قرار محكمة اغتيال الحريري.. كيف انعكس على الشارع والساحة السياسية في لبنان؟

طغى قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري على كل الأحداث التي تضج بها البلاد منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الجاري.
ولئن طغى الجدل السياسي بشأن الموضوع بدا لافتا شعبيا أن قرار المحكمة لم يشكل أي ردة فعل على الأرض من أنصار فريقي حزب الله وتيار المستقبل، ولم يلحظ الشارع أي تحركات بعد الانتهاء من نطق قرار المحكمة وكلمة رئيس الحكومة السابق وتيار المستقبل بقوى 14 آذار سعد الحريري، خلافا للتوقعات التي فرضت تدابير أمنية مشددة تحسبا لأي توتر محتمل.
ورغم أن المحكمة أدانت فقط المتهم سليم جميل عياش في قضية اغتيال رفيق الحريري وبرأت في المقابل كلا من حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا معتبرة أياهم "غير مذنبين" فإن أغلب قوى 14 آذار اعتبرت أنه بمعزل عن عدد المدانين فإن مجرد الحكم على سليم عياش يعتبر إدانة لحزب الله.

فكيف تجلت القراءات السياسية والقانونية الأولية لقرار المحكمة؟
خيبة أمل
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي جوني منير أن قرار المحكمة في مضمونه "بدا ضعيفا"، وأن النتائج التي توصلت إليها لا تخولها أكثر من ذلك، ولا سيما أن التحقيقات قامت فقط على تحليل شبكة داتا الاتصالات.
وقال منير للجزيرة نت "كانت جلسة المحكمة عبارة عن تحليل سياسي ضعيف، وقرارها شكّل خيبة لعدد من قوى 14 آذار الذين كانوا ينتظرون حقائق أقوى من ذلك".
أما في البعد السياسي فيعتبر منير أن عدم إدانة حزب الله كتنظيم وسوريا كدولة "هو تمهيد للتهدئة معهما، إن لجهة التفاوض مع حزب الله ومن خلفه إيران، وإن لجهة ضمان استمرار النظام السوري"، كما ويجزم منير أن حزب الله لن يسلم عياش للعدالة مهما كلف الثمن.

إدانة لحزب الله
هذه القراءة يختلف معها النائب السابق فارس سعيد (أحد أبرز قوى 14 آذار سابقا)، ويعتبر أن قرار المحكمة الدولية يشكل إدانة صريحة لحزب الله انطلاقا من تأكيده أن سياق الجريمة ذو طابع سياسي، وجاء بعد مؤتمر بروكسل الذي كان مخصصا لإجلاء الوجود السوري العسكري من لبنان آنذاك.
وقال سعيد للجزيرة نت "ليس من اختصاص المحكمة أن توجه اتهامات لتنظيمات ودول، وإنما هذا اختصاص أهل السياسة انطلاقا من ربط الأمور التي صدرت عن المحكمة".
ويرى سعيد أن المجتمع الدولي قد يرتكز على قرار المحكمة الدولية لتضييق الخناق على حزب الله، وهذا ما يطالب به معظم اللبنانيين.
في المقابل، شكلت كلمة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري قوة دفع لأنصاره ومؤيديه، ولا سيما قوله "مطلوب التضحية من حزب الله، لأن المعتدين من صفوفه، ولن نستكين حتى تنفيذ القصاص، واضح أن شبكة المنفذين من حزب الله، ولن نقبل بجعل لبنان مرتعا للقتلة والإفلات من العقاب".
فك ربط النزاع
وفي السياق، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد نمر أن ترجمة قرار المحكمة في السياسة تدين حزب الله وسوريا بطريقة غير مباشرة لا لبس فيها.
وقال نمر للجزيرة نت "كان الرئيس الحريري واضحا بتحديد هوية انتماء المتهم عياش، وكان كافيا أن نعرف اسم واحد من الشبكة عبر المحكمة، فيما المحاولات كانت واضحة لطمس الحقائق من قبل حزب الله والنظام المليشياوي في إبقاء القتلى مجهولي الهوية".
وأشار إلى أن الحريري في كلمته كأنه مهّد لنوع من فك ربط النزاع مع حزب الله "أو لن يبقى قائما بصيغته السابقة بعدما ثبت أن حزب الله يستمر منذ 15 عاما على ضرب منطق الدولة وتنفيذ الأجندة الإيرانية في لبنان بأخذه للخراب".
وأضاف نمر "لم يكن ربط سعد الحريري قرار المحكمة بالمطالبة بكشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت عرضيا، ولا سيما بعد تعدد الروايات حول الانفجار، واحتمال أن يكون عملا إرهابيا، وهو ما قد يعجز القضاء اللبناني عن كشفه، فيما استطاعت المحكمة الدولية أن تكشف الحقيقة".
مغالطات وملاحظات
قانونيا، يرى الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية والقانون الدولي علي فضل الله أن ثمة مغالطات وملاحظات كثيرة على أداء المحكمة الدولية منذ القرار الأول الذي صدر عنها وصار وثيقة دولية، وصولا إلى القرار الصادر عنها اليوم.
ووفق حديث فضل الله للجزيرة نت، فإنه "طوال مسار المحكمة على مدار 15 عاما كان هناك اختلال واضح في عملها، كقضية الشهود الزور والضباط الأربعة الذين أدينوا ثم تم إخلاء سبيلهم من دون اتضاح السبب، كما أن المحكمة بالمعنى الدستوري اللبناني فيها إشكال كبير، لأنها صدرت عن مجلس الأمن خارج سلطة رئاسة الجمهورية ومجلس النواب".
ومن الأسئلة الكبرى التي يطرحها فضل الله على المحكمة هو "اختراق داتا اتصالات اللبنانيين، في اختراق واضح لهم عن طريق إسرائيل، وهي عدوة في لبنان".
كما أن المحكمة -وفق أستاذ القانون الدولي- لم تشرح سبب توجهها إلى سوريا بالاتهامات ثم إبعادها، وقال "حين نحكي عن محكمة دولية تدعي أنها تطبق أعلى معايير العدالة الدولية يجب أن تعلل كل أسباب شبهاتها، سواء استمرت بها أو تراجعت عنها، أما ما رأيناه فكان على طريقة عمل الأجهزة الأمنية اللبنانية وعمل محكمة عادية، ولا سيما أن الاتصالات قانونيا هي مجرد قرينة، ولا يمكن اعتمادها لإصدار شبهة أو إدانة".
لكن، كيف سيتعامل حزب الله في لبنان مع قرار المحكمة التي لم تدينه بشكل مباشر؟ أجاب فضل الله "المحكمة في نظامها تتهم أفرادا فقط، لكن الأمر لن يغير شيئا بالنسبة لحزب لله، لأنه لا يثق بالمحكمة إطلاقا ولا تعنيه نتائجها، وهو يبقى مرتابا منها، لأنها لم تنته بعد، وهناك وكلاء دفاع سيستأنفون الحكم مجددا".