انقلاب حفتر اللفظي بعد هزيمته العسكرية.. هروب إلى الأمام أم شراء للوقت؟

وقال الموقع إن مصدر هذا "التفويض" ومضمونه يبقيان غير واضحين، خاصة أن الكيانين اللذين كان حفتر يستمد منهما نوعا من الشرعية، وهما مجلس النواب وحكومة الشرق في طبرق، هما أول من جرده انقلاب اللواء المتقاعد اللفظي من أي سلطة.
ولم يستغرب الموقع هذا الإعلان، لأن الميول الاستبدادية للواء المعجب بالدكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي معروفة -حسب الموقع- كما أنه مشهور بإعلاناته ومبادراته بقدر ما هو مشهور بعدم الوفاء بالتزاماته، تدفعه إلى ذلك ازدواجية بعض العواصم المؤيدة له.
قطبا المعركة
أما القطب الثاني المتمركز في شرق البلاد، فيستمد شرعيته السياسية من مجلس النواب المنعقد في طبرق، ومن الجيش الذي شكله حفتر من خلال جمع جنود القذافي السابقين والمقاتلين القبليين والسلفيين المتشددين والمليشيات المحلية، وتدعمه فرنسا ودولة الإمارات والأردن ومصر وروسيا في شكل مستشارين عسكريين وبضع مئات من المرتزقة من "مجموعة فاغنر.
وبهذا الدعم، شرع حفتر منذ عام في تعطيل كل المحاولات الدبلوماسية بهجومه العسكري الكبير على طرابلس، حيث ألقى معظم القوات الموجودة لديه في المعركة، وهي عبارة عن نحو 18 ألف رجل من جيشه، إضافة إلى 3500 من مرتزقة المليشيات السودانية ومئات من التشاديين، وحوالي ألفي روسي، و500 مقاتل سوري من مؤيدي الأسد، تم اختيارهم وتدريبهم من قبل "مجموعة فاغنر"، كما قال الموقع.
وأوضح ميديابارت أن هذا الجيش البري مجهز بمركبات مدرعة خفيفة ورباعية الدفع من قبل حلفائه الإماراتيين والمصريين، وهو يستفيد من الدعم الجوي للطائرات المسيرة الصينية التي تقدمها الإمارات، كما أنه -كما لاحظ خبراء الأمم المتحدة- يحصل أحيانا على دعم المقاتلات الإماراتية والمصرية.
وفي المقابل، قام معسكر حكومة الوفاق الوطني -كما تقول الصحيفة- بنشر قوات أقل بشكل ملحوظ ودعم جوي متواضع للغاية، لكنه استمر في استقبال الدبابات الخفيفة الحديثة وتجنيد مقاتلين أجانب، وفقا لتقرير قدم يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى مجلس الأمن.
وأشارت الصحيفة إلى أن قطبي الصراع الليبي تلقيا شحنات سرية من الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية ولجآ إلى تعزيزات من المرتزقة الأجانب، في انتهاك للحظر المفروض على شحنات الأسلحة الذي قررته الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2011.
انقلاب التوازن العسكري
ولكن كل شيء -حسب الموقع- بدأ يتغير مع التدخل العسكري التركي المباشر إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، الذي تضمنته اتفاقية تعيين الحدود البحرية الموقعة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسراج، مما سمح بإرسال مساعدات عسكرية تركية إلى ليبيا.
وقد وصل إلى طرابلس مئات من المستشارين العسكريين الأتراك وطائرات المراقبة والطائرات القتالية والمركبات المدرعة والمدفعية الحديثة والبطاريات المضادة للطيران.
ويقول أحد الخبراء في الشأن إن "ما غيّر اللعبة حقا هو وصول المتخصصين في الاستخبارات التكتيكية والسلاح المضاد للطائرات وكمية كبيرة من الطائرات المسيرة التي حرمت حفتر من السيطرة على الأجواء"، وأفقدته المدن الساحلية غرب طرابلس.
وبحسب مراقب أجنبي في طرابلس، فقد استعادت حكومة الوفاق الوطني الآن السيطرة على الساحل الغربي بأكمله، من الحدود التونسية إلى ما بعد مصراتة، كما أن ترهونة التي هي بمثابة نقطة ارتكاز للهجوم على طرابلس، أصبحت تحت الحصار.
