"انحرف بالدستور وانقلب على النظام السياسي".. الرئيس التونسي في مرمى انتقادات الأحزاب
يواجه الرئيس التونسي قيس سعيد اتهامات من قبل الأحزاب الكبرى بالانحراف عن روح الدستور والنظام السياسي القائم، بعد أن اختار رئيس وزرائه المكلف تشكيل حكومة كفاءات غير سياسية تقطع مشاركة الأحزاب في السلطة.
وبحسب كثيرين، لم يكن حديث المكلف بتشكيل الحكومة هشام المشيشي عن فقدان الشعب الثقة في النخب السياسية، ومضيه في تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة، بمعزل عن موقف معلن لرئيس الجمهورية قيس سعيد الرافض للمنظومة الحزبية برمتها وللنظام السياسي القائم في البلاد.
وكثيرا ما حمل الرئيس المؤيد لتطبيق الديمقراطية الشعبية والمحكومة بمنظومة الحكم المحلي، نواب البرلمان مسؤولية الفشل الاجتماعي والاقتصادي الذي ترزح تحته البلاد.
وسبق أن لوح سعيد بحل البرلمان على خلفية تصاعد الخلافات بين الكتل البرلمانية، والتي وصلت حد تعطيل أشغاله، مشددا حينها على امتلاكه جميع الوسائل القانونية لإنهاء ما وصفها بالفوضى داخله.
وكانت قيادات حزبية وشخصيات سياسية قد وجهت انتقادات لاذعة للمشيشي ولقيس سعيد، محذرة من محاولة ترذيل الأحزاب والانقلاب على النظام السياسي الحالي، ونقل سلطة القرار من البرلمان إلى قصر قرطاج.
تم النشر بواسطة الأستاذ سيف الدين مخلوف Seif Eddine Makhlouf في الثلاثاء، ١١ أغسطس ٢٠٢٠
ويتعارض موقف سعيد في المضي نحو تكوين حكومة كفاءات مستقلة مع تصريحات سابقة له قبل جلوسه على كرسي الرئاسة، حين وصف في حوار مع موقع "إسباس ماناجر" المحلي الصادر بالفرنسية في 27 يوليو/تموز 2014 حكومة التكنوقراط " بالكذبة والمراوغة الكبيرة "منتقدا حينها حكومة رئيس الوزراء السابق مهدي جمعة.
وقال سعيد إنه "لا توجد حكومة تكنوقراط وأي عضو في الحكومة لا يمكن أن يكون إلا سياسيا" مشيرا في الحوار ذاته إلى أن حكومة الكفاءات التي قادت المرحلة الانتقالية للبلاد فرضتها الأزمة السياسية حينها.
تمرد على الدستور
واتهم رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف في حديثه للجزيرة نت رئيس الجمهورية "بالتمرد على الدستور وعلى النظام البرلماني"، من خلال تجاهله لمقترحات الأحزاب وإقصائها من الحكومة القادمة.
وأكد مخلوف رفض كتلته بشكل قاطع خيار المشيشي في الذهاب نحو حكومة كفاءات مستقلة وتجاهل التوازنات داخل البرلمان، موجها أنصاره للاستعداد لانتخابات تشريعية مبكرة إذا لم تحظ حكومة المشيشي بالثقة في البرلمان.
من جانبه، وصف رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي في تصريحات إعلامية محلية، حكومة المشيشي بأنها "حكومة رئيس الجمهورية"، مطالبا قيس سعيد بتحمل مسؤوليته وتقديم برنامجه وتوجهه ورؤيته الاقتصادية.
واعتبر القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام أن غياب تركيز المحكمة الدستورية التي يفترض أن تلعب دورا تحكيميا بحال نشوب أي خلاف بين السلطة التنفيذية والتشريعية، فتح الباب واسعا أمام هذا الصراع حول طبيعة النظام السياسي القائم في البلاد، مشددا على ضرورة أن تعبر خيارات رئيس الحكومة المكلف عن الأغلبية البرلمانية والتوازنات الانتخابية.
وتابع في حديثه للجزيرة نت "الأصل في الأشياء أن يكون رئيس الجمهورية هو الضامن للدستور ولذلك كنا قد نبهنا لمخاطر عودة عقارب الساعة إلى الخلف بالحديث مجددا عن تغيير النظام السياسي".
وشدد عبد السلام على أن حزبه ليس في خصومة لا مع رئيس الجمهورية ولا مع رئيس الحكومة المكلف لكن الاختلاف يكمن في التوجه حول طبيعة الحكومة القادمة.
