حدود المسموح والممنوع في تسييس البلح بمصر

4/5/2020
مجدي مصطفى
بعد أكثر من عامين في السجن بسبب تصويره أغنية "بلحة" التي تسخر من الوضع السياسي في مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، توفي الشاب المصري شادي حبش (24 سنة) داخل زنزانته في سجن طرة في جنوب القاهرة قبل يومين.
اعتبرت منظمة "بان أميركا" الأميركية التي تدافع عن حقوق التعبير والفنون، وفاة حبش في سجنه "ضربة مدمرة للحرية الفنية"، وقالت إن السيسي "أرسل من خلالها إشارة مزعجة إلى بقية العالم مفادها أن من يختلف مع وجهة نظره قد يواجه الموت".
أما الحقوقي المصري بهي الدين حسن فحمل "السيسي شخصيا" المسؤولية عن وفاة شادي "لمجرد أنه شارك في أغنية تنتقده، ولأنه لا يوجد قاض يجرؤ على تبرئة من ينتقد رئيس الجمهورية".
توفي شادي قبل حلول "اليوم العالمي لحرية الصحافة" الذي صادف أمس الأحد، حيث أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بهذه المناسبة أن الصحافة في مصر أصبحت "جريمة" بالفعل تمتد لتشمل كل صاحب رأي مخالف لرأي النظام، بل شملت في بعض الحالات عددا من المحسوبين على النظام نفسه.
وكما لاذ النظام بالصمت تجاه تقرير منظمة العفو الدولية، آثر الصمت أيضا بشأن ملابسات وفاة شادي، لكن نشطاء حقوقيين أكدوا أن صحة الشاب الراحل تراجعت بشدة في الفترة الأخيرة، ورغم ذلك تجاهلت إدارة السجن استغاثات زملائه في الزنزانة لإنقاذه، وحملوا السلطات المسؤولية الكاملة عن وفاته.
لم يتحمل الشاب مرارة المعتقل واستشعر قرب نهايته فكتب رسالة من سجنه بالعامية المصرية قبل سبعة أشهر إلى العالم الخارجي يطلب فيها الدعم شاكيا "الوحدة المميتة"، بعد أن نفدت قدرته على المقاومة خلال فترة سجنه.

شادي والبلحة
تعود قضية شادي إلى مارس/آذار عام 2018، حين شارك في إخراج أغنية "بلحة" التي أداها رامي عصام وتنتقد الأغنية عبد الفتاح السيسي وتشكك في جدوى سياساته ومشاريعه الاقتصادية.
ومنذ ذلك التاريخ، ألقي القبض على شادي وشاب آخر هو مصطفى جمال المسؤول عن صفحة المغني رامي عصام. وسجن شادي وجمال احتياطيا بعد أن وجهت إليهما تهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وازدراء الدين، وإهانة المؤسسة العسكرية".
نجح مؤدي الأغنية رامي عصام -الذي عرف باسم "مغني الثورة" وبرز اسمه بميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير 2011ـ في السفر خارج مصر، وهو ما فشل فيه مؤلف الأغنية الشاعر الشاب جلال البحيري الذي ألقي القبض عليه من مطار القاهرة أثناء سفره للخارج.
أحيل البحيري إلى النيابة العسكرية التي وجهت له جملة اتهامات، بينها "نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي، والانضمام إلى جماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور (جماعة الإخوان المسلمين)، وازدراء الأديان السماوية وإهانة رئيس الجمهورية وإهانة المؤسسة العسكرية.
وفي مطلع أغسطس/آب عام 2018 قضت محكمة عسكرية في مصر بسجن البحيري ثلاث سنوات وتغريمه عشرة آلاف جنيه مصري (حوالي 550 دولارا)، وقبل صدور الحكم اعتبرت مجموعة من الخبراء المستقلين في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، أن "احتجاز البحيري يأتي في ظل فرض قيود على حرية التعبير الفني وغيره من الأشكال، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية في مصر".
وقالت تلك المجموعة في بيان لها إن الاتهامات الموجهة إلى الشاعر المصري تتعلق "بالتعبير الإبداعي عن آرائه السياسية"، وأبدت قلقها من "الاتهامات المشكوك في أمرها كوسيلة لتجريم الحق الشرعي للأشخاص في التعبير عن آرائهم بحرية".

