لقطع الطريق أمام الخارجين عن القانون لاستخدامها في عملياتهم.