تشريعيات 2021 في المغرب.. مطالب بالإصلاح الانتخابي وانتقادات لأداء الأحزاب
في صيف استثنائي مثقل بتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومع دخول المرحلة الثالثة من تخفيف الحجر الصحي في المغرب؛ بدأت الحياة تدب تدريجيا في أوصال مختلف القطاعات والمؤسسات الحيوية، وهبت معها رياح انتخابات 2021، بما تحمله من جدل ونقاش، وما تختزنه من رهانات وتحديات.
وبعد حسم الجدل السابق إزاء توقيت الاستحقاقات الانتخابية التي ستعرفها البلاد العام المقبل، اعتبرت وزارة الداخلية في بيان أن عام 2021 سيكون سنة انتخابية بامتياز؛ "سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، وانتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان".
وانطلقت مرحلة تبادل الرؤى حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتشاور حول القوانين المنظمة للانتخابات، وتبارت الأحزاب السياسة في تقديم مذكرات تعرض فيها تحليلها للواقع السياسي ورهاناته، وتصوراتها للإصلاح ومقترحاتها بشأن تدبير الاستحقاق، مما أثار تساؤلات عن أبرز سمات المرحلة السياسية، ومستجداتها، وعن أهم النقاط المثارة في المذكرات الحزبية لسنة انتخابية قد تكون استثنائية.
رهانات وتحديات
وفي السياق، يرى مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح أن "الانتخابات المقبلة انتخابات من دون رهانات سياسية كبرى، لا تأتي في سياق إصلاحات، أو تحول ديمقراطي، بقدر ما هي انتخابات تقنية لتدبير الأزمة".
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يعتبر مصباح أن الدولة المغربية تريد ربح رهان الاستقرار المؤسساتي، وتعول على الانتخابات كأداة لامتصاص تداعيات الأزمة، وتجاوز الاحتقان الاجتماعي وتنفيسه.
من جانب آخر، علق أستاذ القانون الدستوري رشيد لزرق بالقول إن المشهد السياسي الحزبي تسوده الضبابية، وأن الأحزاب لم تستطع مسايرة الإصلاح الدستوري، وأضاف لرزق في حديثه للجزيرة أن الأحزاب ونُخبها ليست في مستوى الدستور، مشيرا إلى أن الأحزاب -خلال مواجهة جائحة كورونا- كانت تنتظر الإشارات، ولم تقدم مبادرات.
وفي كل استحقاق انتخابي، تتجدد التحديات نفسها: تعزيز الثقة في الأحزاب والعمل السياسي ورفع نسب المشاركة، وأيضا السير الجيد للانتخابات. كما تطفو على السطح النقاط الخلافية ونقاط الاتفاق بين الأحزاب السياسية في مقترحاتها للإصلاح.
مذكرات وتوصيات
وتقدمت الأحزاب المغربية، سواء الممثلة في البرلمان أو غير الممثلة، بمذكرات تتضمن مجموعة من المقترحات المتعلقة بانتخابات 2021، حيث بسطت من خلالها تصورها للعملية الانتخابية، وتلاقت في بعضها وتعارضت في أخرى، وطفت على السطح مطالب بتخفيض العتبة وإلغائها، والعودة إلى النظام الفردي كنمط من الاقتراع بدل اللائحي، وتدبير الزمن الانتخابي، وكذلك الدعم العمومي ومشاركة مغاربة الخارج، ونسبة النساء والشباب.
وطالب حزب العدالة والتنمية -الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي- في مذكرته حول الانتخابات بالحرص على نزاهتها، ومواصلة ترسيخ وصيانة المسار الديمقراطي بالبلاد.
وأكدت مذكرة الحزب أنه "من بين التحديات التي يمكن أن نواجهها في الاستحقاقات المقبلة هو كيفية رفع منسوب الثقة في المؤسسات، وتجنب تدني الاهتمام بالسياسة والانخراط في العمل السياسي". وطالبت المذكرة "بالتصدي لمحاولات الارتداد، وعودة بعض الممارسات والأساليب التي أساءت لبلادنا في الفترات السابقة".
ومن الجانب التدبيري والإجرائي، دعا "العدالة والتنمية" لإجراء الانتخابات الجماعية والجهوية والمهنية من جهة، والانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب من جهة أخرى، في فترتين زمنيتين منفصلتين، ومراجعة اللوائح الانتخابية الحالية.
وطالب الحزب بـ"توسيع نمط الاقتراع باللائحة وفق أكبر بقية، واعتماد عتبة 6%، والاحتفاظ بعتبة 3% بالنسبة لدائرة اللائحة الوطنية".
