تحرش يوناني مصري فرنسي يقابله تهديد تركي.. تصعيد عسكري بشرق المتوسط ينذر بمواجهة إقليمية

شهد شرق البحر المتوسط تصعيدا عسكريا جديدا ينذر بمواجهة بين القوى الإقليمية المتنافسة، حيث تقف تركيا وحيدة في مواجهة اليونان ومصر وإسرائيل وفرنسا.
وذكرت وسائل إعلام تركية، أن مقاتلات فرنسية حلّقت في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها اليونان، في الوقت الذي تواصل فيه سفينة "عروج رئيس" التركية أعمال البحث في شرق المتوسط.
هذا التصعيد المتسارع يطرح أسئلة تتعلق بما تستند عليه تركيا في مواجهتها لعدة دول بالمنطقة، وهل يجري استدراجها لأزمة تستنزفها لإشغالها عن ملفات أخرى في سوريا وليبيا؟
تحرش ووعيد
وقد أفادت وزارة الدفاع الفرنسية بأنها نشرت بشكل مؤقت مقاتلتين من نوع رافال وسفينتين عسكريتين شرق المتوسط، على خلفية التوتر المتصاعد بين اليونان وتركيا بسبب الخلاف بشأن التنقيب عن الغاز.
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع التركية، في تغريدة نشرتها مساء أمس عبر حسابها على تويتر، أن قواتها البحرية تواصل حماية سفينة التنقيب "عروج رئيس" في مياه البحر المتوسط.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن عن تعزيز وجود بلاده العسكري شرق المتوسط، وأكد أن الوضع شرقي المتوسط يبعث على الانشغال، وأن أعمال التنقيب التركية الأحادية تثير توترات، وفق قوله.
في المقابل، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس أن بلاده ردت على جميع محاولات الاعتداء عليها. وقال "قدّمنا ردنا على هذه الهجمات باللغة التي يفهمونها، عبر العمليات التي نفذناها شمالي العراق وسوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط".
وأضاف أردوغان "أيضا رددنا، وقلنا لهم إياكم والاعتداء على سفينتنا عروج رئيس، فإن أقدمتم على ذلك فستدفعون ثمنا باهظا، وهاهم تلقوا أول رد منا".
وذكرت وسائل إعلام تركية أن فرقاطة يونانية تدعى "ليمونوس" حاولت التحرش بـ"عروج رئيس" إلا أن القوات البحرية التركية تدخلت وأجبرت الفرقاطة على الابتعاد من المنطقة بعد أن تعرضت لأضرار.
والأربعاء، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز بدء سفينة "عروج رئيس" أعمال المسح السيزمي ثنائية الأبعاد شرق المتوسط.
وكان رئيس الوزراء اليوناني حذّر الأربعاء من إمكانية انزلاق الأوضاع شرق المتوسط نحو وقوع حادث عسكري بسبب وجود قوات عسكرية كبيرة في مكان محدود، لافتا إلى أن اليونان ليست وحدها في هذه المواجهة مع تركيا.
وتختلف تركيا واليونان، العضوان في حلف شمال الأطلسي، بشدة بشأن تداخل مطالباتهما بالسيادة على موارد الطاقة بالمنطقة، وتصاعد التوتر منذ بدء أنقرة عمليات تنقيب في منطقة متنازع عليها بالبحر المتوسط يوم الاثنين.

تركيا تتحدى
وفي هذا السياق، ذكر القيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم رسول طوسون أن تركيا تستند إلى الشرعية الدولية في شرق المتوسط، وتدافع عن حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك بعدما وقعت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا بشكل قانوني وسجلتها في الأمم المتحدة.
وقال طوسون للجزيرة نت "أنقرة عازمة على الدفاع عن حقوقها وستواصل عملها في شرق المتوسط متحدية ومترصدة لاستفزازات الدول التي تتصرف خلافا للقانون الدولي، كما لدينا الخطة والقدرة على مواجهة تلك الدول في شرق المتوسط إذا ما بادرت بافتعال أي عمل عسكري ضدنا".
ولفت إلى أن تركيا تريد معالجة القضية بالطرق السلمية، وأشار في السياق إلى دعوة أردوغان الأربعاء إلى حل يرضي جميع الأطراف المعنية.
وقال إنه بينما كانت أنقرة تستعد لمحادثات دبلوماسية مع أثينا بوساطة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فإذا باليونان توقع اتفاقية "غير شرعية" مع مصر، مما اضطر تركيا للعودة إلى عملية التنقيب.
وأضاف الناب السابق طوسون أن القضية بالنسبة لفرنسا واليونان ومصر ليست تنقيبا عن المحروقات بشرق المتوسط، بل لها أبعاد أخرى تتمثل في الضغط على تركيا كي تتنازل في ملفات ليبيا وسوريا والعراق، موضحا أن إسرائيل تستغل الفرصة لصالحها.
وتابع أن تركيا تدرك الأبعاد كلها، وأنها وضعت خططا للتعامل مع كل السيناريوهات، واعتبر أن تركيا تثق بحكومتها وجيشها ولن تخضع للضغوط، وستفشل ما وصفها بمؤامرات دول إقليمية تعمل ضدها.
بين العسكري والدبلوماسي
من جهته، يرى الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن تركيا تسعى من خلال مواجهتها العديد من الدول الإقليمية في المنطقة لأن يكون لها نصيب في ثروات الغاز وموارد الطاقة الأخرى في البحر المتوسط عبر إعادة ترسيم الحدود البحرية بطريقة أكثر إنصافا لها.
وقال عودة أوغلو للجزيرة نت "تستند الرؤية التركية على ضرورة حل المسألة القبرصية أولا، ومن ثم توزيع ثروات الطاقة، لذا فقد رفضت بشدة الاتفاقية البحرية بين مصر واليونان الموقعة مؤخرا".
وأضاف أن الدبلوماسية التركية نشطت خلال الأيام الأخيرة على الرغم من التصعيد الفرنسي ومحاولة باريس تجييش الاتحاد الأوروبي، لافتا إلى الاتصال الذي جرى أمس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وبحثا خلاله المستجدات شرق البحر المتوسط، فضلا عن لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
وأوضح الباحث التركي أن أنقرة توجه رسائل عبر التصعيد العسكري من جهة والحراك الدبلوماسي من جهة أخرى للتأكيد على أنه لا يمكن استبعاد دولة كبيرة مثل تركيا من المعادلة، وأن الحوار هو الحل الوحيد لهذه الأزمة.
وكانت تركيا وقّعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا حول التعاون الأمني والعسكري وتحديد مناطق النفوذ البحري في البحر المتوسط، الأمر الذي أثار حفيظة مصر واليونان وقبرص (اليونانية).