انقلاب حفتر اللفظي بعد هزيمته العسكرية.. هروب إلى الأمام أم شراء للوقت؟

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) arrives with Arab leaders Sheikh Mohammed bin Zayed (C), Crown Prince of Abu Dhabi, and General Khalifa Haftar (L), commander in the Libyan National Army and members of the Egyptian military at the opening of the Mohamed Najib military base, the graduation of new graduates from military colleges, and the celebration of the 65th anniversary of the July 23 revolution at El Hammam City in the North Coast, in Marsa Matrouh, Egypt, July 22, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد وخليفة حفتر
قوات حفتر مجهزة بمركبات مدرعة خفيفة ورباعية الدفع من قبل حلفائه الإماراتيين والمصريين (رويترز)
استنادا إلى "تفويض" مزعوم من الشعب، أعلن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر أنه مستعد لحكم ليبيا منفردا، لكن الهدف الرئيسي من هذا "الانقلاب" الخيالي يبدو أنه تحويل الانتباه عن الهزيمة التي مني بها في هجومه على طرابلس.

هكذا لخص موقع ميديابارت الفرنسي في مقال بقلم رينيه باكمان، ما وصفه بهروب حفتر غير المنطقي إلى الأمام بدلا من مراجعة إستراتيجيته، على إثر هزيمته العسكرية المدوية في الغرب الليبي، معلنا للمرة الثانية "انتهاء اتفاقية الصخيرات" الموقعة في ديسمبر/كانون الأول 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة.

وقال الموقع إن مصدر هذا "التفويض" ومضمونه يبقيان غير واضحين، خاصة أن الكيانين اللذين كان حفتر يستمد منهما نوعا من الشرعية، وهما مجلس النواب وحكومة الشرق في طبرق، هما أول من جرده انقلاب اللواء المتقاعد اللفظي من أي سلطة.

ولم يستغرب الموقع هذا الإعلان، لأن الميول الاستبدادية للواء المعجب بالدكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي معروفة -حسب الموقع- كما أنه مشهور بإعلاناته ومبادراته بقدر ما هو مشهور بعدم الوفاء بالتزاماته، تدفعه إلى ذلك ازدواجية بعض العواصم المؤيدة له.

قطبا المعركة

ولخص الموقع المشهد في ليبيا عقب الفوضى السياسية والعسكرية والأمنية الناتجة عن سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، حيث ظهر قطبان، أولهما في طرابلس متمثلا في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وهي تستمد شرعيتها من اتفاقية الصخيرات، ويقودها رئيس الوزراء فايز السراج منذ يناير/كانون الثاني 2016.

أما القطب الثاني المتمركز في شرق البلاد، فيستمد شرعيته السياسية من مجلس النواب المنعقد في طبرق، ومن الجيش الذي شكله حفتر من خلال جمع جنود القذافي السابقين والمقاتلين القبليين والسلفيين المتشددين والمليشيات المحلية، وتدعمه فرنسا ودولة الإمارات والأردن ومصر وروسيا في شكل مستشارين عسكريين وبضع مئات من المرتزقة من "مجموعة فاغنر.

وبهذا الدعم، شرع حفتر منذ عام في تعطيل كل المحاولات الدبلوماسية بهجومه العسكري الكبير على طرابلس، حيث ألقى معظم القوات الموجودة لديه في المعركة، وهي عبارة عن نحو 18 ألف رجل من جيشه، إضافة إلى 3500 من مرتزقة المليشيات السودانية ومئات من التشاديين، وحوالي ألفي روسي، و500 مقاتل سوري من مؤيدي الأسد، تم اختيارهم وتدريبهم من قبل "مجموعة فاغنر"، كما قال الموقع.

وأوضح ميديابارت أن هذا الجيش البري مجهز بمركبات مدرعة خفيفة ورباعية الدفع من قبل حلفائه الإماراتيين والمصريين، وهو يستفيد من الدعم الجوي للطائرات المسيرة الصينية التي تقدمها الإمارات، كما أنه -كما لاحظ خبراء الأمم المتحدة- يحصل أحيانا على دعم المقاتلات الإماراتية والمصرية.

وفي المقابل، قام معسكر حكومة الوفاق الوطني -كما تقول الصحيفة- بنشر قوات أقل بشكل ملحوظ ودعم جوي متواضع للغاية، لكنه استمر في استقبال الدبابات الخفيفة الحديثة وتجنيد مقاتلين أجانب، وفقا لتقرير قدم يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى مجلس الأمن.

وأشارت الصحيفة إلى أن قطبي الصراع الليبي تلقيا شحنات سرية من الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية ولجآ إلى تعزيزات من المرتزقة الأجانب، في انتهاك للحظر المفروض على شحنات الأسلحة الذي قررته الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2011.

انقلاب التوازن العسكري

إعلان
ووصف الموقع مسار الحرب التي شنها حفتر على العاصمة طرابلس، حيث سارت في البداية لصالح اللواء المتقاعد عندما كان التوازن العسكري لصالحه، إذ نجحت قواته على مدى شهور في تعزيز سيطرتها على العديد من المدن الساحلية في الغرب بين طرابلس والحدود التونسية، وإنشاء نقطة لوجيستية في ترهونة وقصفت ضواحي العاصمة بالمدفعية.
 
وقد خلفت هذه الحرب -وفقا للأمم المتحدة- أكثر من ألف قتيل، وما يقرب من ستة آلاف جريح، وما لا يقل عن مئتي ألف نازح في أقل من ستة أشهر، ولكن دون حسم لصالح أي من الطرفين، كما يقول الموقع.
 