مذكرة ثلاثية
في المقابل، قدمت 3 أحزاب معارضة مذكرة بشأن الإصلاحات السياسية والانتخابية، في ندوة مشتركة، اعتبرت فيها أن اتفاق الأحزاب الثلاثة (الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية) على المدخل السياسي للإصلاحات يعد أمرا أساسيا.
وأشارت مذكرة الأحزاب الثلاثة إلى أن البلد يعيش "مرحلة دقيقة وتحديات داخلية وخارجية، تستدعي تقوية الدولة الوطنية الديمقراطية، بمؤسساتها السياسية والدستورية والمنتخبة، وتقوية الأدوار الدستورية للأحزاب السياسية".
وقالت المذكرة إن "الفاعل الحزبي وكذلك الفاعل العمومي في المجال السياسي لم يتجاوبا بالشكل الكافي مع روح الديمقراطية التي جاء بها الدستور، حيث لم تتم أجرأة (تنفيذ) هذا الاختيار بكامل جرعاته في العمل السياسي، وفي تدبير الشأن العام، حيث استمر الاعتماد على بعض الممارسات، والآليات التقليدية التي لم تمكن من تجديد النخب وتقوية المؤسسات، وإفراز خريطة سياسية قوية، وإعطاء نفس ديمقراطي جديد لبلادنا".
ومن بين المطالب الإجرائية التي جاءت بها مذكرة الأحزاب المعارضة الحفاظ على نظام الاقتراع المزدوج "أحادي/لائحي" بحسب عدد السكان.
الاتحاد الاشتراكي
في المقابل، اتجهت مذكرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى اقتراح نحو 44 إجراء، ومن بينها السماح للأجانب بالتصويت، وإضافة 30 مقعدا للنساء، وتقليص مدة الحملة الانتخابية، وإعادة النظر في التقطيع الانتخابي، مع إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية خلال يوم واحد، واعتماد البطاقة الوطنية وثيقة وحيدة للتسجيل في اللوائح الانتخابية.
يذكر أن وزارة الداخلية عقدت -في وقت سابق- لقاءات مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، تناولت الإطار العام للانتخابات المقبلة، ووعدت فيها "بالحياد التام إزاء كافة الأطراف المتنافسة، سواء خلال مرحلة الإعداد لمختلف العمليات الانتخابية، أو بمناسبة إجرائها"، ولقاء آخر مع الأحزاب غير الممثلة في البرلمان تناول مقترحات ومطالب هذه الأحزاب، التي أكدت "ضرورة إجراء مراجعة شاملة لمدونة الانتخابات، لا سيما ما يتعلق بنظام الاقتراع والعودة إلى الاقتراع الفردي وإلغاء العتبة".
وفي سياق التعليق على مذكرات الأحزاب والظرفية السياسية الحالية، سجلت نقاط خلافية واضحة بين مذكرات الحزب القائد للحكومة وأحزاب المعارضة، وتمثلت تحديدا في الإشراف على الانتخابات، وتدخل وزارة الداخلية، والجمع بين الاستحقاقات التشريعية والمحلية، وكذلك العتبة الانتخابية ونظام التصويت الفردي، وذهبت بعض التحليلات إلى القول إن الأحزاب باتت تغرد خارج الواقع، وتتعمد الهروب إلى الأمام للتغطية على ضعفها وهشاشتها.
نخب جديدة
وقال محمد مصباح إن الأحزاب الكلاسيكية وصلت مرحلة الإشباع، ولم تعد قادرة على استيعاب نخب جديدة، وأن الحديث الحالي عن التصويت الاسمي (التصويت بالنظام الفردي)، وإلغاء العتبة يتجه نحو التمكين لنخب جديدة موجودة خارج الأحزاب التقليدية من ولوج غمار الساحة السياسية.
وفي تصريح للجزيرة نت، اعتبر لزرق أن المذكرات المقدمة لا تتعدى كونها "خربشات" في غياب دراسات علمية للواقع، منتقدا التكتل الذي ظهرت به المعارضة، ناعتا إياه بتكتل اضطراري.
وعن نقاط الجدل، قال لزرق إنها محاولة للمزايدة، خصوصا المرتبطة بالإدارة الانتخابية وهيئة الإشراف، مؤكدا أن الانتخابات لحظة تقييم لتدبير مرحلة تقتضي وضوح اختيار الناخب. وطالب بضرورة حدوث حركية من داخل الأحزاب، والقطع مع حزب الفرد المرتبط بالزعيم، والانتقال لمنطق المؤسسة.
وظلت خطابات ملك المغرب محمد السادس حريصة طيلة السنوات الماضية على دعوة الفاعل السياسي إلى ضرورة العمل على استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، غير أن أغلب الملاحظين يرون أن الأحزاب تترهل، ولم تنجح في تجديد النخب، وذلك باعترافها.