التسمية
لاقت أغنية بلحة رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ساعات من وضعها، وبلغ عدد مشاهداتها أكثر من أربعة ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب خلال أيام قليلة، شأنها في ذلك شأن وسم #كلنا_ضد_بلحة الذي أطلقه مغردون في الذكرى السادسة لثورة يناير وتصدر التداول بعد إطلاقه بساعات.
أما أصل التسمية بـ"بلحة" التي باتت أشهر ألقاب السيسي لدى معارضيه فيعود إلى شخصية أداها الممثل الراحل محمود عبد العزيز في فيلم "الدنيا على جناح يمامة" الذي أخرجه عاطف الطيب في أواخر الثمانينيات، وأدى فيه عبد العزيز دور شخصيتين، المجنون بلحة والمواطن العادي، لهذا جاءت تسمية السيسي بلحة نظرا لأفعاله التي تدل على عدم الخبرة.
تقول كلمات الأغنية "يا حلوة يا بلحة يا مقمعة خلصتي سنينك الاربعة يا حلوة يا بلحة يا مقمعة خلصت سنينك الأربعة"
"طولت علينا بطلتك، وزهقنا خلاص من خلقتك الهي ينور صلعتك ويصيبك حظك م الدعا، وتلم ف ايدك شلتك، وتنور سجن المزرعة"
"فاشل بالطول موكوس بالعرض من خيبتك قلت تبيع الأرض بتبنى مدينه جديده بتعمل سور، وتسبنا بنغرق فالدستور مالشعب خلاص كشف المستور"
تستدعي "بلحة" هذه المرحلة كلمات أغنية أخرى وفي سياق وطني وسياسي آخر انطلقت إبان ثورة 1919 عندما لحن الشيخ سيد درويش أغنية "يا بلح زغلول" التي كتب كلماتها بديع خيري وغنتها المطربة نعيمة المصري، وتضمنت احتجاجا على نفي زعيم الثورة سعد زغلول مرتين، الأولى إلى مالطا والثانية إلى سيشل.
ورغم أن كلمات الأغنية تحمل تورية مجازية، أو تتغنى بالزعيم سعد زغلول وتسخر من محاولة الإنجليز قمع أنصاره ومنعهم من ترديد اسمه في هتافاتهم خلال المظاهرات، فإن المحتل الإنجليزي لم يجرؤ على التدخل ولم يلحق أي أذى بالمؤلف أو الملحن أو المغنية على عكس الحال مع أغنية "بلحة" التي تعقبت السلطات حتى مستمعيها على منصات التواصل الاجتماعي.
"يا زرع بلدي.. عليك يا وعدي يا بخت سعدي.. زغلول يا بلح.
عليك أنادي.. في كل نادي إنت مرادي.. زغلول يا بلح
يا روح بلادك.. لو طال بعادك نقاوة ولادك.. زغلول يا رطب
يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول ماعيتشي أبكي وفيه مدبر مين بس ينكر زغلول يا بلح
ياروح بلادك ليه طال بعادك تعا صون بلادك سعد وقال لي ربي نصرني وراجع لوطني"

تسميات رمضانية
مصر التي تتصدر الدول المنتجة للتمور على مستوى العالم حيث تنتج 18% من إجمالي الإنتاج العالمي للتمور -حسب المنظمة الدولية للأغذية والزراعة (الفاو)- تنفرد بين دول العالم بإطلاق أسماء مشاهير الفن والرياضة على أصناف من البلح خلال شهر رمضان لجذب الزبائن ولتحقيق مزيد من الرواج للبضاعة التي تشكل ركنا أساسيا من مائدة الصائمين.
الأسماء الجديدة ترتبط بالموسم فقط ثم تختفي العام التالي، ويفضل عادة التجار إطلاق اسم لجذب المستهلكين للشراء. وأخذت أسماء البلح طابعا سياسيا عقب ثورة 25 يناير، منها "بلح الشهداء" و"بلح الثورة" و"بلح أم الشهيد" و"بلح ميدان التحرير".
وفي أول رمضان يأتي على مصر برئيس جديد منتخب لأول مرة وهو الراحل محمد مرسى، فضل التجار إطلاق اسم الرئيس على أفخر أنواع البلح، ليصبح الأشهر في الأسواق، مقابل "بلح الفلول".
وبعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي، حيث قام التجار بإطلاق اسم "السيسي قلب الأسد"، لكن التسميات السياسية اختفت من جديد لتظهر أسماء مشاهير كرة القدم خصوصا محمد صلاح، قبل العام الماضي، أعقبها فقر في التسمية في رمضان هذا العام جعل أحد التجار يطلق اسم" بلح كورونا" مفاخرا بأن تلك التسمية كفيلة بقهر الجائحة.
المصدر : الجزيرة