بعد التحقيق باختلالات.. هل تواجه السلطة الجديدة بالجزائر "ثورة مضادة"؟
في عزّ عيد الأضحى المبارك، استيقظ سكان العاصمة ومدن كبرى بالجزائر على انقطاع الكهرباء ومياه الشرب، وحاصرتهم الحرارة بفعل نيران كثيفة منبعثة من حرائق الغابات، في حين تواصلت معاناتهم مع ندرة السيولة المالية بمراكز البريد وبعض البنوك.
لم يتأخر ردّ فعل الحكومة كثيرا على تلك الحوادث، حيث خرج الوزير الأول عبد العزيز جراد ليطلع الجزائريين على "كشف مؤامرة لخلق الفتنة"، مؤكدا أن ما جرى كان بفعل فاعل، بل صرّح بأن "هناك من حاول منع دخول وخروج شاحنات السيولة من وإلى المؤسسات المالية".
وسبق للحكومة قبل أسابيع أن اتهمت أطرافا وصفتها بالمحرّضة على الفوضى -من دون تحديد هويتها- بأنها تقف وراء إرباك قطاع الصحة، وحمّلتها مسؤولية رمي جثث ضحايا كورونا خارج المستشفيات لتأليب المواطنين.
في غضون ذلك، أعلن الرئيس عبد المجيد تبّون -خلال آخر اجتماع لمجلس الوزراء- تفكيك شبكة متورطة في تحطيم الأعمدة الكهربائية بولاية البويرة (100 كيلومتر شرق العاصمة)، ليأمر الحكومة بالإسراع في استكمال التحقيقات الجارية بشأن كافة الوقائع والاختلالات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة، وإطلاع الرأي العام على نتائجها.
تحديات ومخاطر
هذه المؤشرات الخطيرة التي فاقمت حالة الاحتقان الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، طفت فجأة بخطاب الثورة المضادة إلى الواجهة، وهو ما صرحّ به لأول مرة مسؤول رسمي، ممثلا في الرئيس الأول بالمحكمة العليا عبد الرشيد طبّي، حيث أكد الأحد الماضي أن "الجزائر تشهد ثورة مضادة لمكتسبات الحراك الشعبي".
وعلى هذا المنوال، صاغت "مبادرة القوى الوطنية للإصلاح" -المعلنة هذا الثلاثاء- خطابها الافتتاحي، حيث قال ممثلها عبد القادر بن قرينة "إن بلادنا ما تزال تواجه تحديات ومخاطر صعبة في طريق استكمال مسار التحول الديمقراطي الآمن وتعزيز استكمال الشرعية المؤسساتية، وذلك لوجود إرادات وقِوى مضادة تريد أن تعرقل المسار الوطني للإصلاح، وتعمل على إعادة الجزائر إلى منظومة هيمنة العصب والفساد".
في المقابل، ترفض أطراف فاعلة في الحراك خطاب السلطة التبريري، وتفسر ما يحدث بالعجز في تدبير الشأن العام، بل إنها تنعت ممارسات النظام الجديد بالثورة المضادة الفعلية، وهو ما يطرح -حسب مراقبين- سؤالا جوهريا حول معالمها والمتهم الحقيقي بافتعالها ومن المستفيد منها؟
قرارات معطلة
وتفاعلا مع تلك التساؤلات، قال منسق "المبادرة الوطنية من أجل التغيير السلمي" عبد القادر بريش إن الثورة المضادة تتجلى في مظاهر البيروقراطية وقوى مقاومة الإصلاح المتمترسة في مختلف أجهزة الدولة، حيث إن كثيرا من القرارات المتخذة على أعلى المستويات لا تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع.
واعتبر أن ذلك يخلق فجوة بين الخطاب السياسي في أعلى هرم الدولة والواقع اليومي للمواطن، "مما يفقدها الثقة والمصداقية، وهذا ما أشار إليه رئيس الجمهورية بأن قوى بيروقراطية تعطل قرارات الحكومة".