ترذيل الأحزاب خطر على مسار الانتقال الديمقراطي … تشكيل حكومة متكونة من التكنوقراط فقط سيكون خطأ حسب رأيي. فالحكومة…
تم النشر بواسطة Hichem Ajbouni Ajbouni في السبت، ٨ أغسطس ٢٠٢٠
وخلص بالقول "نحن أمام خيارين إما أن نقول لرئيس الجمهورية هذه حكومتك وعليك تحمل مسؤولية خياراتك، أو أن تجتمع الأحزاب وتعلن رفضها لهذه الحكومة ولا تمنحها الثقة ونمضي نحو انتخابات تشريعية نحن أكبر المستفيدين منها رغم الكلفة الباهظة التي سيتحمل عبئها الشعب".
ذهاب رئيس الحكومة المكلف ومن ورائه الرئيس قيس سعيد نحو استبعاد جميع الأحزاب من الحكم، حتى الداعمين له على غرار حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، دفع بقياداتها للخروج عن صمتها والتحذير مما وصفوه بـ"سياسة العقوبة الجماعية للأحزاب".
وأقر النائب عن التيار الديمقراطي نبيل حاجي في حديثه للجزيرة نت بأن المشهد السياسي الحالي أصبح يحيل على النظام الرئاسي "حيث بات رئيس الجمهورية هو المالك لزمام المبادرة بتكليف رئيس الحكومة هشام المشيشي بتكوين حكومة مستقلة عن كل الأحزاب"، وفق قوله.
ولفت الحاجي إلى أن هذه الوضعية تضع الأحزاب في مأزق كبير في أخذ قرار بمنح الحكومة الثقة أو إسقاطها في البرلمان، في ظل غياب أي تصور واضح لبرنامج عملها ولتركيبة وزرائها.
فرصة ذهبية
في المقابل، مثلت حدة التجاذبات السياسية والصراع داخل البرلمان بين الأحزاب بحسب مراقبين فرصة ذهبية تلقفها الرئيس قيس سعيد ليكلف مستشاره القانوني هشام المشيشي برئاسة الحكومة، ويمسك بخيوط اللعبة السياسية ويجمع بين رأسي السلطة التنفيذية في قصر قرطاج والقصبة.
وفي هذا الإطار يقول الباحث والأكاديمي سامي براهم للجزيرة نت إن قيس سعيد لا يؤمن بالمنظومة السياسية القائمة التي فرضها الدستور، لكنه في المقابل وعد بالسهر على احترام الدستور.
وشدد على أن "رئيس الجمهورية وعلى عكس ما يقال لم يقم بعملية سطو على صلاحيات الأحزاب حين أقصاها من حكومة المشيشي، بل هي التي تنازلت عن صلاحياتها التي منحها لها الدستور حين فشلت أكثر من مرة في تشكيل الحكومات، حكومة الحبيب الجملي مثالا، وغرقت في تجاذباتها الحزبية".
وأشار إلى أنه أمام رئيس الجمهورية فرصة ثمينة لتطبيق مقتضيات الدستور بشكل حرفي واستغلال الثغرات التي خلفتها الأحزاب لتنفيذ رؤيته السياسية في كيفية إدارة الشأن العام.
واستدرك براهم "ما يلام على الرئيس أنه لم يراع في اختيار الشخصية الأقدر روح الدستور ومدى قدرة المشيشي على تجميع الأغلبية البرلمانية بل وضع الجميع تحت الأمر الواقع".
وأشار براهم إلى أن حكومة التكنوقراط ليست مؤهلة لمعالجة الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم، في ظل غياب حزام برلماني يدعمها، معربا عن خشيته في أن يكون مرورها مجرد حبل نجاة للأحزاب لتفادي سيناريو حل البرلمان ومن ثمة سحب الثقة من الحكومة في أول فرصة.
ويعطي الفصل 89 من الدستور لرئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، في حال لم يمنح نواب الشعب الثقة في حكومة المشيشي.
وفي الأثناء، يواصل رئيس الحكومة المكلف مشاوراته مع الكتل البرلمانية، حيث التقى رئيسة الدستوري الحر عبير موسي التي أعربت على غير العادة عن استعدادها للتفاعل إيجابيا وطرح رؤية حزبها في علاقة بالحكومة القادمة شرط مواصلة إقصاء حركة النهضة منها.