بعد 31 عاما على وفاة مؤسسها.. كيف يرى الإيرانيون ثورتهم اليوم؟
جاءت مواقف المرشد الإيراني علي خامنئي في ذكرى رحيل سلفه آية الله الخميني متناسبة مع نظرة الأخير للسياسات الأميركية، في حين رأت أوساط إيرانية أن جيل الشباب ابتعد كثيرا عن الأهداف التي ثار آباؤهم من أجلها.
وهاجم خامنئي الولايات المتحدة صبيحة الذكرى السنوية 31 لوفاة مؤسس الثورة الإيرانية الخميني، وقال إن أميركا تعيش أوضاعا متزلزلة، وإنها تقتل شعبها هذه الأيام من دون أن تعتذر عما ترتكبه من جرائم.
وألغت إيران هذا العام إحياء الذكرى السنوية لمؤسس ثورتها الإسلامية بسبب جائحة كورونا، التي قضت حتى الآن على أكثر من ثمانية آلاف إيراني، في حين بلغ إجمالي الإصابات 160 ألفا و670 شخصا.
وقال في كلمة متلفزة بالمناسبة إن مطالب المحتجين في الولايات المتحدة هي مطالب جميع الشعوب التي تحملت الغطرسة الأميركية، وإن التطورات الأخيرة كشفت عن حقيقة السياسات الأميركية.
واعتبر خامنئي أن ما قامت به الشرطة الأميركية تجاه المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد وقتله ليس جديدا، وإنما يجسد طبيعة نظامها تجاه الشعوب الأخرى، لا سيما في سوريا والعراق وأفغانستان وفيتنام.
ورأى المرشد الإيراني أن سياسات الإدارة الأميركية فضحت توجه قادتها، مؤكدا أن مقولة الشاب فلويد "دعني أتنفس" هي مطلب جميع الشعوب التي تواجه العداء والظلم الأميركي في أنحاء العالم.
ويرى مراقبون في إيران أن مواقف خامنئي بعد 31 عاما من توليه السلطة جاءت صباح اليوم متناسبة تماما مع رؤيته السلبية حيال السياسات الأميركية، ومع نظرة سلفه الخميني حيال جبهة الاستكبار العالمي.
تطور مستمر
واعتبر الأكاديمي والباحث السياسي عماد آبشناس أنه لا يمكن عقد مقارنة بين الثورة الإسلامية في الوقت الراهن وما كانت عليه قبل أربعة عقود، مؤكدا أن التطور التسليحي في بلاده هذه الأيام يشكل عامل ردع، ويسهم في إحلال السلام بالمنطقة برمتها.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى الإنجازات التي حققتها بلاده على شتى الصعد، منها العلوم الطبية والتقنيات النووية والعسكرية والفضائية، موضحا أن طهران حققت قفزات علمية وفق رؤية مؤسس الثورية الإسلامية، متحدية أشرس العقوبات التي شهدتها البشرية حتى الآن، على حد تعبيره.
ورفض أن تكون العقوبات الأميركية على إيران بسبب خوض الأخيرة في بعض العلوم المحظورة مثل البرنامج النووي أو الصاروخي، وقال إن العقوبات الأميركية بدأت قبل نحو ثلاثة عقود من انتصار الثورة الإسلامية عندما أقدمت حكومة محمد مصدق على تأميم صناعة النفط.
ورأى أن السبب الرئيسي لما أسماه العداء الأميركي لبلاده هو نوايا الولايات المتحدة للهيمنة على المنطقة، الأمر الذي طالما رفضته طهران خلال أكثر من أربعين عاما خلت، مستدركا أن عقوبات أميركا لا تقتصر على إيران، بل شملت حتى حلفاء واشنطن مثل تركيا وغيرها.
وخلص إلى أن الثورة الإيرانية تسير في الاتجاه الصحيح بتبنيها القضايا الإسلامية المحقة، ورفض الهيمنة الخارجية على مقدراتها.
نجاح وإخفاق
في المقابل، يرى مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري أن هناك شرخا كبيرا بين الجمهورية الإسلامية التي بشر بها الخميني والواقع الذي تعيشه بلاده في الوقت الراهن، محذرا من أن عدم استيعاب طهران الأوضاع الداخلية قد يقضي على جميع الإنجازات التي قد حققتها على الصعيد الخارجي.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن سياسات طهران الخارجية بلغت مستويات متطورة جدا، لا سيما في مواجهة التهديدات الخارجية، والتمدد عبر حركات المقاومة بدءا من كشمير إلى الشرق الأوسط، وصولا إلى شمال أفريقيا، مستدركا أن بلاده لا تزال تواجه مشكلات كبيرة في تطبيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات الوطنية.
وأشار زواري إلى أن سياسة بلاده الخارجية تبدو أكثر نضجا خلال السنوات الأخيرة إقليميا ودوليا، موضحا أن طهران بدأت تمسك زمام المبادرة لتأمين مصالحها الكبرى، وهذا ما يميزها عن السنوات الأولى من انتصار ثورتها.
وأكد أن بلاده أصبحت قوة ترد الصاع صاعين ليس على من يهدد مصالحها مباشرة، بل تقف إلى جانب حلفائها بشكل جلي، وهو ما يجعل المتحالفين مع طهران يثقون في صدقها، مستدركا أن جيل الشباب في إيران اليوم ابتعد كثيرا عن أهداف الثورة الإسلامية.
وختم بالقول إنه رغم تكاثر الأحزاب السياسية في إيران، فإن تدني نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يدل على أن التيارات السياسية لم تنجح في تلبية هواجس عامة الناس، مما أدى إلى تنامي مشاعر الإحباط لدى عامة الشعب من الطبقة السياسية.
ثورة ضد الهيمنة
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، غرد المدير السابق للمركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان أن الخميني قاد ثورة ضد الاستبداد والهيمنة، وأنه "حوّل شعبا خاملا مطيعا إلى شعب يطالب بحقه في الداخل والإقليم والعالم".
وشدد على أن مؤسس الثورة الإيرانية "نبّه الأمة إلى قدرتها على التغيير والتقدم والازدهار"، مؤكدا أنه خلق حالة من الوعي الحضاري لدى أمته تجاه الماضي والحاضر والمستقبل.