بانقلاب قاده البكر وصدام.. يوم أطاح حزب البعث بالرئيس المسالم عبد الرحمن عارف وتولى حكم العراق
يستذكر العراقيون في مثل هذا اليوم 17 يوليو/تموز من كل عام، حادثة الانقلاب الرابع في البلاد، والذي يعتبر آخر الانقلابات التي غيّرت نظام الحكم في العراق، بعد أن أطاح حزب البعث العربي الاشتراكي بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف عام 1968.
أسباب كثيرة مهّدت لحزب البعث للانقلاب، أو الثورة كما يصفه مؤيدوه، والإطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف، ليتولى السلطة حينها أحمد حسن البكر، ونائبه صدام حسين، بمساعدة ضباط من خارج الحزب، أبرزهم إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف.
أسباب الانقلاب
يفصل رئيس مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية حسام بوتاني، في حديثه للجزيرة نت، أبرز عوامل الانقلاب، ويقول إنه "جاء نتيجة انعدام الاستقرار الذي كانت تعاني منه الجمهورية العراقية، حيث إن انقلاب الجيش على الحكم الملكي عام 1958، فتح الطريق أمام تدخل واسع للمؤسسة العسكرية في السياسة العراقية، لذلك فإن كل الذين تولوا الحكم كانوا عسكريين، منذ بداية تأسيس الجمهورية وحتى عام 1979".
ومن العوامل الأساسية الأخرى التي مهدت لنجاح الانقلاب والإطاحة بحكم عبد الرحمن عارف، أن شخصية عارف مسالمة، ولا تمتلك التصور الحقيقي لإدارة الدولة، الأمر الذي مهّد الفرصة لحزب البعث لإطلاق ساعة الصفر وتنفيذ الانقلاب والسيطرة على الحكم بشكل كلي، كما يقول بوتاني.
انقلاب أبيض أم أسود؟
وبالرغم من كثرة الحركات العسكرية والثورات والانقلابات التي شهدها العراق في تلك الفترة، فإن ما يميّز انقلاب 17 يوليو/تموز أنه جرى دون سفك دماء، ما دفع بعض الباحثين إلى تسميته بالانقلاب الأبيض.
وفي هذا الصدد، يقول بوتاني إن "شخصية الرئيس عبد الرحمن عارف المسالمة والمحبوبة من قبل الجميع، وكذلك سهولة السيطرة على القصر الجمهوري دون مقاومة أسهم في عدم إراقة الدماء، إضافة إلى أن قيادات البعث في ذلك الوقت كانت لا تميل إلى العنف، لأنها تعي أن الانقلاب الدموي قد يكلف الحزب الكثير، على عكس قيادات الخط الثاني التي تميل إلى العنف".
إنجازات وحروب
ويرى المحلل السياسي العراقي نجم القصاب في حديثه للجزيرة نت أن "حزب البعث حكم العراق بمرحلتين، مرحلة البكر والتي كانت مرحلة إيجابية واقتصادا قويا وعلاقات خارجية قوية، والتي تعد نهضة مؤقتة، حتى مجيء صدام حسين عام 1979".
وينوّه القصاب إلى أنه، وخلال الفترة 1968 – 1978، شهد العراق تحقيق الكثير من الإنجازات وسيادة القانون، وتوظيف مئات الآلاف من العمال والموظفين، وتدشين مشاريع الري والزراعة والصناعة، مشيرا إلى أن العلاقات الخارجية العراقية كانت إيجابية، وهذا يسجّل لدولة المؤسسات، لكن الأوضاع تدهورت بعد عام 1979 مع تسلم صدام حسين للسلطة وبدء مرحلة نظام حكم الفرد الواحد.
النهضة التي شهدها العراق في عهد البكر خلال سبعينيات القرن الماضي تعتبر النهضة العربية الحقيقية منقطعة النظير، كما وصفها الباحث حسام بوتاني، لافتا إلى أن ذلك النهوض لم يقتصر على العمران فحسب، وإنما شمل مقدرات البلاد الاقتصادية والصناعية والزراعية والتعليمية.
ويشير بوتاني إلى أن تلك الحقبة شهدت تحولا كبيرا في التطور في مسار الدولة العراقية، فالأنظمة الصحية والتعليمية والتصنيعية والعسكرية التي تأسست في السبعينيات لا تزال هي المؤثرة والحاكمة حتى اليوم، لافتا إلى أن اتفاق مارس/آذار لحل القضية الكردية وتأميم النفط العراقي ومحو الأمية، هي الإنجازات الأبرز التي تحققت خلال سبعينيات القرن الماضي.
نقطة التحول
ويعتبر القصاب أن المرحلة التي تلت فترة حكم البكر، كانت بداية سيئة للعراق، حيث جاء صدام حسين لتبدأ مرحلته بإبعاد الخط الأول من حزب البعث والذين عارضوا تنازل الرئيس البكر وتسلم صدام للحكم، ما أدى إلى صعود الخط الثاني من الحزب ودخول العراق في حروب مع إيران وغزو الكويت والحصار الذي فرض على البلاد بعد ذلك ( 1990-2003).
يقول بوتاني إن أبرز التداعيات التي أعقبت انقلاب عام 1968، هو تفرد الحزب الواحد بالسلطة وحكم الفرد الواحد، وإقصاء الآخرين، حتى عام 2003، وهو ما تسبب بالانغلاق السياسي في العراق، وانسداد مدخلات شرعية النظام إلا من الحالة الثورية التي أطّرها الحزب.
وأضاف أن تحييد الجيش عن السياسة من أبرز ما جاء به الانقلاب، فمنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، أصبح الجيش العراقي محيدا عن السياسة، وهو ما وضع حدا للانقلابات العسكرية، وأسس لهذه المرحلة الرئيس الراحل صدام حسين.
وبحسب بوتاني، فإن انقلاب 17 يوليو/تموز 1968، يمثل نقطة التحول الأبرز في تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها مطلع عشرينيات القرن الماضي، وذلك لأسباب عديدة، منها أن البعث أول حزب ثوري يتولى السلطة في العهد الجمهوري بالعراق.
انقلابات سابقة
يذكر أن انقلاب 17 يوليو/تموز سبقه الكثير من الانقلابات والتحركات السياسية، ففي عام 1936 قاد الفريق بكر صدقي أول انقلاب عسكري في العراق، وقتها سمع البغداديون دوي انفجارات وتحليقا مكثفا للطيران، وطلب صدقي من الملك غازي إقالة الحكومة وتكليف حكمت سليمان بتشكيل وزارة جديدة، فاستجاب الملك لطلبه، ليكون أول انقلاب في العراق والوطن العربي.
وخلال عام 1958، قاد عبد الكريم قاسم وصديقه عبد السلام عارف مع مجموعة من الضباط الآخرين انقلابا عسكريا أطاح بالحكم الملكي وأدى إلى قتل الملك فيصل الثاني وعائلته وولي العهد عبد الإله بن علي ورئيس الوزراء نوري السعيد وكبار المسؤولين آنذاك، لتبدأ صفحة التداول الدموي للسلطة في العراق.
كما تعرض حكم قاسم عام 1963 لانقلاب قاده شركاؤه في الحكم، الذين قاموا بقتله وتعيين عبد السلام عارف لرئاسة العراق.
وفي عام 1966، قتل عبد السلام عارف بطريقة غامضة أثناء سقوط طائرته خلال زيارة تفقدية إلى جنوب العراق، وتولى السلطة من بعده شقيقه عبد الرحمن عارف، قبل أن يقوم حزب البعث بالإطاحة به ونفيه إلى خارج العراق.