مخاوف إسرائيلية وصمت مصري.. أسباب وتداعيات الانسحاب الأميركي من سيناء

Captain Danny Falco of Task Force El Gorah of #OpCALUMET stands with other international personnel of the Multinational Force and Observers (MFO) during the MFO Remembrance Day parade http://today.Photo credit: Captain Mark Scott, US Contingent, MFO
القوات الأميركية تشكل 40% من القوات الدولية في سيناء (الصحافة الأجنبية)

محمود رفعت-الجزيرة نت

منذ تأسيسها عام 1981، يتجدد الحديث حول جدوى التزام واشنطن المستمر تجاه قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات المتمركزة في شبه جزيرة سيناء المصرية ذات الحدود الممتدة مع إسرائيل.

ونقلت تقارير صحفية غربية أن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يقود خطة لسحب جنود بلاده من قوة حفظ السلام بسيناء التي تشكل القوات الأميركية نحو 40% من قوامها.

وهذه الخطة لا تزال محل خلاف داخل الإدارة الأميركية، وثمة تحفظ إسرائيلي عليها في مقابل صمت مصري رسمي وإعلامي.

ويتزامن الحديث عن الانسحاب الأميركي من سيناء مع تفكير واشنطن في خفض تكاليف عملياتها حول العالم، ومنها الانتشار البحري في مياه الخليج والإعلان عن سحب بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من منشآت نفطية سعودية.

وتباينت آراء خبراء ومحللين في تصريحات منفصلة للجزيرة نت، عن نية واشنطن الانسحاب من سيناء، غير أنهم اتفقوا على أنه لن يكون إلا عبر تنسيق مع القاهرة وتل أبيب وبما لا يخل بالمعادلة الأمنية القائمة منذ توقيع البلدين اتفاقية السلام عام 1979.

وربط الخبراء تقييم السلوك الأميركي المستجد في سيناء مع مساعي فرض خطة السلام الأميركية، إضافة إلى إقرار اتفاقية "تيران وصنافير" بين القاهرة والرياض واعتبار مضيق تيران ممرا دوليا.

إعلان

في المقابل، خرجت تحذيرات غربية وإسرائيلية حول تداعيات الخطة الأميركية، إذ أكد دبلوماسي أميركي سابق أن "الحاجة إلى القوة المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة لم تتغير، حتى مع تغير الزمن".

‪أفراد من القوات الدولية في سيناء خلال مناورات عسكرية‬ (الصحافة الأجنبية)
‪أفراد من القوات الدولية في سيناء خلال مناورات عسكرية‬ (الصحافة الأجنبية)

مخاوف أميركية
منتصف أبريل/نيسان الماضي أكد الدبلوماسي الأميركي السابق جيرالد فايرستاين أن هذا الوقت ليس مناسبا لتعليق لافتة "تم إنجاز المهمة الخاصة بقوة حفظ السلام في سيناء"، التي لم يتعرض أي من عناصرها لأي حادث إرهابي.

وأورد في مقال نشره معهد الشرق الأوسط (مقره واشنطن)، مخاوفه حول الحديث المستمر عن جدوى التزام بلاده تجاه القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، قائلا "لا يمكن للأمم المتحدة ولا أي طرف ثالث أن يلعب دور راعي السلام المصري الإسرائيلي إذا انسحبت واشنطن".

وأشار إلى أن قوة حفظ السلام بسيناء تضمن ما تبقى من إنجاز دبلوماسي أميركي هام في الشرق الأوسط.

واعتبر أن ما يثار عن نضوج العلاقات المصرية والإسرائيلية وتراجع قوات حفظ السلام عن قيامها بالوظائف الأساسية للرصد والتحقق "حجج وافتراضات خاطئة".

وحذر من أن تجربة السنوات الأخيرة (في إشارة إلى ثورة 25 يناير) تشير إلى أنه من "الغباء" أن نفترض أن السلام المصري الإسرائيلي غير قابل للتغيير.

صمت مصري
بدوره، عزا الباحث المصري في العلاقات الدولية محمد حامد أسباب الصمت المصري عن التعليق على خطة الانسحاب الأميركية من سيناء، إلى كونها ما زالت أفكارا وليس لديها تنفيذ على أرض الواقع.

وفي تصريح للجزيرة نت، قال حامد إن خطة إسبر مجرد مقترحات وأفكار طارئة، والولايات المتحدة غير جادة في سحب قواتها من القوة المتعددة الجنسيات من سيناء.

وأوضح أن واشنطن تعتبر قوات حفظ السلام أحد ركائز عملية السلام المصرية الإسرائيلية في المنطقة وباكورة اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين البلدين برعاية أميركية.

إعلان

كما اعتبر أن الاعتراض الإسرائيلي على خطة إسبر "ذو وجاهة"، لأن قوة حفظ السلام بسيناء تعد من محددات الأمن القومي الإسرائيلي، والاستمرار الأميركي فيها يعطى نوعا من الطمأنينة والاستقرار في علاقات القاهرة وتل أبيب، وفق قوله.

وأشار إلى أن عدد القوة غير مؤثر بالنسبة للمساعي الأميركية الأخيرة في خطة خفض الانتشار.