وضع قاتم
ويقول جلال الحرشاوي، الباحث المتخصص في ليبيا بمعهد كلينجندايل في لاهاي إن حفتر "عندما يواجه صعوبة في ملعب معين يغيره، لصرف الانتباه واتخاذ زمام المبادرة. هذا بالضبط ما فعله الآن، ففي مواجهة فشل عسكري واضح بعد عام من الهجوم، انتقل إلى المجال السياسي، حيث لا يواجه الكثير من المخاطر، لأن الأشخاص الذين يطلب منهم الخضوع هم من أنصاره، ولا أرى الأمر يغير كثيرا على الوضع الليبي، ولكنه يوفر الوقت".
واعتبر ميديا بارت أن إعلان حفتر مجرد تحصيل حاصل بالنسبة للمنطقة الشرقية لأنه كان يتمتع فيها بكل الصلاحيات، كما أنه لا يغير شيئا في طرابلس وفي بقية ليبيا، لأن انتكاساته الحالية لا تضعه في أفضل موقع للمطالبة بقيادة البلاد.
ولكن هذا الإعلان -حسب الموقع- يكشف أنانية حفتر أكثر وهروبه من الواقع عندما لا يعجبه، وهي سمات شخصية يبدو أنها تقلق حتى بعض حلفائه.
ولخص الموقع المواقف الدولية من إعلان حفتر، فموسكو أعلنت أنها "فوجئت" به، وعبرت عن قناعتها بأن حل المشكلة الليبية لا يتم دون الحوار السياسي بين جميع الأطراف لا سيما الأطراف المتصارعة.
أما واشنطن التي لم تحاول منع حفتر من شن هجومه على طرابلس -كما يقول الموقع- فقد دانت "الخطوة الأحادية الجانب" مثل الاتحاد الأوروبي، في حين أن فرنسا التي تجنبت الإدانة، ذكرت بأن الحل لا يمكن أن يمر إلا من خلال الحوار.
وقد لخصت ستيفاني ويليامز الأسبوع الماضي الوضع في ليبيا بأنه "قاتم، لأن النزاع مستمر ويزداد سوءا بدعم من أطراف خارجية. والمؤسسات مقسمة. وهناك فساد واقتصاد في أزمة، وعائدات نفط متوقفة، ونحن الآن نواجه وباء كورونا والنظام الصحي في حالة خراب".
وفي بادرة حسن نية ماكرة -حسب الموقع- تهدف إلى توفير الوقت أو الاعتراف بالضعف، أعلنت قوات حفتر، التي رفضت الهدنة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة وتلك التي دعا لها الاتحاد الأوروبي، أنها "قررت وقف جميع عملياتها العسكرية تجاه طرابلس استجابة لدعوة الدول الصديقة".
أما جلال الحرشاوي الباحث المتخصص في ليبيا بمعهد كلينجندايل في لاهاي فيرى أن "حفتر خسر بالفعل معركة، ولكن الحرب في ليبيا لم تنته بعد. لا أستطيع أن أتخيل أن مصر أو الإمارات ستتركانها، لأن ذلك يعني القبول بانتصار تركيا، وذلك أمر غير معقول. أعتقد أن هذا الفاصل السياسي سيسمح للقاهرة وأبو ظبي بمراجعة إستراتيجيتهما وزيادة مساعدتهما العسكرية لحفتر أو تعديل طبيعتها".
وقد فسر رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح الحليف المخلص لحفتر، سبب الهدنة قائلا في اجتماع للقبائل إن "الظروف على الخطوط الأمامية أصبحت صعبة للغاية وإن القتال في منطقة طرابلس سيؤدي بسرعة إلى هزيمة قوات حفتر".
وأكد محمد بويصير، مستشار حفتر السابق في مقابلة مع الجزيرة أن "الهجوم على طرابلس قد فشل"، مضيفا أن "الكثيرين يقولون إنه لا حل عسكريا للصراع الليبي. أنا موافق، لكن يجب أن نقول أيضا إنه لن يكون هناك حل سياسي حتى تتم إزالة حفتر من المشهد الليبي".