في ذكرى فض الاعتصام بالسودان.. إرهاصات بإدانة النظام السابق وتبرئة العسكر

أحمد فضل-الخرطوم
صباح 29 رمضان من العام الماضي كان يوسف الفاضل يبحث عن شقيقه علي بين جثامين قتلى مسجاة على أرضية مستشفى المعلم في محيط الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم حيث تم فض الاعتصام بالقوة.
شهد الشقيقان يوسف وعلي لحظات الغدر العصيبة وكانا والمعتصمون في حمى الجيش قبل أن يطلع عليهم العسكر في كل الطرق المؤدية لساعة الاعتصام ويهجموا بشراسة على المعتصمين.
نجا يوسف من الموت لكن علي لم ينج فقد كان جثمانه ضمن قتلى المعتصمين الذين نقلت جثامينهم إلى مستشفى المعلم.
يقول يوسف للجزيرة نت إن الأطباء كانوا يزيحون أغطية الجثث واحدا تلو الآخر إلى أن وجد شقيقه مضرجا في دمائه لينهار ويدخل في نوبة من البكاء والنحيب.
قصة الشقيقين يوسف وعلي واحدة من مئات القصص بين قتيل وجريح ومفقود، دارت فصولها صبيحة 3 يونيو/حزيران 2019 عندما فضت قوات عسكرية الاعتصام بالقوة المفرطة.
قيود كورونا
وحدها كورونا جعلت الذكرى الأولى لفض الاعتصام في 29 رمضان تعبر بسلام وإن لم تخل من احتجاجات محدودة في عدة مناطق بأحياء الخرطوم التي التزمت بإجراءات للتباعد فرضتها الجائحة التي تمسك بخناق العالم.
ومنذ مساء الجمعة ضربت قوات الجيش سياجا محكما حول القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم خشية وصول محتجين إلى محيط المقر خاصة من جهة حي بري الملاصق لقيادة الجيش من الجهة الشرقية.
وبفارغ الصبر ينتظر رفقاء الشهداء والجرحى والمفقودين تقرير نبيل أديب رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام بعد اعتراضهم في وقت سابق على تأخر التقرير.
يقول أديب للجزيرة نت إنه يحتاج إلى 3 أسابيع بعد رفع حظر التجوال الخاص بجائحة كورونا لتحدد اللجنة المسؤولية الجنائية وترفع توصياتها إلى النائب العام.
ويقر بأن نتائج التقرير أيا كانت ستكون لها مترتبات سياسية لكنه في النهاية سيرفع تقرير لجنة التحقيق وفق الحيثيات والأدلة التي توفرت له.

خلاصة متوقعة
وأيا كانت نتائج التقرير، وسواء أدانت أم لم تدن قوات الدعم السريع التي التقطت هواتف ذكية انتهاكات تورط فيها عسكريوها أثناء فض الاعتصام، فإنه يتحتم على شركاء الحكومة الانتقالية الاستعداد لهذا التقرير بالغ الحساسية.
وطبقا لمصادر متطابقة تحدثت للجزيرة نت فإن خلاصات تقرير لجنة أديب تمضي إلى إدانة عناصر منتمية للنظام السابق، قائلة إن هذه الخلاصة ربما لن ترضي كثيرين يريدون إدانة المجلس العسكري بحكم أن مقاليد السلطة كانت بيده حينها.
ويقول مصدر طبي مسؤول إن شهود عيان كانوا برفقة أشخاص قتلوا في الاعتصام أفادوا بأن عناصر بزي عسكري أجبروهم على القفز في النيل من أعلى جسر النيل الأزرق فنجا منهم من خبر السباحة، بينما "تبول آخرون داخل أفواه المعتصمين قبل أن يطلقوا سراحهم وسط سيل من الشتائم" ذات الطابع السياسي.
قائمة اتهام
يقول القيادي في الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير محمد سيد أحمد سر الختم للجزيرة نت إنه من واقع قربه ومتابعته لسير التحقيقات فإن "تقرير فض الاعتصام ماضٍ إلى إدانة ضابط الاستخبارات اللواء الصادق سيد التابع لقوات الدعم السريع".
ويشير سر الختم إلى أن الصادق سيد -الذي تربطه مصاهرة بالفريق أول عوض بن عوف النائب الأول للرئيس المعزول عمر البشير- هو من وجه بالاستعانة بجنود قيد التدريب تابعين للدعم السريع لفض الاعتصام بالتعاون مع قادة من هذه القوات يدينون بالولاء للنظام السابق.
ويضيف أن القادة الميدانيين تفاجؤوا بهذه القوات وأمروها بالانسحاب إلى ساحة الحرية جنوبي قيادة الجيش لكنها خالفت الأوامر واجتاحت ساحة الاعتصام.
ويتوقع أحمد سر الختم أن يبرئ تقرير لجنة التحقيق ساحة الدعم السريع من جريرة فض الاعتصام لأن ما ذكره من حيثيات موثقة وقد أخذت بها اللجنة.
ويحذر من مغبة رفض نتائج التحقيق أو الاعتراض عليها من أي طرف طالما قبلت كل الأطراف بلجنة أديب عند تشكيلها، ويزيد "من قبل بتشكيل اللجنة عليه بقبول النتائج".
تهيئة الشارع
وبدأت دوائر محسوبة على قوى الحرية والتغيير في التمهيد لقبول الشارع لفرضية تورط منسوبي النظام السابق في فض الاعتصام.
وأعاد نشطاء على نطاق واسع تدوير مقطع فيديو للناشط في حزب البعث العربي محمد حسن بوشي قال فيه إن جهات منتمية للنظام السابق تشمل الدفاع الشعبي وكتائب الظل هي التي فضت الاعتصام.
ويحذر بوشي من الانخداع بخطط أنصار النظام السابق الهادفة لحدوث شرخ بين المدنيين والعسكريين في الحكومة بسبب تحديد المتهمين بفض الاعتصام.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية د. ياسر العبيد للجزيرة نت أن هناك تربصا كبيرا جدا بالشراكة عبر استغلال ورقة فض الاعتصام لإرباك الشراكة.
ويشير إلى أن هذه الورقة حساسة وخطيرة للغاية على الشراكة خاصة أن هناك جهات ترغب في ضرب الشراكة عن طريق عدة أوراق ضغط من بينها الصراعات القبلية، موضحا أن هذه الأوراق لتقوية مواقف لجهات ربما تظهر بعد نشر نتائج التحقيق.
وأيا كان المتهم سيظل محيط قيادة الجيش يحمل ذكرى أليمة باعتراف ضباط الجيش أنفسهم، كما دون حسابه بفيسبوك النقيب حامد عثمان الذي حمى المعتصمين في أول يوم.
وقال عثمان "سيظل عار القيادة العامة يلاحقنا طوال حياتنا، يومها وقف الجيش عاجزا خلف أسوار القيادة وشعبه يقتل ويسحل ويذل أمام بواباته. هذا العار قامت به القيادة ولكنه سيلاحق جميع منتسبي الجيش، سيذكر التاريخ أسماء من كانوا على رأس القوات المسلحة في هذا اليوم وسوف يلاحقهم هذا العار حتى بعد موتهم".