ولكن كل شيء -حسب الموقع- بدأ يتغير مع التدخل العسكري التركي المباشر إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، الذي تضمنته اتفاقية تعيين الحدود البحرية الموقعة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسراج، مما سمح بإرسال مساعدات عسكرية تركية إلى ليبيا.

وقد وصل إلى طرابلس مئات من المستشارين العسكريين الأتراك وطائرات المراقبة والطائرات القتالية والمركبات المدرعة والمدفعية الحديثة والبطاريات المضادة للطيران.

ويقول أحد الخبراء في الشأن إن "ما غيّر اللعبة حقا هو وصول المتخصصين في الاستخبارات التكتيكية والسلاح المضاد للطائرات وكمية كبيرة من الطائرات المسيرة التي حرمت حفتر من السيطرة على الأجواء"، وأفقدته المدن الساحلية غرب طرابلس.

وبحسب مراقب أجنبي في طرابلس، فقد استعادت حكومة الوفاق الوطني الآن السيطرة على الساحل الغربي بأكمله، من الحدود التونسية إلى ما بعد مصراتة، كما أن ترهونة التي هي بمثابة نقطة ارتكاز للهجوم على طرابلس، أصبحت تحت الحصار.

وضع قاتم

وفي الأسبوع الماضي، قالت ستيفاني ويليامز، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة في ليبيا منذ استقالة رئيسها غسان سلامة، إن انتكاسات حفتر هذه يمكن أن تفسر إعلانه المفاجئ الذي نددت به طرابلس واعتبرته "انقلابا جديدا".

ويقول جلال الحرشاوي، الباحث المتخصص في ليبيا بمعهد كلينجندايل في لاهاي إن حفتر "عندما يواجه صعوبة في ملعب معين يغيره، لصرف الانتباه واتخاذ زمام المبادرة. هذا بالضبط ما فعله الآن، ففي مواجهة فشل عسكري واضح بعد عام من الهجوم، انتقل إلى المجال السياسي، حيث لا يواجه الكثير من المخاطر، لأن الأشخاص الذين يطلب منهم الخضوع هم من أنصاره، ولا أرى الأمر يغير كثيرا على الوضع الليبي، ولكنه يوفر الوقت".

واعتبر ميديا بارت أن إعلان حفتر مجرد تحصيل حاصل بالنسبة للمنطقة الشرقية لأنه كان يتمتع فيها بكل الصلاحيات، كما أنه لا يغير شيئا في طرابلس وفي بقية ليبيا، لأن انتكاساته الحالية لا تضعه في أفضل موقع للمطالبة بقيادة البلاد.

ولكن هذا الإعلان -حسب الموقع- يكشف أنانية حفتر أكثر وهروبه من الواقع عندما لا يعجبه، وهي سمات شخصية يبدو أنها تقلق حتى بعض حلفائه.

ولخص الموقع المواقف الدولية من إعلان حفتر، فموسكو أعلنت أنها "فوجئت" به، وعبرت عن قناعتها بأن حل المشكلة الليبية لا يتم دون الحوار السياسي بين جميع الأطراف لا سيما الأطراف المتصارعة.

أما واشنطن التي لم تحاول منع حفتر من شن هجومه على طرابلس -كما يقول الموقع- فقد دانت "الخطوة الأحادية الجانب" مثل الاتحاد الأوروبي، في حين أن فرنسا التي تجنبت الإدانة، ذكرت بأن الحل لا يمكن أن يمر إلا من خلال الحوار.

وقد لخصت ستيفاني ويليامز الأسبوع الماضي الوضع في ليبيا بأنه "قاتم، لأن النزاع مستمر ويزداد سوءا بدعم من أطراف خارجية. والمؤسسات مقسمة. وهناك فساد واقتصاد في أزمة، وعائدات نفط متوقفة، ونحن الآن نواجه وباء كورونا والنظام الصحي في حالة خراب".

وفي بادرة حسن نية ماكرة -حسب الموقع- تهدف إلى توفير الوقت أو الاعتراف بالضعف، أعلنت قوات حفتر، التي رفضت الهدنة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة وتلك التي دعا لها الاتحاد الأوروبي، أنها "قررت وقف جميع عملياتها العسكرية تجاه طرابلس استجابة لدعوة الدول الصديقة".

أما جلال الحرشاوي الباحث المتخصص في ليبيا بمعهد كلينجندايل في لاهاي فيرى أن "حفتر خسر بالفعل معركة، ولكن الحرب في ليبيا لم تنته بعد. لا أستطيع أن أتخيل أن مصر أو الإمارات ستتركانها، لأن ذلك يعني القبول بانتصار تركيا، وذلك أمر غير معقول. أعتقد أن هذا الفاصل السياسي سيسمح للقاهرة وأبو ظبي بمراجعة إستراتيجيتهما وزيادة مساعدتهما العسكرية لحفتر أو تعديل طبيعتها".

وقد فسر رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح الحليف المخلص لحفتر، سبب الهدنة قائلا في اجتماع للقبائل إن "الظروف على الخطوط الأمامية أصبحت صعبة للغاية وإن القتال في منطقة طرابلس سيؤدي بسرعة إلى هزيمة قوات حفتر".

وأكد محمد بويصير، مستشار حفتر السابق في مقابلة مع الجزيرة أن "الهجوم على طرابلس قد فشل"، مضيفا أن "الكثيرين يقولون إنه لا حل عسكريا للصراع الليبي. أنا موافق، لكن يجب أن نقول أيضا إنه لن يكون هناك حل سياسي حتى تتم إزالة حفتر من المشهد الليبي".

إعلان
المصدر : ميديابارت

إعلان