وأوضح بريش في تصريح للجزيرة نت أن الثورة المضادة تقودها شبكة المصالح الاقتصادية والمالية في الداخل والخارج، و"التي استفادت من الوضع خلال فترة عصابة النظام البوتفليقي الفاسد".
وأكد أنها "تريد وضع العصا في عجلة الإصلاحات التي ينوي الرئيس مُباشرتها، خاصة في الجانب الاقتصادي، لتجفيف منابع الريع والامتيازات التي كانوا يستحوذون عليها لنهب المال العام".
مجموعات ضغط
كما اعتبر أن الثورة المضادة يقودها أشخاص، ومن ورائهم مخابرات أجنبية، ترى أن التوجه الجديد للسلطة لا يخدم مصالحها ويقلل نفوذها في الجزائر، وهنا يشير المتحدث إلى "اللوبي الفرنسي الذي كان يهيمن على القرار السياسي، والاقتصادي على وجه الخصوص، في ظل النظام السابق".
وأضاف بريش أن القوى المضادة تقودها بقايا الدولة العميقة المتحالفة مع التيارات العلمانية المرتبطة بأجندات خارجية، "بعدما فشلت في فرض أجندتها لتعطيل المسار الدستوري لصالح المرحلة الانتقالية".
أكثر من ذلك، يتهم بريش نشطاء في الحراك وحقوقيين بتفعيل الثورة المضادة من أجل الاستقواء بالشارع وتقويض مكاسب التغيير بعد إسقاط حكم بوتفليقة ومتابعة "العصابة" ورؤوسها القابعة بالسجون، على حد تعبيره.
دور الضحية
غير أن البرلماني عن حركة "مجتمع السلم" ناصر حمدادوش يرفض جمل وتفصيلا التسليم بحجة السلطة، معتبرا الادّعاء بأن ما حدث من حرائق وانقطاع للكهرباء والماء والسيولة النقدية وقطع الأكسجين عن المستشفيات هو مؤامرة تستهدف السلطة الجديدة وثورة مضادة عليها؛ يمثل في رأيه سذاجة سياسية وإخراجا سيّئا وتلاعبا بعواطف الرأي العام.
وقال إن "السلطة تريد لعب دور الضحية لتبرير الفشل والإخفاق وحالات الفوضى والارتجالية في تسيير أزمات بسيطة ومقدورٍ عليها"، مشدّدا على أنه "يُفترض فيها مصارحة الشعب بحقيقة ما يحدث، لا التلاعب بمشاعره والحديث بطلاسم وألغاز"، قبل أن يتساءل: "هل يُعقل ألا يُكشف بكل بساطة المتسبّب في هذه الكوارث المتكررة منذ ما يقارب شهرين؟"
في المقابل، اعتبر حمدادوش في تصريح للجزيرة نت أن السلطة الجديدة في الجزائر لا تمثل الحراك الشّعبي، وليست امتدادًا له، ولا تشتغل على تحقيق مطالبه، وقد "كشفت مسودة الدستور أنها هي التي تمثّل الرّدة السياسية والحالة الانقلابية والثورة المضادّة للحراك المبارك"، وفق تعبيره.
ويعتقد حمدادوش أن السلطة تعمل على خلْق عدوٍّ داخليٍّ مصطنع، لتسهيل بيع وَهْمها للخارج، وتبرير انقلاباتها على الديمقراطية، والتلاعب بالإصلاحات السياسية، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان والحرّيات، وتصفية الخصوم والمنافسين، واستبدال الشرعية الشعبية بشرعية مكافحة هذا الشبح الداخلي عبر نظرية المؤامرة.
وأضاف أن الفكرة المكثفة للثورة المضادّة هي التضليل السّاذج بركوب خطاب الشعبوية، الذي يستند عادةً إلى التسرع في اتهام الثورة الشعبية السلمية بأنها مؤامرة كونية وأجندات أجنبية، تحرّكها أياد خارجية وتحمل أهدافًا مشبوهة، بينما يمثل النظام السياسي قمّة الارتهان للعامل الخارجي والتحالف العضوي مع القوى الدولية عدوة الشعوب العربية، وخصم الحرية والديمقراطية لها، على حد وصفه.