نتائج الانتخابات الإسرائيلية.. هكذا كانت القراءات في فلسطين
ميرفت صادق-رام الله
في أقدم متجر على دوار المنارة بمدينة رام الله بالضفة الغربية، يجلس الفلسطيني حسن الزبن ليبيع التسالي وعلب السجائر والمشروبات. وعلى غير عادته، لا ينشغل بمحطات الراديو القديم المركون بجانبه منذ سنوات طويلة -كما كان يفعل في أحداث سياسية- تماما كما لا ينشغل بالانتخابات الإسرائيلية.
يشيح الزبن بيده غير مهتم، ويقول "لن تشكل أي نتيجة فرقا بالنسبة لنا.. كلهم واحد"، رغم توافق نتائج الانتخابات الإسرائيلية مع توقعاته بتقدم حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، "بعد إقناعه الإدارة الأميركية بإعلان "صفقة القرن" ومد الجسور السياسية والاقتصادية مع الدول العربية"، كما قال الزبن.
يعمل الرجل في هذا المتجر منذ عام 1960، ويقول إن الفلسطينيين لم يعد لديهم اهتمام بتغيّرات الخارطة السياسية الإسرائيلية فكلها "طبقة واحدة ولون واحد" و"يتنافسون على تقديم الأفضل لأمنهم على حسابنا"، و"إذا نجح نتنياهو أو منافسه بني غانتس، فإسرائيل تحظى بدعم كامل من الإدارة الأميركية، وهذا يعني أن أية حكومة قادمة ستقضم أراضي الضفة الغربية وتضم الأغوار".
وفي ملحمة قريبة وسط المدينة، فضّل أصحابها، وهم يحملون هوية القدس (بطاقة إقامة إسرائيلية مؤقتة لا تسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الإسرائيلية)، عدم التعليق.
وقال بعض آخر للجزيرة نت، إنهم "غير متابعين للانتخابات ولا يتوقعون أي تغيير في الواقع السياسي السيئ الذي يعيشه الفلسطينيون". وأضاف أحدهم "بالنسبة لنا فالنتيجة من سيئ إلى أسوأ".
وفي مقهى قريب يبث أغاني عربية وأجنبية دون نشرات الأخبار، كما هي العادة في المقاهي الفلسطينية، قال جهاد الديك إن زبائنه لا يهتمون ولا يناقشون الانتخابات الإسرائيلية. وبرأيه الشخصي فإن "الانتخابات الإسرائيلية أصبحت عجلة تدور لإنجاح نتنياهو فقط".
لكنه يضيف "بالنسبة لنا نتنياهو وغانتس، كلاهما قائدان لدولة الاحتلال ويحظيان بدعم أميركي لتطبيق صفقة القرن ومخططات إسرائيل القديمة والجديدة".
وأظهرت النتائج الأولية بعد فرز 90% من الأصوات حسب القناة الإسرائيلية 12، حصول الليكود بزعامة نتنياهو على 36 مقعدا مقابل 32 لحزب غانتس و15 للقائمة العربية المشتركة.
وتوعّد نتنياهو في تصريح له عقب إعلان تقدمه قائلا "سننفذ وعودنا الانتخابية، وعلى رأسها الشروع الفوري بضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية".
ومع أولى نتائج العينات التلفزيونية، اعتبر مسؤول ملف المفاوضات في السلطة الفلسطينية صائب عريقات تقدم نتنياهو "فوزا للاستيطان والضم والأبارتهايد".
وقال عريقات إن "نتنياهو قرر أن استمرار الاحتلال والصراع هما ما يجلبان لإسرائيل التقدم والازدهار، فاختار تكريس أسس وركائز الصراع ودوامة العنف والتطرف والفوضى وإراقة الدماء، وفرض أن تعيش المنطقة وشعوبها بالسيف".
وحذر عريقات من أن "الخطوة القادمة (بعد فوز نتنياهو) ستكون خطة ضم الأغوار والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية".