المعادلة الأمنية
في المقابل، رأى جواد الحمد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط ومقره عمان، أن الخطة الأميركية بشأن سيناء وقوة حفظ السلام لا تزال تحت الدراسة والإقرار، ومن ثمّ فإن النتيجة النهائية سيكون لها شكل ومضمون يحفظ أمن العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، التي تعيش أفضل أحوالها.

وأكد أن أي تحليل يوسع دائرة التفكير الأميركي بسحب القوات من سيناء لأبعد من ذلك يقع في دائرة عدم الدقة.

وربط الحديث عن الانسحاب في سيناء بالمراجعات الأميركية التكتيكية لانتشار قواتها وطبيعتها العملياتية بشكل عام في العالم، كما حدث في سوريا وأفغانستان والعراق، مستشهدا بسياق الإعلان عن سحب بطاريات باتريوت من الأراضي السعودية.

واستبعد كذلك أن يصل الأمر بتداعياته إلى وضع إسرائيل ومصر الأمني، أو إلى موقع ودور الولايات المتحدة في المنطقة باعتبارها تتربع على التحكم فيها إستراتيجيا بغض النظر عن بعض التداخلات معها، كما هو الحال مع إيران في العراق أو مع روسيا في سوريا.

‪جندي مصري يلوح بيده خارج أحد أبراج المراقبة على الحدود المصرية مع قطاع غزة‬ (رويترز)
‪جندي مصري يلوح بيده خارج أحد أبراج المراقبة على الحدود المصرية مع قطاع غزة‬ (رويترز)

الممر الملاحي الدولي
من جهته، عزا المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية محمد سليمان الزواوي، الحديث عن الانسحاب الأميركي من سيناء إلى التنازل المصري عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عبر اتفاقية أثارت جدلا منذ توقيعها عام 2016.

وقال الزواوي إنه لم تعد هناك حاجة لوجود قوات تراقب المجرى الملاحي بخليج العقبة ومضيق تيران بعد تنازل مصر عن الجزيرتين، مما جعله ممرا دوليا وبالتالي لم يعد لمصر حق إعاقة حركة الملاحة الإسرائيلية.

إعلان

وأضاف أن التوجه الأميركي يمكن عزوه أيضا للبعد الاقتصادي في إطار إعادة تقييم الإدارة الأميركية لأوجه إنفاقها الاقتصادية، وربما يأتي ذلك في ظل إعادة ترتيب تقييم "المخاطر" بعد أزمة كورونا التي أضرت بصورة كبيرة بالولايات المتحدة.

وكذلك لإعادة تعريف المخاطر طبقا لرؤية الأمن القومي الأميركية، لا سيما في ظل تراجع أهمية قوات حفظ السلام في سيناء بعد الشواهد التي أكدت أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في أفضل حالاتها، وفق الزواوي.

وأوضح أن طرفي معاهدة السلام يحاربان اليوم طرفا واحدا هو الجماعات التكفيرية في المنطقة، مستدركا أن الأمر لا يزال تحت الدراسة ولن يعتمد بسهولة في ظل الاعتراضات الإسرائيلية وكذلك وزارة الخارجية الأميركية.

خطة السلام الأميركية
وثمة ملاحظة أشار إليها الباحث في الشؤون العربية محمد علوش، في إطار تقييم السلوك الأميركي المستجد في سيناء، تتمثل في المساعي الأميركية في فرض خطة السلام الأميركية أو ما يعرف إعلاميا بـ "صفقة القرن"، التي تشير تقارير إلى أن من أبرز بنودها مبادلة أراض من سيناء بأراض في صحراء النقب.

وأوضح علوش أنه من المرجح أن تقدم إسرائيل على ضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية لاستكمال مشروع خطة السلام الأميركية دون مراعاة الحقوق الفلسطينية بدعم واضح من الولايات المتحدة، الأمر الذي سيزيد من خطورة الوضع الأمني على الجنود الأميركيين في سيناء.

وأشار إلى أن لدى الجماعات المتطرفة المنتشرة بسيناء سجلا حافلا في تحقيق بعض الاختراقات الأمنية، ولهذا لا تجد واشنطن مبررا في تعريض جنودها للخطر حال أقدمت بعض الجماعات المتطرفة على محاولات إلحاق الأذى بالمصالح الأميركية في المنطقة.

لكنه أكد أنه ليس بالضرورة أن يؤدي انسحاب الجنود الأميركيين من سيناء إلى سحب كامل البعثة الدولية، حيث لدى الدول الأخرى مصالح من وجودها في منطقة حساسة مثل الحدود المصرية الإسرائيلية، خلافا للأميركيين الذين لديهم نفوذ متعدد الجوانب في المنطقة.

إعلان

وشدد على أن مصر وإسرائيل ليسا في حاجة إلى الولايات المتحدة لتعزيز المصالح المشتركة بينهما، فالعلاقات اليوم هي في أفضل أحوالها، مضيفا أن ذلك لا يعني السماح المطلق لمصر في زيادة عدد قواتها ونوعية سلاحها هناك.

المصدر : الجزيرة

إعلان