ملايين المتضررين من كورونا.. هل تدفع الحكومة المصرية ثمن تأميم العمل الأهلي؟

محمد عبد الله-القاهرة
بعد سنوات من ملاحقتها وتجميد عملها والتحفظ على أموالها، تفتقر آلاف القرى وملايين الفقراء في مصر للدور المجتمعي والإغاثي الذي كانت تقوم به الجمعيات الأهلية والخيرية، والتي باتت الحاجة لها أكبر في ظل ما يعانيه فقراء مصر بسبب التأثيرات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا.
وأطلقت الحكومة المصرية حملة لجمع التبرعات لمتضرري أزمة كورونا، لكنها دعت لتوجيه جميع أموال الحملة لصندوق "تحيا مصر" الذي يشرف عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتم تدشينه في 2014 لجمع 100 مليار جنيه، ولكنه لم يحقق الهدف منه حتى الآن.
وأعلنت وزارة الصحة المصرية -أمس الخميس- أن إجمالي عدد الإصابات التي تم تسجيلها في مصر بفيروس كورونا المستجد، هو 865 حالة، من ضمنهم 201 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل، و58 حالة وفاة.
ومنذ ذلك الحين، وسّعت السلطات قرار الحل والتجميد ليشمل جمعيات أخرى بزعم ارتباطها بجماعة الإخوان التي كان ينتمي إليها الرئيس الراحل محمد مرسي، وبلغ عددها آنذاك 1055 جمعية، وحرم القرار ملايين البسطاء من الانتفاع بخدمات تلك الجمعيات الصحية والتعليمية والخيرية أيضا.
وكان نشاط تلك الجمعيات منصبا على رعاية الفقراء وتقديم خدمات صحية وتعليمية وخيرية، مثل الإعانات المالية الشهرية، وتجهيز العرائس للزواج، وتوزيع كسوة وأغطية الشتاء على المحتاجين، وإطعام الطعام، وإغاثة الملهوفين سواء في الظروف العادية أو الصعبة.
ومن أشهر تلك الجمعيات العاملة في المجال الطبي، كانت الجمعية الطبية الإسلامية، وتضم أكثر من 38 مستشفى ومستوصفا و10 مراكز متخصصة للغسيل الكلوي و12 صيدلية، وتعالج أكثر من 3 ملايين مريض، وتجري أكثر من 75 ألف عملية جراحية سنويا، وتتركز فروعها في المناطق الشعبية الفقيرة، حيث يشكل الفقراء غالبية المستفيدين من خدماتها.
وكانت تلك الجمعيات تقوم بدور مكمل للحكومة منذ عقود، بسبب قدرات الحكومة المحدودة والقاصرة، من خلال تشجيع العمل الخيري خاصة في محافظات الصعيد والمناطق الفقيرة بالقاهرة والمحافظات الريفية، وهو ما وفر مظلة كبيرة لملايين الفقراء لم تكن الدولة قادرة على الوصول إليهم (32 مليون شخص وفق بيانات رسمية عام 2018).
والآن وبعد أزمة جائحة كورونا، وفرض حظر التجول الجزئي وإغلاق المقاهي والمطاعم، وتعطل السياحة، وتوقف أو تقليص عدد العمالة في القطاع الخاص، وتضرر الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل 40% من الاقتصاد المصري، باتت الحاجة إلى دور تلك الجمعيات أكبر، لكنه لم يعد موجودا بالشكل الذي كان عليه قبل عام 2013.
وأكد عبد الغفار -في حديثه للجزيرة نت- أن النظام "يستخدم العمل الخيري لأهداف سياسية بحتة وليست خيرية، ولا يقبل أن يسدّ أحد غيره أماكن العجز التي تحدثها الأزمات الاقتصادية والطبيعية، لأنه نظام شمولي دكتاتوري يسعى لجمع كل الأمور في قبضته".
بدوره، قال رئيس الدائرة المصرية بمركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية إسلام الغمري إن "المجتمع المدني كان يمثل ظهيرا اجتماعيا لا يستهان به في دعم الفقراء والمحتاجين، ولكن منذ قدوم نظام 3 يوليو، كان أول أهدافه تجفيف العمل الأهلي الخيري تحت ذريعة محاربة الإخوان، مما حرم ملايين الفقراء من نوافذ وأبواب الخير".
وأوضح الغمري للجزيرة نت أن النظام "لا هو قادر على ملء الفراغ الذي تركته الجمعيات الأهلية، ولا هو ترك مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدورها، وأصبحت جائحة كورونا كاشفة وفاضحة لعجز النظام، مما يدفع بضرورة عودتها من جديد لتقوم بدورها الذي يعجز غيرها عن ملئه".