قطيعة مع القيادة
وفي السياق، يقول الباحث في مركز مسارات للدراسات الإستراتيجية برام الله رازي نابلسي، إن انصراف الشارع الفلسطيني عن انتظار تغيير من الانتخابات الإسرائيلية، يدلل على القطيعة بين الشعب الفلسطيني وقيادته.
ويضيف أنه رغم تعويل القيادة الفلسطينية على تراجع نتنياهو وأحزاب اليمين المؤيدة له، بدعم القائمة العربية المشتركة، فإن الشارع الفلسطيني يدرك أن أي فائز لن يحدث أي تغيير وأن المخططات المنصوص عليها في خطة السلام الأميركية ستتبناها أية تشكيلة سياسية مقبلة.
ويعتبر نابلسي أن هذه الانتخابات، ومع بعض الاختلافات التكتيكية الصغيرة، تنافس فيها فريقان كلاهما متفقان على قمع وقتل آمال الشعب الفلسطيني، لذلك يبدو عدم اهتمام الشارع الفلسطيني بالنتيجة مبررا، خاصة بعد التوافق الإسرائيلي بين الأحزاب المتصارعة، ومنها الليكود وأزرق- أبيض، على ما جاء في خطة السلام الأميركية من تصفية للحقوق الفلسطينية كاملة.
ويعتقد المتحدث أن السؤال المطروح هو "هل سيكون هناك ضم للضفة الغربية بوجود مفاوضات في حال تقدم غانتس، أو سيكون الضم فوريا استمرارا لسياسة نتنياهو في حال نجح فعلا في تشكيل الحكومة؟".
ورغم اعتقاده بأن تقدم نتنياهو أضاع فرصة فعلية لعودة مسار المفاوضات بين السلطة ومنافسه غانتس، وهو ما كانت تطمح إليه القيادة الفلسطينية، يرى نابلسي أن هذه المفاوضات كانت لتصبح أسوأ من سابقاتها "لأن غانتس نفسه تنكر لأدنى الحقوق الفلسطينية ولا يختلف برنامجه جوهريا عن برنامج نتنياهو الذي يطبقه دون مفاوضات".
ويتفق غانتس ونتنياهو على مبدأ ضم أراضي الضفة الغربية والأغوار، وعلى مبدأ يهودية دولة إسرائيل وعدم الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم على الأراضي المحتلة عام 1967.
لا فرق
من جهته، يقول سكرتير المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إن الفلسطينيين يدركون أن لا فرق بين نتنياهو وغانتس وليبرمان، معتبرا أنهم "كلهم صهيوني متطرف وعنصري يريد ضم الأغوار والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية وتهويد القدس وتصفية حق اللاجئين في العودة وضد إقامة دولة فلسطينية، ويسعى لفرض نظام فصل عنصري (أبارتهايد) على الفلسطينيين".
ووصف البرغوثي نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأولية بأنها تصويت للتطرف اليميني وللعنصرية. وقال إنها تؤكد تعمق انعطاف المجتمع الإسرائيلي نحو العنصرية القبيحة، وترسيخ منظومة الأبارتهايد ضد الشعب الفلسطيني، وتشير إلى تعاظم وزن وتأثير المستوطنين في القرارات الإسرائيلية.
وقال المتحدث إنه رغم أن الأحداث أثبتت أنه لا فرق بين نتنياهو وغانتس، وأنهما وجهان لعملة واحدة، فإن حصول نتنياهو ومعسكره على أعلى الأصوات ورغم توجيه الاتهامات له رسميا بالفساد، يؤكد انضواء غالبية المجتمع اليهودي الإسرائيلي خلف خطة السلام الأميركية.
ودعا البرغوثي كافة القوى الفلسطينية إلى استخلاص العبر مما جرى والعمل على إستراتيجية فلسطينية موحدة، تركز على المقاومة الشعبية وتوحيد الصف الوطني وتصعيد حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل دوليا.