ثلاثة أسئلة لفهم ما يحدث اليوم في أميركا
قدمت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا يتضمن قراءة عامة في الوضع المتفجر الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية قبل خمسة أشهر من بدء الانتخابات الرئاسية، وفي خضم انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وبينت الصحيفة أنه منذ الثلاثاء الماضي تهز البلاد مظاهرات عنيفة تدين وحشية الشرطة والعنصرية في الولايات المتحدة، مما يذكر بالمظاهرات الكبرى والحاشدة التي شهدتها البلاد خلال حرب فيتنام ومن أجل الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي.
وعبر أسئلة ثلاثة هي: كيف بدأ كل شيء؟ وكيف ردت السلطات؟ وكيف يمكن أن ينتهي الأمر؟ شرحت الصحيفة الوضع.
كيف بدأ كل شيء؟
وقالت لوفيغارو إن الشرارة الأولى اشتعلت من مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا في 25 مايو/أيار الماضي، بعد أن انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر وفاة جورج فلويد الأميركي الأسود البالغ 46 عاما والذي قضى اختناقا خلال توقيفه على يد شرطي أبيض.
ولنحو تسع دقائق ضغط الشرطي ديريك شوفين بركبته على عنق فلويد الذي كان يردد "لا أستطيع التنفس"، في حين أصابت حالة من القلق المارة الذين شهدوا الحادث.
وبينت لوفيغارو أن فلويد -الذي فقد حياته بعد وقت وجيز- أصبح على الفور الرمز الجديد الذي أشعل المظاهرات ضد عنف الشرطة المتكرر تجاه السود.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة شهدت أحداثا مشابهة، منها قضية رودني كينغ في أوائل التسعينيات، وصولا إلى قضية أحمد آربري، وهو رجل أسود أعزل قتل برصاص ضابط شرطة سابق وابنه أثناء ركضه في الحي الذي يقطنه بولاية جورجيا.
وذكرت أن هذه الاحتجاجات ساهمت في تعزيز حركة "#BlackLivesMatter" التي أنشئت في 2013.
وبحسب الصحيفة، فإن شوفين الذي ضغط بركبته على عنق فلويد قد اتهم بالقتل غير العمد يوم الجمعة الماضي، لكن زملاءه الثلاثة الذين سمحوا له بذلك لا يزالون طلقاء.
ولم يسهم طرد الشرطي أو التهمة التي يواجهها في تهدئة النفوس أو تخفيف حدة الاحتجاجات، بل اتسعت رقعة الاحتجاجات إلى 140 مدينة أميركية على الأقل.
وعادة ما تبدأ المظاهرات بهدوء، لكن مع حلول المساء يتدهور الوضع الأمني وتحتد المواجهات مع الشرطة، وسط حالة من الفوضى وحرق للسيارات ونهب للمتاجر.
كيف ردت السلطات؟
وفي ردها على السؤال الثاني الذي يتعلق برد السلطات، قالت لوفيغارو إنه منذ أمس الاثنين فرضت أربعون مدينة على الأقل في الولايات المتحدة حظرا للتجول، بما في ذلك لوس أنجلوس وشيكاغو وأتلانتا، في حين طلبت 26 ولاية من بين 50 ولاية مساعدة من الحرس الوطني.
من جانبهم، أعرب العديد من العمد والحكام في جميع أنحاء البلاد عن "تفهمهم" الغضب الذي عبر عنه المحتجون ضد ما يتعرض له السود من ظلم على مدى عقود، حتى أن بعض ضباط الشرطة ساروا إلى جانب المتظاهرين -خاصة في نيويورك- وركعوا على الأرض تضامنا مع الحركة.
في المقابل، ندد العديد من هؤلاء المسؤولين -منهم رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلاسيو- بما سماه وقوف "حفنة" من المتطرفين وراء أعمال العنف.
من جانبها، قالت عمدة أتلانتا كيشا لانس بوتومز -وهي سوداء البشرة- إن أعمال العنف تجري لصرف الانتباه عن المشاكل التي يتعين حلها.
أما رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب -الذي أعرب عن صدمته إزاء وفاة جورج فلويد واتصل بأسرته- فقد اعتبر ضعيفا من وجهة نظر الديمقراطيين، في حين يتهمه نشطاء بالتحريض على العنف.
كيف يمكن أن ينتهي الأمر؟
أما بخصوص سؤال: كيف يمكن أن ينتهي الأمر؟ -وهو السؤال الذي يطرحه الجميع- فتقول كانديس ماكوي أستاذة العدالة الجنائية والمتخصصة في تاريخ الاحتجاجات بجامعة نيويورك سيتي إن هذه الاحتجاجات "تهدأ عادة بعد ثلاثة إلى أربعة أيام".
لكن الأمر لا يبدو كذلك، فالمناخ السياسي متوتر للغاية، وذلك قبل خمسة أشهر من انتخابات الرئاسة الأميركية، فضلا عن أن وحشية الشرطة ليست إلا جزءا ظاهرا من جبل جليدي يخفي تحته سياسة عدم المساواة الممنهجة.
كما أن عدم المساواة تجسد بشكل أوضح خلال انتشار وباء كورونا المستجد وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وتأثيره بشكل مباشر على السود والأقليات الهيسبانية بشدة.
وفي هذا الوضع المشتعل على أكثر من جانب يطالب العديد من المتظاهرين منذ الأسبوع الماضي باتهام الشرطي ديريك شوفين بالقتل العمد أو الاغتيال واتهام زملائه الثلاثة أيضا.
لكن حتى لو فعلت السلطات ذلك فإن ماكوي ترى أن الأمر لن يكون كافيا لإخماد الحريق، فقد غذّت مقاطع الفيديو التي أظهرت وحشية الشرطة خلال المظاهرات هذه الاحتجاجات، مما جعل الدعوة إلى الهدوء التي أطلقها شقيق جورج فلويد غير مسموعة تقريبا.
ومع ذلك، يأمل البعض -مثل الرئيس السابق باراك أوباما- أن يلهم هذا النشاط إصلاحات بعيدة المدى.
وترى ماكوي أن حضور العديد من الشباب البيض في الاحتجاجات يعد "علامة على الأمل في العلاقات العرقية بالولايات المتحدة".